الطريقة الاسرائيليّة في مكافَحةِ الإرهاب: نموذجٌ يَبهُر السياسيّين والإعلامِيّين الفرنسيّين

كيف تتمُّ مُكافحةُ الإرهاب؟ بالتمثُّل بالنموذجِ الإسرائيليّ، هذا ما يُردِّده دونَ كَللٍ بعضُ الصحفيّين والسياسيّين الفرنسيّين. إلا أنّ الدول الّتي تعيشُ منذ أمَدٍ طويلٍ وفي حالةٍ من قلَّةِ الأمن، على غِرارِ الحالةِ السائدةِ في اسرائيل، قليلة.

سجينٌ فلسطينيٌّ في موْضِع “الموْزة”، وهي وسيلةُ تعذيبٍ سائدة لدى الاسرائيليّين
Graffiti palestinien photographié par Poprage, 2006.

سيلفان سيبيل

في 14 تموز 2016، أثارَ التفجير الذي أَوْدى بحياةِ 86 شخصاً وتسبَّبَ بإصابة 434 شخصاً بجروح، جَدلاً مشروعاً حولَ الوسائلِ التي يتوجَّبُ اعتِمادُها لتفادي هذا النوعِ من التجارُب المُريعة. و تضاعفَت في هذه المناسبةِ تصريحاتٌ تَذكُر “النموذجَ الإسرائيليّ”. لم تَأتِ تلكِ التصريحات على شكلِ مَوْجة عارِمة، إنَّما على شكلِ نَغمٍ لَجوج بدأ يستقِرُّ في الأذهان. فغداةَ التفجير، أجرَت إذاعةُ أر- تي -إل RTL مقابلةً طويلةً مع سفيرةِ اسرائيل في فرنسا. وجعلَت الصحيفةُ الليبراليّة كونتربوان Contrepoints من اختصاصِها الترويجَ “للحلولِ الإسرائيليّة”. فأجرَت مقابلة مُسهَبة مع كورين ساوَر Corinne Sauer، من مَعهَدِ القدسِ لدراسة الأسواق، حولَ فوائدِ “الطريقةِ الإسرائيلية”. بعدَ ذلك بثلاثَةِ أيّام، نشرَت الصحيفةُ مقالةً عنوانها “مُكافَحة الإرهاب: نحوَ نَموذجٍ اسرائيليّ؟”، مَقروناً بعنوانٍ أصغرَ: “مع مُعطَياتِ الإرهابِ الجديد، هل يَجبُ التوجُّهُ نحوَ نَموذجٍ أمنيٍّ جَديد؟”

في تاريخ 18 تمّوز، كان عنوانُ مَجلَّة الإكسبرس: “لماذا تُشكِّلُ اسرائيلُ نموذَجاً في مجالِ مكافَحةِ الإرهاب؟” أمّا هارولد هوزي Harold Hauzy، المستَشارُ الإعلاميُّ لرئيسِ الوزَراء، فأطرى من خِلال حسابِهِ على تويتر، على تقريرٍ بُثَّ على قَناة فرانس 2 حولَ الوسائلِ الإسرائيليّة لتهيئةِ الناسِ للتعايُشِ مع خَطرِ الإرهاب. كما تَمنّى وزيرُ الدفاعِ السابق، هيرفيه مورين Hervé Morin لو يَنحى الأمنُ الفرنسيُّ مَنحى اسرائيل. حينَها، نشرَت السفارةُ الإسرائيليَّة كُتَيِّباً بعنوانِ “المثلُ الإسرائيليُّ في مواجهةِ الخطرِ الإرهابيِّ”، لا تُخفي فيه سعادتَها لرؤيَةِ الإعلامِ الفرنسيِّ يَعي أخيراً المُشكِلة التي تواجِهُها اسرائيلُ منذُ زمنٍ وأهمِّيَّة الخبرةِ الإسرائيليّة. ومؤخّراً، شرحَ مارك تريديفيك Marc Trédévic القاضي الأٍسبقُ المختصُّ بمُكافحة الإرهابِ لمجلَّة ماريان أنَّه، “في وجهِ الإرهاب، لا بدَّ من رُدودِ فعلٍ على الطريقةِ الإسرائيليّة”

تَجربةٌ طويلةٌ جدّاً

لِنُقِرَّ أوَّلاً أنَّ للإسرائيليّين تجربةً طويلةً جدّاً في هذ المجال. فَيا لَهم مِن أبطالٍ في مُكا فحةِ الإرهابَ! فقبل 1948، واجَهُ المستَعمِرون اليهودَ المُشكلةَ ولم يُغيِّرْ إنشاءُ دولةِ اسرائيل شيئاً. مرَّ النموذجُ الإسرائيليُّ بفتراتِ تَوَتُّر عالٍ حيناً وأقلَّ توَتُّراً حيناً آخر، تَعايَشَ فيها مع ما سَمّاه “إرهاباً”، “عربيّاً” ثمَّ “فلسطينيّاً” دونَ انقِطاعٍ منذُ العِشرينات. لدرجةٍ أنَّهُ ما مِن خبيرٍ اسرائيليٍّ يتجرَّأ الآن على طرحِ نَموذجٍ “للقَضاء” على الإرهاب. باتَ مجرّد ضبطُه إنجازاً بحدِّ ذاتِه.

الدرسُ الأوَّل الذي يُمكن استخلاصُه من “النموذَج الإسرائيلي” هوَ أنَّ “الإرهابَ” عبارةٌ عن فئةٍ لا صفةَ سياسيَّةً لها، أشبَهُ بالملاريا، مرضٌ دوْريّ يسهَلُ علاجُه أو يَصعَبُ حين يتًفشّى في الجسد، دونَما سبيلٍ للخلاصِ منه، وأنّه يتوجَّبُ التعايُشُ معهُ إلى الأبد ، على الأقل طالما بقيَ العالمَ على حالِه. فكُلَّ التعاليمِ التي تَستنِد إلى النموذَج الإسرائيلي في مكافحَة الإرهابِ هي عينُها لا تتغيَّر:

  أ) للإرهاب شكلٌ واحِدٌ لا يتغيَّرُ في كلِّ مَكان وفي كلِّ ظرف. فتَنظيمُ الدوْلة الإسلاميَّة وحماس، كما فتحُ البارحةَ والقاعدة وحزبُ الله الشيعي، إلخ..، كلُّها تَدخلُ في الفئةِ “الإرهابية”، وعلى قَوْل مانويل فالز، من الوَهْم مُحاولة فهمُ الفُروقات، لأنَّ “الشرحَ يَعني بِدايَة التبرير”.

  ب) الإرهابُ ليسَ ظاهرةً مَحكومةً بظروف، لا بلْ هُوَ دائم، ويجبُ أن نَتعايَشَ معه قدرَ الإمكان.

  ج) مُكافحةُ الإرهابِ مَسألةٌ فنِّيَّة، ليسَ إلّا. إن أخذْنا النهجَ الصحيحَ واعتمَدنا الأدواتِ المناسِبة، سنتمكَّن من التخفيف مِنهُ كثيراً إن لم نَقضِ عليه.

بطبيعةِ الأمر، لا يَتساءلُ المُرَوِّجون “للطريقة” الإٍسرائيليّة حولَ شَرعيَّة الوسائلِ التي تَلجأُ إليها اسرائيل، كما أنهم لا يَتساءَلون حولَ التسمِيَة السياسيَّة للإرهابِ والظروفِ المؤدِّية إليه. بشكلٍ عامٍّ وبِبَساطة، هذا السؤالُ لا يُطرح. أحياناً، حين يَستلزِم الأمرُ جَواباً، فلتلك الوسائل تبريرٌ جاهز: لا يُمكنِنا القيامُ بحربٍ دونَ التسبُّبِ بخَسائر.

انتِهاك القانون الدولي

فغالباً ما يَقتصِر هذا “النموذجُ” عندَ المحلِّلين على “زجِّ” المُجتَمِع المدنيِّ إلى جانبِ قوى الأمنِ والقبولِ بالحدِّ من الحرِّيّات العامّةِ، وذلك بهدفِ مُكافحةِ ناجعة للإرهاب. فمقالةُ الإكسبرس التي ذَكرناها أعلاهُ خيرُ دَليل: “تعتمِدُ السياسةُ الاسرائيليّةُ لمُكافحة الإرهابِ على استراتيجيّة دفاعيّة (مناطقُ أمنيّة، حواجِز، نِقاطُ تَفتيش) وهجوميَّة (تَسلُّل، اعتِقالات احترازيّة، اغتِيالات موجَّهة..) من جِهةٍ أخرى ، تُشكِّلُ”التوعِيَة ومرونةً الرأيِ العامِّ داعماً رَئيساً“، هذا ما يشرحُه”خبيرٌ" اسرائيليٌّ للصحيفة، وهو يشيدُ بحسِّ المسؤوليّة عندَ السكّان.

يُفاجئنا في هذا الوَصف غِيابُ عُنصُرٍ هام: الإبقاء على شعبٍ – الفلسطينيّين- في حالةٍ من الخُضوعِ التامِّ وانعِدام الاستِقلاليّة، وهو التفسيرُ لبروزِ الإرهاب فيه دَوْريّاً ، ومُفتاحُ السِياسةِ الهادِفةِ للحدِّ من انتِشارِه في آنٍ معاً. فمن أجلِ مُكافحةِ “الإرهاب”، أي عملِيّاً مُكافحةِ أيَّة مُحاوَلة، إرهابيّةٍ كانت أم لا، يَقومُ بها شعبٌ للثورةِ ضدَّ الظلم، لم تَكُفَّ اسرائيل، مع الزمن، عن انتِهاك القانون الدولي. فالطريقةُ التي يتمُّ تطبيقُه بشكلٍ مُمَنهَج من قِبَلِ الجيشِ الإسرائيليّ، وذلكَ بتدميرِ مَنازلِ أهالي منفِّذي العمليّات الإرهابيّة، عملِيَّةُ عقابٍ جُماعي، وممنوعةٌ منعاً باتّاً في قوانين اتِّفاقيّات جنيف، ولكنَّها مطبَّقة منذُ التظاهرات ضدَّ الاحتِلالِ الاسرائيليِّ للضفَّةِ الغربيَّة في حُزيْران 1967. لنضعْ جانِباً أنَّها عمليَّةٌ انتقامِيَّة مَحضة: فهيَ لم تَردعْ يَوماً شابّاً فَلسطينيّاً عن الانخِراطِ في الإرهابِ لا سيَّما إن كانَت عائلتُه قد وقعَت ضحيَّتَه. كما أنَّ الاغتِيالات التي يرتكِبُها الجيش، أكانَت مُحدَّدة أوْ لا، تشكِّل تربة خَصبةُ تَدفعُ الشبّان إلى الانجِرارِ إلى “عملٍ عَسكريٍّ” غالِباً ما يكونُ دونَ جدوى بِحكمِ علاقةِ القوى.

كذلك الأمرُ بالنسبة للتعذيبِ الذي بدأَ العملُ به مع بِدايَة الاحتِلالِ عام 1967، والذي تمَّ اللجوءُ إلَيْه بشكلٍ مُكثَّف، خاصَّة في السجن السرِّيِّ للاستِخبارات العسكرية، مُعسكَر 1391، والمَمنوعِ دخولُه حتّى للنوّاب الإسرائيليّين. ما زالَ التعذيبُ قَيْدَ المِراس، وإنْ بشكل أخفَّ، وِفقاً لما تَقولُه اللجنَةِ العامَّة لمُناهضَة التعذيِب في اسرائيل.

كذلك الأمرُ بالنسبَةِ “للحجوزات الإداريّة”. فهيَ مَسموحةٌ بحكمَ “قواعدِ الدفاعِ في حالةِ الطوارئ” المرتَبطةِ مُباشرةً بقواعدَ مَوْروثةٍ من قِبلِ الجيْشِ البريطاني، الذي استعملَها بطريقةِ منهجيَّةٍ حتى انسِحابِ قوّاته عام 1948. وضعَت الدوْلةُ الجديدةُ اسرائيلُ هذهِ القواعدَ مباشرةً في ترسانة تشريعاتِها الأمنية. وهي تشكِّل انتِهاكاً لكلِّ قواعِدِ القانونِ الدوْليِّ الحالي، إذْ تسمحُ، من ضمنِ ما تَسمحُ به، باعتِقال واحتِجاز أيِّ شخصٍ دونَ مُحاكَمة، ودونَ تهمة، ودونَ مُهلةٍ زمنيّة. يكفي أن يَقومَ قاضٍ بالتَصديقِ على تَمديدِ الحجز، وعادة يصدق القضاةُ على طلَباتِ التمديد.

واقعُ غوانتانامو دونَ الاسم

بمَعنى آخر، نحنُ أمامَ غوانتانامو لا يُصرَّح به. منذُ 1948، تمَّ تطبيقُ هذه القواعِدَ بدايةً على مواطِنين عرب اسرائيليّين “متَّهمين” بدعمِهم للقضيّة الفلسطينية، ثمَّ منذ 1967 وبشكلِ مُكثَّف ضدَّ الفلسطينيّين في الضفَّة الغربيَّة المحتلَّة. أُدخِلت تلك القواعدُ إلى الترسانةِ العسكريّة (بما فيها القدس الشرقية، حتّى وإن ضمَّتها اسرائيل شكليَاً)، في نهاية 2016، قامَت المنظَّمة الاسرائيليَّةُ لحقوقِ الانسان “بتسِلِم” بإحصاءِ 692 فلسطينيّاً قيدَ الحجز الإداريِّ، من ضمنِهم امرأتان و13 طفلاً دونَ سن الثالثة عشر. تجاوَز هذا العدد الـ 2000 مُحتجَزٍ شهريّاً في فترةِ 2006-2008. في ما يقارِبُ 50 سنة من الاحتِلال، تعرّض عَشَراتُ الآلافِ من بين الـ 800.000 لحجوزاتٍ إداريّةٍ في وقتِ ما، لمدَّة تتراوَحُ بين ستَّةِ أشهرَ إلى أكثرَ من خمسِ سنوات.1 بعضُ النشطاء تَعرّضوا للاعتِقال عدَّةَ مرّات.

تضمُّ مكافحةُ الإرهاب أيضاً مَجموعةً من الإجراءاتِ لتفكيكِ المُجتَمعِ المدنيِّ الفلسطينيِّ ، من ضمنِها “الجدارُ الفاصل” الذي أعلَنت عدمَ شرعيِّتِه محكمةُ العدلِ الدوليّةِ في لاهاي، ناهيكَ عن إجراءاتٍ لا تُعدُّ ولا تُحصى هدفُها عَرقلةُ حياةِ الفلسطينيّين اليوميّة، وهي التجلِّياتُ الأكثرُ إثارةً للذهول. وفي حالةٍ قصوى، إنَّه شَعبٌ بكاملِه يُنعَت بالإرهاب. خلالَ الانتِفاضة الثانِيَة، حين قامَ الجيشُ الاسرائيليُّ بعملِيَّةِ “السورِ الواقي” في نسيان 2002 باسمِ مكافَحةِ الإرهاب، تمَّ اعتِقالُ وحجزُ عشَرات الآلافِ من الفلسطينيّين ما بينَ 14 و45 سنة، وذلك بحجَّة “التدقيق” ولفتراتٍ غيْرِ محدَّدَة.

وهكذا، فـ “النموذجُ” الإسرائيليُّ لا يَقتصِرُ على تَفتيشٍ أكثرَ دقَّةٍ في المطاراتِ والأماكنِ العامّة وحسب، ولا على الرضى بمختلَفِ القيودِ المفروضةِ على السكَّانِ (اليهودِ الإسرائيليّين، لأنَّ الفلسطينيّين داخلَ اسرائيل يخضَعون لمتابَعةٍ أمنِيَّةٍ من قِبلِ السلطةِ وهي قيودٌ من نوعٍ آخر). يندرِجُ هذا النموذجُ فيما سمّاه الأنتروبولوجي الإسرائيليُّ-الأميركيُّ جيف هابلر Jeff Hapler “مَنبَت الاحتِلال” : نظامٌ مَدروسٌ ومُسَفسَط ، دائمُ التحديث، يَهدِفُ إلى إبقاءِ السكّان في حالةٍ من الارتِباطِ والضعف - ضعفٌ سياسيٌّ يَحول دونَ تَحقيق طموحاتِهم السياسية، ضعفٌ يوميٌّ يَحولٌ دونَ حياة طبيعيّة - . “نَموذج” يساهِم بالمقابلِ في تَعزيزِ اليأسِ والإرهاب الذي يَنتُج عنه. وقد لاحَظنا ذلك مؤخَّراً مع اندِلاعِ “انتِفاضة السكاكين” حيثُ يقوم شبّانٌ فلسطينيّون وقد فَقدوا صوابَهم من شدَّةِ الإهانات وعدمِ قدرتِهم على تجنُّبِها، بالهجومِ على جنودٍ اسرائيليّين، أو مستعمِرين، بواسطةِ سَكاكين أو مقصّات أو مُفكّات براغي.

شًرعًنة القمعِ الاستِعماري

وعليه، يتوجَّب على المسؤولين الفرنسيّين الذي يفاخِرون بـ“النموذَج الإسرائيليِّ” لمُكافحَة الإرهاب، أن يكوِّنوا أكثرَ دقّة في فكرِهم. هل يَعنون إقامةَ مُعسكَرات لحجزِ “المشتبهِ بهم” حسبَ الرغبة ودونَ تبريرِ حجزهم؟ وأيَّةُ شريحةٍ سكّانيّة ستكونُ الهدفَ في فرنسا لتطبيقِ “النموذَج الفرنسي”؟ هل يعنونَ إخضاعَ بعضِ الضواحي “الحسَّاسةِ” للقواعدِ المطبَّقةِ على الفلسطينيّين منذُ خمسينَ سنة (دوريّات عسكريّة، منعُ التجوُّل، منعُهم من أخذِ الشوارع المخصَّصةِ لغيرِ الفلسطينيين، رفضُ إعطائهم تصاريحَ بناء)؟ هل يعنون التدميرَ المنهَجيَّ لبيوتِ عائلاتِ الإرهابيّين ووضعِهم في الشارع؟ هل يَعنون إعادةَ التعذيبِ كوسيلةٍ شرعيّة في الحربِ ضدَّ الإرهابِ التي تخوضُها باريس؟

واقعُ الأمر أنّه اسرائيلُ تَستعمِل في تلكَ “الحرب” وَسائلُ تمَّ استعمالُها بكثرةٍ عبرَ التاريخ، خاصَّةِ من قِبلِ القوى الاستعمارِيّة. فقد كانَت الحجوزاتُ الاعتِباطية والحكمُ دون مُحاكمة ولمدّة غيرِ محددة، مُمارسَة مُتداوًلة في “سياسةِ مُكافحة الإرهاب” البريطانيّة في كلِّ أرجاءِ الإمبراطوريّة، بالإضافةِ إلى مَجموعة تدابيرَ أخرى على نفسِ الطراز. كما تمَّ اعتِماد الممارسات عينُها ضدَّ الييشوف الصهيوني2. إذ إنَّ اسحق شامير، الذي وصفَتهُ قِوى الاحتِلال البريطانيِّ بـالـ“إرهابي” لأنَّه كانَ على رأسِ مَجموعَةٍ مسلَّحة ( ستيرن)، تمَّ نقلُه إلى إيريتريا، تِطبيقاً لقواعد الطوارئ عينها آنذاك. ثمَّ طُبِّقت هذه القواعِد لطردِ آلافِ الفلسطينيّين.

أما التعذيبُ ووسائلُ العمل الأخرى، فقد كانَت مستعمَلة من قِبل الكثيرين قبلَ أن يلجأ إليها الإسرائيليّون. وفي هذا المجال، لا داعي أن ينسخَ بلدُنا “النموذجَ الإسرائيلي”. ففي ماضي فرنسا، خاصَّة في الجزائر، حيثُ طمحَ إرهابيّون مُرعِبون إلى الاستِقلال، فيضٌ من غَيض. وقد شكَّلَ هذا الماضي نموذجاً لقِوى الاحتِلال الاسرائيلي في الأراضي المحتلَّة. ففيلم جيلو بونتكورفو Gillo Pontecorvo، وعنوانُه “معركةُ جزائر العاصمة”، الذي يتطرَّقُ للصراع (بما فيه التعذيب) بين المظلِّيّين والمحاربين من أجلِ الاستِقلال الذي سمّاهم الجيشُ الفرنسيُّ بالفلاغا، قد تمَّ عرضُه في كلِّيّات الضبّاط الحربيَّة الإسرائيليَّة كمَثلٍ عن مُكافحَة الإرهابِ في وَسَط مَدينيّ.

خلاصةُ الأمر أنَّنا إذا كنّا بصددِ شرعَنة استِعمال أساليبِ القمعِ الاستِعماريّة، من الأفضلِ التصريح بذلك. وليسَ هناك داعٍ للرجوعِ لإسرائيل، فماضي فرنسا يكفَي للغرض ويَفي به.

1أفضلُ مقالةٍ في هذا الشأن صدرَ عن الجمعيّة القانونيّة آدامير ، الصادرة في كانون الأول 2015 ، Administrative Detentions

2لكلمةِ “ييشوف” عدَّة معانٍ بالعبريّة. وهو يَعني بشكلٍ خاصّ “الاستِقرار” أو “الانغِراس”. واستعملَته الحركةُ الصهيونيّة للإشارةِ إلى اليهودش الذين كانوا يسكُنون في فلسطينَ الانتدابيّة قبل 1948.