النساء في تركيا يدخلن معركة الاستفتاء

لا يمكن اختصارهن بتيار واحد، علماني أو إسلامي · في السادس عشر من شهر نيسان/ابريل الجاري، سوف يصوّت الأتراك على التعديل الدستوري، الذي يهدف، من بين أمور أخرى،إلى توسيع صلاحيات رئيس الجمهورية. وتعكس التعبئة النسائية،في اطار حملة الاستفتاء، تنوعا في المواقف حول ارساء نظام رئاسي في تركيا، لا يختصره الانقسام التبسيطي بين تقليديين وحداثيين.

يتردد صدى أصوات نسائية قادمة من مركز “باكيركوي”، وهو أحد أحياء الضفة الأوروبية لإسطنبول، قريب من مطار أتاتورك، حيث جرى في يوم الأحد 5 آذار، تنظيم مسيرة من قبل منظمات نسائية عدة للمطالبة بمزيد من المساواة ومزيد من التدابير ضد العنف الذي تقع النساء ضحيته في تركيا. ورغم حضور أمني مكثف، فإنّ الأجواء كانت احتفالية في ساحة “أوزغورلوك” (ساحة الحرية) حيث تنتهي المسيرة : مئات النساء، من الشابات أو من الأكبر سنا، ومن التركيّات والكرديات باللباس التقليدي يرفعن لافتات، ويصرخن،ويرقصن لإسماع أصواتهن ضد سياسة حزب العدالة والتنمية ـــــحزب الرئيس رجب طيب اردوغان.

5 مارس/ آذار2017 – مسيرة نظمتها عدة جمعيات ناشطة في قضايا المرأة بمناسبة اليوم العالمي لحقوق المرأة. ونرى هنا، إلى اليمين من الصورة، “نيسان”، البالغة من العمر 22 عاماً، ترافقها زميلات لها من جمعية “يريوزو”. وتشكو المناضلات من العنف المنزلي. ويطالبن “بالحق في الحياة والمساواة بين الجنسين، والاستقلالية الذاتية للمرأة وتنفيذ أفضل للقوانين التي تحمي النساء”.

نيسان1 قلقة، وهي من مؤسسي المنظمة النسويّة الاشتراكية “ياريوزو” (أرض) :“نعرف وجهة نظر الحكومة حول النساء: يجب أن يبقين في البيت وأن ينجبن ثلاثة أطفال وألّا يضحكن في الأماكن العامة وألّا يجهضن ولا يمكنهن أن يرتدين ما يحلو لهن. الطريقة الوحيدة التي نملكها لوقفهم هي عبر التصويت بالرفض لدى الاستفتاء.”

تسجل نيسان بارتياح أن “الحملة من أجل التصويت بالرفض في الاستفتاء الشعبي العام تثبت أن توحيد الجهود يعزز قوانا. قبل ذلك كانت منظمات حقوق المرأة تلتقي في مناسبات معينة كاليوم العالمي لحقوق الانسان فقط، أما الآن مع الاستفتاء الشعبي العام فلقد أدركنا أن علينا أن نكثف من اجتماعاتنا لنواصل الكفاح”.

وعلى بعد حوالي عشرة كيلومترات، تصل النساء بالآلاف أمام مدخل قاعة عبدي إيبكجي (Abdi Ipekçi Spor Salonu)، وهو مجمع رياضي يقع بمنطقة زياتينبورنو، وقد أتت بعضهن من مناطق بعيدة لدعم رجب طيب اردوغان. هذا الاجتماع العام هو من تنظيم جمعية المرأة والديمقراطية (Kadem) التي أسستها سمية اردوغان، ابنة الرئيس. ولهؤلاء النسوة تعلُّقٌ شديد بزعيمهن :“لدينا ثقة بكل ما يقوم به رئيسنا رجب طيب اردوغان. وهو يعتني بنا. إذا قال نعم، نقول نعم. وإذا قال لا فنحن نقول لا. إنه بمكانة الأب بالنسبة لنا.”

حشد يفوق العشرة آلاف سيدة تظاهرن في 5 مارس / آذار 2017 تأييداً لرجب طيب أردوغان وحزب العدالة والتنمية خلال مهرجان سياسي نظمته جمعية النساء والديمقراطية KADEM . ولقد نجح حزب العدالة والتنمية في كسب مودة الناخبات المحافظات برفعه الحظر عن عمل المحجبات في المؤسسات الحكومية والدراسات الجامعية. كما سمحت السلطات مؤخراً برداء حجاب الرأس في قوات الشرطة والجيش أيضاً.

والد كثير الوعظ

قد يبدو دعم هؤلاء النسوة، الى حد ما، بمثابة قبولٍ تام بالنظام الأبوي الذي أراده زعيم حزب العدالة والتنمية، قائد البلاد منذ العام 2002. اذ “يفرض اردوغان نفسه كأب واعظ. إنها طريقته في خلق روابط من خلال إقامة علاقة سُلطوية مع الشعب معاملا اياه معاملة الأطفال.” كما يشرح جان فرانسوا بيروز، مدير المعهد الفرنسي للدراسات الأناضولية (IFEA)، ويضيف أنّها “استراتيجية سياسية ولكنها أيضا ممارسة ثقافية في تركيا، تعتمد تقزيم المواطن في مقابل الدولة. وبهذا المعنى، تكون المرأة مقزّمة مرتين، كمواطنة في مقابل الدولة وكفرد في مقابل الرجل.” ويلفت بيروز النظر إلى أنّ “قادة سياسيين آخرين، جسّدوا في الماضي شخصية الأب”، مشيراً بالخصوص إلى مصطفى كمال أتاتورك الذي يعتبر الأب المؤسس للجمهورية التركية. لكن حزب العدالة والتنمية قد أسند هذا النظام إلى سياسة اقتصادية مغالية في الليبرالية، أتاحت للأسر ، في أوجها خلال عشرية الألفين، موارد إضافية.

في 8 نيسان / أبريل 2017 تم تنظيم مهرجان ضخم لمساندة التصويت ب “نعم” في الاستفتاء الشعبي العام، واجتمع فيه عشرات الآلاف من مؤيدي مشروع التعديل الدستوري الذي قدمه رجب طيب أردوغان. ويلاحظ فوق المنصة التي ألقى منها إردوغان خطاباً طويلاً، صورة الرئيس التركي التي وضعت بشكل استراتيجي الى جانب صورة كمال أتاتورك مؤسس الجمهورية التركية، رغم الاختلاف في سياسات الرئيسين. مناظرة مدروسة تؤكد إرادة رجب طيب أردوغان الظهور مجدداً بمظهر الأب للوطن.

تنتقد زينب، طالبة الانثروبولوجيا في جامعة اسطنبول، بشراسة "هذا النظام الأبوي الرأسمالي القائم على الدين والاقتصاد“. ومع ذلك، فإن الشابة تتفهم أيضا النساء اللواتي يصوّتن لهذا الحزب:”إنّ النظام الأبوي ليس مترسخا في عقول الرجال فقط، بل هو عقلية قد استوعبتها النساء أيضا. لقد عزّز حزب العدالة والتنمية التطور الاقتصادي للأسر، ولهذا تصوّت له نساء كثر، لاعتقادهن أن راحتهن المادية أهم من وجودهن كنساء.“

مناضلات في حملة ال”لا"

في 8 آذار/ مارس الأخير، تظاهرت آلاف النساء في شارع الاستقلال الشعبي في قلب اسطنبول. زنينب وصديقاتها من جامعة إسطنبول مشين على وقع هتافات “كلا ...معناها ...كلا” وشعارات أخرى تناصر حقوق المرأة.

لقد عمّ الاستياء الكثير من المناضلات مثل زينب، بسبب سياسة الحكومة تجاه المرأة. فمؤخراً (في تشرين الثاني 2016)، كانت الحكومة التركية تريد اسقاط صفة الجريمة عن الاعتداءات الجنسية ضد الفتيات القاصرات، إلى جانب إسقاط الملاحقة القانونية في بعض الحالات إذا ما تزوج المعتدي من الضحية. وأثار مشروع القانون هذا استياءً عاما في تركيا، فقد تظاهرت نساء في جميع أنحاء البلاد، كما نأت ابنة رجب طيب اردوغان، بنفسها عن هذا القانون من خلال جمعيّتها (Kadem)، وبعد عريضة الكترونية وقّعها أكثر من مليون شخص،تمّ اسقاط مشروع القانون من قبل النواب.

من جهة أخرى، نظّمت بعض المناضلات من أحزاب المعارضة، على غرار حزب الشعب الجمهوري وحزب الشعوب الديمقراطي، زيارات للبيوت لشرح تداعيات تغيير الدستور. وقد وحّدت الجمعيّات النسائية خطابها للدعوة للتصويت بالرفض. كما تلتقي النساء لتوزيع منشورات في الطريق. “سيصوت العديد من المواطنين بنعم لأنهم راضون عن سياسة أردوغان”،حسب توضيح فيدان، وهي مناضلة شابة تبلغ من العمر 28 عاما، خلال اجتماع لمنبر “النساء يقلن لا” (HayirDiyen Kadinlar)،وهو تجمُّع لجمعيات نسوية مختلفة. وتتابع قائلة: "نحن نحاول أن نشرح لهم أن معارضتهم لمشروع تعديل الدستور لا تعني بالضرورة أنهم لا يساندون الحزب".

بالنسبة لنيسان، طالبة الحقوق، من الأهمية بمكان أن يطلع الجميع على كل ما تعنيه مقترحات ال18 لتعديل الدستور من تبعات. لذلك فهي توزع المنشورات في شارع الاستقلال المزدحم بالمارة، مع رفيقات لها من تجمع Hayir Diyen Kadinlar لإقناع الناس برفض مقترحات التعديل. وكان المارة يتناولون المنشورات في ذلك اليوم، رغم المضايقات التي تعرض لها المناضلات، حسبما ذكرن، خلال نشاطهن هذا.

تعتبر سيدات هذا المنبر أنّ التصويت ب“لا” أمر مفروغ منه لأن انتصار ال“نعم” سيجعل الاحتجاج على سياسة الحكومة أصعب بكثير. “اجتمعت النساء مؤخرا، من مناصرات لقضية المرأة وغيرهن على افشال مشروع القانون حول رفع التجريم عن اغتصاب القاصرات بشرط زواج المعتدي من الضحية. مما أفضى إلى إسقاط القانون. إذا ما تغيّر الدستور، فإن مثل هذه الآلية لن تكون ممكنة”، توضح فيدان. وفي مقر صغير بأحد شوارع “تكسيم”،تجتمع الناشطات للتخطيط للحملات القادمة: توزيع المنشورات في الشوارع والأسواق، وتصوير فيديوهات في الجامعات وتنظيم اجتماعات عامة مع جمعيات أخرى من جميع أنحاء البلاد.

اجتمعت ناشطات تجمع Hayir Diyen Kalindar بتاريخ أول نيسان/ أبريل على مقربة من ميدان “تكسيم” بهدف توعية الشعب وأخذن يرددن في الشوارع “16 نيسان/أبريل لن يكون كذبة نيسان”. وتقول نيسان إنها مطمئنة للنتائج التي سيسفر عنها الاستفتاء الشعبي العام، بعد استطلاعات الرأي العام التي وضعت أنصار“كلا” في الطليعة. إلا أنها تعتقد أن حزب العدالة والتنمية سوف يصيبه مس من الجنون إن فاز تيار الرفض، بل وتتوقع حدوث حرب أهلية.

جنديات حزب العدالة والتنمية

من جهة حزب العدالة والتنمية، فإنّ المناضلات في داخله في حملة أيضاً. تَعدُّ فروع الحزب النسائية حوالي 4 ملايين عضو مما يجعله، اذا ما اعتمدنا على أقواله، أحد الأحزاب السياسية الأكثر مساندة من قبل النساء في العالم. “هؤلاء النساء في حملة مستمرة”، كما تشرح لوسي دريشزيلوفا، الباحثة في مركز الدراسات التركية والعثمانية والبلقانية، ودراسات آسيا الصغرى (Cetobac). “إنهن منظّمات بحسب الأحياء، ويهتممن بالمرضى ويزرن المسنين وينظّمن تلاوات للقرآن.” والمساعدة هذه موضع تقدير كبير لدى سكان الأحياء المحرومة الذين يجدون دعما حقيقيا، ماديا ومعنويا. “في تركيا، من عادات النساء أن يلتئمن في لقاءات عدة”، تقول الباحثة، ولقد “تمكّن حزب العدالة والتنمية من استثمار واستخدام وتسييس هذه اللقاءات. لقد فتح له هذا التوجه أبواب البيوت، حيث يحجر على الرجال الغرباء الدخول اذا ما كانت المرأة وحدها، وفق التقاليد”.

في إسطنبول أصبحت مفترقات الطرق والأرصفة البحرية مسرحاً للتيارين المتعارضين نعم/ كلا. فالخيام تتواجه، في أجواء من المرح الظاهر. في حي إيمينونو عدد من المناضلات يوزعن المنشورات أمام خيمة تابعة لحزب العدالة والتنمية. يمثل نفوذهن عاملاً حيوياً. فالنساء يمثلن أكثر من 55 بالمائة من ناخبي حزب العدالة والتنمية.

لكن وجود هذه الفروع النسائية ليس أمرا خاصا بحزب العدالة والتنمية، فكل الأحزاب السياسية لديها مناضلات ناشطات. والنضال النسائي فعّال بشكل خاص بالنسبة للحزب الحاكم، لكنّه أيضا كذلك بالنسبة لحزب المعارضة، الداعم للأكراد، حزب الشعوب الديمقراطي. وتشير لوسي دريشزيلوفا إلى أن “النساء داخل حزب الشعوب الديمقراطي ناشطات لدرجة تجعلنا نتساءل عما اذا كان نضالهن يتخطى نضال الرجال”.2.”يجب إذن أن نأخذ بحذر خطاب قادة حزب العدالة والتنمية الذي يقول إن الحزب قد فتح المجال للنساء“، كما تشير الباحثة،”فعلى سبيل المثال، لا نسجل في الانتخابات البلدية إلا تمثيلا محدوداً للنساء." ومع ذلك، فإن النساء اللواتي يشاركن في لجان الأحياء يشعرن بتقدير اجتماعي أكبر. وباستطاعة اللجان النسائية لحزب العدالة والتنمية، بدعم من الماكينة المالية للدولة، أن تقدم مساعدات مالية للسكان الأكثر حرمانا. ويحظى تبادل الخدمات والدعم المالي هذا بتقدير كبير لدى السكان، في حين أن بقية الأحزاب غير قادرة على الإتيان بمثله.

إردوغان الذكوري؟

تبلغ مليكة 36 عاماً وتعيش في حي غونغوران (وهو حي سكني وعائلي بعيد عن مركز المدينة)، وتتقن اللغة الفرنسية، اذ عاشت في فرنسا ثلاث سنوات حيث تابعت دراستها في مدينة بوردو. كانت مليكة قليلة الاهتمام بالسياسة في بلدها، وقد أذهلتها التغييرات التي لاحظتها حين عودتها عام 2009. فتذكر تطور شبكة المواصلات، والضمان الاجتماعي للجميع، والحملات الرامية لإرسال الفتيات من شرق البلاد إلى المدارس، والمنح المسندة للجامعات، الخ. “لقد جلب اردوغان نفساً جديداً لبلادنا. أنه رجل إصلاحات، لهذا أسانده”. تقول مليكة برضا. كما أنها ستصوت ب“نعم” على الاستفتاء، لاعتقادها أن بإمكان الرئيس التركي مواصلة مسار تحديث بلاده، وبالتالي، التأكيد على قوة تركيا في عيون الآخرين، ولاسيما الغربيين. كما أن تعزيز سلطة الرئيس لا يخيفها، بل بالعكس، إذ أنها تعتقد أن تركيا بحاجة لرجل قوي لتفرض نفسها على الساحة الدولية. “سيكون لنا أيضا محاكم محايدة ومستقلة. لقد فتح الانقلاب أعيننا على عدم حياد القضاة لاسيما الغولانيين والكماليين. من هنا فصاعداً، سيكون قضاتنا محيادين”. ورغم التطهيرات المنظمة بعد محاولة الانقلاب في 15 تموز 2016، لا ترى مليكة في ذلك جنوحا نحو الاستبداد، بل ترى فيه، على العكس، ضرورة لحماية المواطنين الأتراك من التهديد الارهابي.

مليكة عمرها 36 سنة وحائزة على شهادة في الترجمة. وهي تعمل حالياً على أطروحة حول وسائل الإعلام الأجنبية التي تتناول السياسة في تركيا. وأهم شيء بالنسبة لمليكة :“أن يكون بلدي وشعبي مستقلَّيْن تجاه البلدان الغربية”. وتضيف “من اليسير أن يصبح المرء مسانداً لأردوغان عندما نرى كيف تُذِلّنا أوروبا. فوسائل الإعلام تشوه باستمرار تصريحاته، وتظهره في صورة شيطان”.

وهذه المساندة المطلقة تشاركها فيها صديقتها ايسيغول البالغة من العمر 25 عاماً والتي تعمل مترجمة في شركة طاقة: “كإمرأة،أنا أساند اردوغان، لأني أحس أنني أقوى مع حزب العدالة والتنمية. بصدق، أنا لا أفهم الناس الذين يقولون أن اردوغان ذكوري النهج. فهو لم يقل أبدا أن على النساء البقاء في المنزل. إن كان الأمر كذلك، فلمَ يقبل بأن تعمل بناته؟”

3.

وتعتبر السيدة الشابة أن الحكومة قامت بإصلاحات عدة من أجل النساء في تركيا: “تأملوا مشروع”كوسغيب“: إنها مؤسسة حكومية تموّل مشاريع للسيدات صاحبات الأعمال”. ستصوت ايسيغول اذن ب“نعم”. فهذا الخيار سوف يتيح، حسب اعتقادها، نظاماً حكومياً أكثر استقراراً (أقل بيروقراطية، وأكثر سرعة في اتخاذ القرار،وديمومة للسلطة)، واقتصادا أكثر قوة.

“أتراك بيض” مقابل “أتراك سود”

حجج قوية تعتمد عليها أيضا المناضلات المتواجدات في أجنحة ال“نعم” (“ايفيت” Evet)، والتي انتشرت في أحياء مدينة اسطنبول الرئيسية إلى جانب أجنحة ال“لا”. وغالبا ماتتواجد فيها غالبية من النساء، ترفعن اللافتات والأعلام، لكن من الصعب برغم ذلك اجراء مقابلات مع مناضلات حزب العدالة والتنمية: الحذر من وسائل الاعلام الغربية حقيقي. “نخشى أن تغيّر أقوالنا أو أن يتمّتوظيفها من قبل وسائل الإعلام الغربية التي لا تريد أن تبيّن أن رجب طيب اردوغان مدعوم من الشعب التركي”. كما تشرح مليكة،التي أصيبت بنفسها بخيبة أمل جراء مقابلة أجرتها مع وسيلة اعلام فرنسية ـــــ ألمانية. وبالتالي، فإن سيدات حزب العدالة والتنمية لا يُرِدن التحدث طويلا دون إذن من المسؤولين. لكن شيئا معينا يذكر بكثرة لدى المناضلات المتواجدات في الجناح، وهو تشريع ارتداء الحجاب في الجامعات والوظيفة العمومية.

علاوة على سيطرته شبه التامة على وسائل الإعلام في البلاد فإن تيار ال “نعم” يحتل اللافتات والمساحات العديدة في تركيا. لقد غطت اسطنبول الرايات والأعلام التي تحمل شعار:“الشعب إلى الأبد، خياره”نعم“”.

لقد كان النقاش حول الحجاب أحد الوعود الرئيسية في بداية حكم حزب العدالة والتنمية، مما أكسبه دعما كبيرا من الناخبات والناخبين المحافظين، والذين عوملوا كمواطنين من الدرجة الثانية من قبل النخب الكماليّة. “لقد كان مطلباً حقيقياً للنساء”، كما توضح أيسي أكيوريك، باحثة الدكتوراه في العلوم الدينية بالمعهد الفرنسي للدراسات الأناضولية (IFEA). “ولقد استجيب لهذا المطلب من قبل فاعلين كثر، لاسيما مناصري حقوق المرأة. وقد خلّف رفع الحظر رضى حقيقياً لدى النساء المحجبات”، كما تشرح الباحثة. إن خطاب قمع النخب للطبقات الشعبية ــــــ لاسيما في الأوساط الدينية والمحافظة ــــــ أصبح خطابا كلاسيكيا للحزب الحاكم. ويبدو أن الإفراط في استخدامه جعل العقول تتشربه على نطاق واسع. فاستراتيجية“انتقام الشعب من الأتراك البيض” الهجومية، قد سلكت طريقها لدى الغاضبين من الحكومات السابقة عند وصول حزب العدالة والتنمية، الذي أسند هويته السياسية إلى إسلام وسطي يعبر عن العديد من النساء المتدينات (ويشير تعبير “الاتراك البيض” إلى الأتراك الذين يتبعون نمط العيش الغربي واللذين يملكون عامّةً مستوى معيشيا مريحاً ومستوى دراسيا جيداً. وهي الشرائح التي استفادت من الاصلاحات التي قام بها أتاتورك، رئيس الجمهورية التركية من 1923 إلى 1938. وتُقابِلُ “الأتراك البيض”،أي العلمانيين والمتمدنين، عبارة “الأتراك السود” siyah türkler))،وهو مصطلح يجمع ضمنه الشرائح المنحدرة من الطبقات الشعبية والريفية التي أهملتها سياسة الأب المؤسس لتركيا).

أنا منخرطة في العمل، مستقلة، عصرية، ومع ذلك فأنا مؤمنة. وفي كل الأحوال ماذا تعني كلمة “عصري” بالضبط؟ تسأل مليكة. وهي تأسف لانعدام التسامح والاحترام من قبل أعضاء التيار “الكمالي” (نسبة لكمال أتاتورك): “أضيق بقولهم إننا لسنا إلا نعاجاً، مما يدل على استخفافهم بأغلبية الشعب. هذا النوع من التسميات يثير الضغائن”. ولقد خسرت مليكة العديد من الفرص المهنية بسبب قناعاتها السياسية، كما حصل خلال مقابلتها لأكاديميين ذوي ميول “كمالية”.

استقطاب مصطنع

هل التركيّات رمز للانقسام بين الحداثة والتقاليد، المميّز لتركيا؟ وهل النساء الأتراك مستقطبات بين نساء “عصريات”،“غربيات” و“علمانيات” من جهة، و“متدينات”،و“محافظات”و“محجبات” من جهة أخرى؟ لا يبدو أن فيدان (من منبر “النساء يقلن لا”) تؤيد هذه الرؤية: “إن الرجال هم من خلقوا فكرة الاستقطاب. عندما نتناقش مع النساء في الأسواق يكون لنا نقاط تفاهم أكثر من نقاط اختلاف، حتى مع أكثرهن محافظة، لاسيما فيما يخص التضخم وارتفاع الكلفة المعيشية وحتى ضرورة عودة السلام إلى شرق البلاد”.

نيرمين عمرها 29 عاماً وتعمل في فندق. متزوجة ولديها طفلان. ترعرعت في عائلة وطنية محافظة، وكانت على الدوام تصوت لصالح حزب العدالة والتنمية. إلا أنها من وجهة نظر اقتصادية تشعر بخيبة أمل متزايدة. وتعبّر عنها بأسف:“علينا أن ندفع عدداً لا يطاق من الضرائب، ولكن أين تذهب كل هذه الأموال، ولأي غرض؟ ثم أننا نعاني اليوم من التضخم، والحد الأدنى للأجور هو على حاله.” كما تنتقد نيرمين سياسة المشروعات العظمى التي شرعها بها أردوغان، كالجسر الثالث الذي يربط الضفة الأوروبية بالضفة الآسيوية من البوسفور، أو المطار الثالث قيد التشييد في إسطنبول.

وهو شعور تتقاسمه معها إسراء، البالغة من العمر 30 عاماً والمنحدرة من محيط محافظ قريب من الحزب الاسلامي “سعاديت”4.

ولاتزال إسراء مترددة بشأن تصويتها في الاستفتاء. فهي تحيي تحرير ارتداء الحجاب، الذي مكنها من الدراسة، لكنها تعارض استبداد زعيم حزب العدالة والتنمية: “لقد ارتكب الكماليّون أخطاء عدة. لقد كان العيش تحت حكم حزب الشعب الجمهوري كابوسا للمتدينين. لكن حالة الطوارئ الحالية والتوقيف دون محاكمات ليسا من العدالة بشيء”. شقيقتها، زهرة، الطالبة في الدراسات الدينية،اتخذت قرارها: التصويت ب“لا”. تقول زهرة: “أنا لا أساند حزب العدالة والتنمية وسياسته التي تستغل الدين لخدمة استراتجية السلطة. يجب أن يبقى الدين والسياسة منفصلين”.

أما فيما يخص نساء أخريات محافظات، وهن ناخبات يصوّتن عادة لحزب العدالة والتنمية، فإن موافقتهن على تغيير الدستور غير مضمونة. نرمين، 29 عاماً، مثال على ذلك. فهذه السيدة الشابة تعيش في ذات منطقة سكن إسراء وعائلتها في اسطنبول، ولطالما صوتت لحزب العدالة والتنمية في مختلف الانتخابات، وهي تشير إلى فوائد سياسة الحزب العائدة على وسائل النقل والصحة وعلى الحجاب. لكنها حرصت مع ذلك على الاطلاع عبر الانترنت على التعديلات الدستورية، لأنها لا تثق بوسائل الاعلام الوطنية التي تنشر “بروباغندا” الحزب (الدعاية السياسية): “أعتقد أن اردوغان زعيم جيد، وأنا راضية عن سياسته” كما تشرح لنا، مستدركة بالقول: “لكني في المقابل،لا أريد أن تتركز كل السلطات في يد رجل واحد. لقد قرأت أن ذلك خطير. لقد قام بما يجب القيام به كرئيس، وهو ما لم ينجح فيه من سبقوه. لكن هذا لا يعطيه الحق في منح نفسه كل السلطات”. كما تشعر نرمين بالآثار السلبية للأزمة الاقتصادية والتضخم الذي يؤثر على البلاد حاليا. وتستخلص بنوع من الفخر: “لم يعد صحيحا اليوم الاعتقاد بأن كل النساء المحجبات يصوتن لاردوغان”.

  • أنا منخرطة في العمل، مستقلة، عصرية، ومع ذلك فأنا مؤمنة. وفي كل الأحوال ماذا تعني كلمة “عصري” بالضبط؟ تسأل مليكة. وهي تأسف لانعدام التسامح والاحترام من قبل أعضاء التيار “الكمالي” (نسبة لكمال أتاتورك): “أضيق بقولهم إننا لسنا إلا نعاجاً، مما يدل على استخفافهم بأغلبية الشعب. هذا النوع من التسميات يثير الضغائن”. ولقد خسرت مليكة العديد من الفرص المهنية بسبب قناعاتها السياسية، كما حصل خلال مقابلتها لأكاديميين ذوي ميول “كمالية”.

1طلبت السيدات اللواتي قابلناهن بعدم كشف هويتهن الحقيقية

2خلافاً لحزب العدالة والتنمية وبعض الأحزاب الأخرى، فإنّ حزب الشعوب الديمقراطي هو الحزب الوحيد الذي يحترم فعليّا نسبة الأربعين في المائة من النساء في هيئات صنع القرار“. في حزيران 2015 كان لحزب العدالة والتنمية 15.5 في المائة من النساء في البرلمان، بعيداً خلف حزب الشعوب الديمقراطي، ومباشرة خلف حزب الشعب الجمهوري (الحزب الكمالي، نسبة لكمال أتاتورك

3وكان زعيم حزب العدالة والتنمية قد أثار الجدل مراراً حول موضوع المساواة بين المرأة والرجل. ففي تشرين الثاني 2014، على سبيل المثال، وخلال اجتماع عام حول النساء والعدالة في اسطنبول،هاجم اردوغان الناشطات لحقوق المرأة مباشرة بالقول: “بعض الناس يمكنهم أن يتفهموا ذلك والبعض الآخر لا. لكن لا يمكنكم أن تشرحوا ذلك للمناضلات فهن ضد فكرة الأمومة نفسها”. وأضاف أن الجنسين لا يمكن أن يعاملا بنفس الطريقة “لأن ذلك مخالف للطبيعة البشرية. فطباعهما، وعاداتهما وأجسادهما مختلفة (...) لا يمكنكم أن تضعوا على قدم المساواة امرأة ترضع طفلها ورجلا. لا يمكنكم أن تطلبوا من المرأة القيام بكل أنواع الأعمال التي يقوم بها الرجل كما كان الأمر في الأنظمة الشيوعية”. كما قدّر، قائلاً: “لا يمكنكم أن تطلبوا منهن الخروج وحفر الأرض، إن هذا مخالف لطبيعتهن الرقيقة”

4حزب السعادة، وهو حزب ذو توجه إسلامي تم انشاؤه عام 2001 بعد حل حزب “فزيليت”، أي حزب الفضيلة. وزعيمه التاريخي هو نجم الدين اربكان، المتوفى عام 2011، والذي يعتبر مؤسس الإسلام السياسي في تركيا). “لقد تم فرض الاستقطاب علينا بحكم الأمر الواقع”، تشرح السيدة الشابة، مضيفة أنه “في البلدان العربية الاسلامية، يستخدمون التقسيم بين سنة وشيعة. أما في تركيا، وبما أننا جميعا سنة، فقد خلقوا هذا التقسيم بين متدينين وغير ملتزمين بالدين، لكن، في الأصل، كلنا مسلمون”