حملة تمكين المرأة في الخليج: مجرد ذريعة؟

      ‎سفيرة في الولايات المتحدة الأمريكية للمملكة العربية السعودية، رئيسة للمجلس الاتحادي في الإمارات العربية المتحدة، رئيسة لمجلس النواب في البحرين، طيارة عمانية برتبة ضابط أول في الطيران العماني، وغيرهن كثيرات وصلن خلال العقدين الأخيرين إلى مناصب قيادية في الخليج، غالبيتها عبر التعيين والبقية عبر صناديق الاقتراع، فهل بلغت المرأة الخليجية هذه المناصب عبر الكفاءة أم جاءت هذه المناصب كتجميل للإدارة السياسية في هذه البلدان؟  

السفيرة السعودية ريما بنت بندر آل سعود في زيارة الى غرفة التجارة الأمريكية.
Joshua Roberts/US Chamber of Commerce

البحرينية الدكتورة خولة مطر، النائبة للمبعوث الدولي لسوريا ترى إنه “تم في السنوات الأخيرة”تجميل“العديد من المؤسسات والحكومات بنساء لمجرد رفع”الشبهة“عن الدول الخليجية بانها غير مهتمة بتمكين المرأة ومساهماتها في الحياة العامة وذلك نتيجة الانتقادات التي نالتها لانخفاض مستوى مشاركة المرأة في الحياة العامة وفي صنع القرار، لذلك فالمناصب لم تعد ولن تكون ابدا مقياسا حقيقيا لمشاركة المرأة”. تسلمت مطر العديد من المناصب المهمة في الأمم المتحدة، فيما كان آخر منصب لها في البحرين، هو رئيس تحرير صحيفة الوقت المستقلة التي اضطرت للإغلاق بعد توقف الدعم الحكومي لها لعدم تماهيها مع توجهات السلطات المحلية.

حيل دعائية

فيما رأى الكاتب والناشط الحقوقي السعودي جعفر الشايب أن تولي المرأة الخليجية للمناصب القيادية فهو يأتي “في سياق تطور طبيعي لدور المرأة واستعادة موقعها التي حرمت منها لعقود طويلة بسبب التحفظات المتشددة في النظرة لتحملها مسئوليات ومناصب قيادتها وعزلها عن مشاركتها في الشأن العام”. ويشير إلى أن السبب في ذلك هو “التقدم الذي حققته المرأة الخليجية بشكل عام في مجالات علمية وثقافية واجتماعية مختلفة وارتفاع مستوى التعليم في أوساط النساء، اضافة الى تطور العمل المطلبي لتعزيز دور المرأة ومكانتها متماشيا مع تفعيل الاتفاقيات الحقوقية الدولية”.

أما العمانية ميمونة السليماني، المحامية وعضو اللجنة العمانية لحقوق الانسان فكان لها رأي آخر: “منذ بداية الستينات والمرأة الخليجية تدرس في أعرق الجامعات في العالم ، لذلك فأن تقلد المرأة الخليجية للمناصب هو أيضا أمر متفاوت، غير أنه إيجابي في كل الأحوال”. وترى السليماني أن دول مجلس التعاون الخليجي تشهد حاليا العصر الذهبي للتنوير“، حسب تعبيرها”. السليماني أصبحت عضوا في اللجنة العمانية لحقوق الانسان إلى جانب سيدتين من أصل ١٤ عضوا في اللجنة بمرسوم سلطاني.

رئيس جمعية الصحافيين البحرينية، الصحافية عهدية أحمد قالت لـ(أورينت ٢١): “كانت ولازالت المرأة الخليجية مثقفة، كما تتوافر لديها البيئة المناسبة للوصول لمناصب قيادية”. وترى أحمد أن المرأة الخليجية محظوظة “لتواجدها في بيئة منفتحة جدا” كما قالت. وفي السياق ذاته قال استاذ علم الاجتماع في جامعة لوند السويدية، البحريني عبد الهادي خلف: “وصلت الحكومات الخليجية متأخرة كثيراً إلى الاعتراف بأهمية إسهام المرأة في قيادة أنشطة المجالات العامة وعدم اعتبار المرأة مجرد أداة لتزيين النظام السياسي”. وأضاف: “ويمكن ملاحظة نتائج ذلك الاعتراف في تزايد أعداد النساء اللواتي يتوليْن مراكز قيادية في الإدارات الحكومية والمؤسسات العامة وفي مؤسسات القطاع الخاص”.

ويوضح خلف: “وراء هذا الاعتراف المتأخر تضافر عدة عوامل من بينها التزايد المضطرد في أعداد النساء المؤهلات وذوات الكفاءة ومطالبتهن بإدماجهن في المجال العام. ومن بينها أيضاً حاجة الأنظمة الخليجية إلى تزيين واجهاتها”. فقد رافق عصر الإصلاح الذي أطلقه ملك البحرين بعد عدة سنوات من توليه السلطة، تعيين سيدتين في منصبي سفيرتي البحرين، في الولايات المتحدة الأمريكية وفي المملكة المتحدة، وهي مناصب محصورة على أعضاء من العائلة المالكة منذ استقلال البحرين في ١٩٧٣، ومن ثم استبدالهما مجددا بسفيرين من العائلة الحاكمة بعد أن حصلت البحرين على تغطية إعلامية واسعة عن تمكين المرأة خصوصا في هاتين الدولتين الحليفتين على مدار سنوات التعيين.

التغطية الإعلامية ذاتها، التي حصل عليها تعيين الأميرة السعودية ريم بنت بندر سفيرة لبلادها في العاصمة الأمريكية، مع عصر تولي الأمير محمد بن سلمان ولاية العهد وإحداث تغييرات اجتماعية كثيرة في هذا العهد، يرافقه اعتقال الناشطات اللواتي طالبن بإسقاط ولاية الرجل عليهن والمطالبات بقيادة النساء. ويوضح الشايب: “من الواضح ان هناك تأثير متبادل بين استعداد المجتمع وتقبله وبين القرارات والتوجهات الرسمية، فقد كان يحيط بمشاركة المرأة في الشأن العام الكثير من الجدل واللغط في المجتمعات الخليجية، ولكن عندما تم اتخاذ قرارات رسمية باشراك المرأة وتعيينها في مناصب ادارية قيادية، بدأ المجتمع يتقبل ذلك ويتفاعل معه”.

عدد ضئيل من النساء في الهيئات المنتخبة

أما بالنسبة لمن وصلن عبر الانتخاب فتقول الدكتورة مطر: “لا اعتقد ان صناديق الاقتراع هي مقياس حقيقي لمدى قناعة المجتمع ككل بالمرأة وقدراتها وايمانه بأنها الافضل في مثل هذه المناصب او حتى في المشاركة في البرلمان والمجالس المنتخبة”. وتواصل في حديث لها مع (أورينت٢١): “صناديق الانتخاب ليست مؤشرا على الديمقراطية الحقة، فلم تستطع المرأة حتى الآن من اقناع مجتمع تتحكم فيه الذكورية حتى في تفاصيلها البسيطة، واحيانا تغلف بأشكال من التزييف الذي اصبح مفضوحا جدا”. المرأة البحرينية والكويتية هما اللتان يحق لهما الترشح والانتخاب في الانتخابات البرلمانية والبلدية، كما تشارك المرأة العمانية في انتخابات مجلس الشورى، وتعتمد بقية الدول التعيين في المجالس التشريعية أو الشورية أو تلك التي تتحكم بطريقة أو بأخرى بإدارة البلاد.

وعن ذلك قالت السليماني: “لا أظن أن المرأة الخليجية فهمت معادلة النجاح الانتخابي والتحضير المهني لهكذا خطوة ديموقراطية، فرغم كل الظروف المواتية أكثر من أي وقت مضى، فإن المرأة الخليجية ليست بعد بالجدية اللازمة للانتخابات بكافة أنواعها، فأحيانا لا تزال فكرة الدولة الراعية في ذهنها فتتوقع دعما يعينها على الوصول للناخبين”.

وخالفتها في الرأي عهدية أحمد قائلة: “المرأة اليوم تقنع الناخبين بقدراتها وكفاءتها وهو دليل على وعي المجتمع، فالتجربة الكويتية ناجحة، فتواجد المرأة تحت قبة البرلمان هو تواجد قوي، كما استطاعت البحرينيات من خلال أصوات الناخبين الوصول للبرلمان وحمل ملفات مهمة كسلطة تشريعية”.

وترى عهدية أن هناك “تغير جذري في المجتمع، فالنساء يرفضن وصاية الرجال فيما يتعلق بالانتخابات وتوجيه الأصوات،”لدى النساء حرية الاختيار، اليوم المرأة تصل عن طريق الانتخاب بسبب ثقة الرجل والمرأة فيها، ونحن أحرار في اختياراتنا". مؤكدة أن غالبية من صوتوا لها لتصبح رئيسة جمعية الصحافيين هم من الرجال.

لا تزال أعداد السيدات اللواتي وصلن إلى مناصب بالانتخاب قليلة مقارنة بالرجال، ففي البحرين وصلت ٦ سيدات إلى مقاعد البرلمان من بين ٤٠ مقعدا في انتخابات ٢٠١٨، بدعم من المجلس الأعلى للمرأة، بلغت إحداهن منصب رئيس المجلس، أما في الكويت فبلغت في الانتخابات الأخيرة سيدة واحدة فقط هذا المجلس. وهو ما اعتبره الكاتب الشايب “مؤشرا ايجابيا للقبول الاجتماعي مع انه هذه المقاعد لا تزال قليلة ومحدودة، واعتقد اننا بحاجة الى ايجاد بيئة تفضيلية لتحسين مشاركة المرأة في الانتخابات بشكل عام بحيث يتاح امامها فرصا مناسبة لطرح البرامج الانتخابية وحشد الداعمين”.

قاصرات في عدة مجالات حتى الآن

ويشدد أستاذ علم الاجتماع خلف على إنه “لا يمكن الاستهانة بهذه التعيينات فقد كسرت العديد من الحواجز، وستؤدي إلى رفع مستوى التوقعات لدى النساء. فحتى التعيينات التي جاءت بهدف تزييني فلا يمكن تجاهل إن النساء اللواتي تم اختيارهن لمناصبهن”التزيينية“كفؤات أو إن مؤهلاتهن تزيد عن الرجال ممن سبقوهن في تلك المناصب”.

تتولى منذ 2015 امرأة سياسية وأكاديمية رئاسة المجلس الاتحادي في الإمارات. فيصفها الدكتور خلف: “هي بالتأكيد ذات كفاءة عالية في مجالها الأكاديمي علاوة على خبرتها السياسية كعضوة في المجلس لأكثر من عشر سنوات، وهي بهذه المؤهلات تتفوق على الرجال الستة الذين سبقوها في رئاسة ذلك المجلس في دوراته السابقة”. كما بلغت الإعلامية السابقة فوزية زينل رئاسة مجلس النواب في البحرين في العام ٢٠١٨، ويرى المعارض خلف أن “مؤهلات زينل التعليمية والمهنية لا تقل عن مؤهلات الرجليْن اللذيْن سبقاها في رئاسة المجلس إن لم تفوقهما، فلقد حصل الرجلان على الرئاسة بدعم من الديوان الملكي حصلت زينل أيضاً عليه بالإضافة إلى دعم المجلس الأعلى للمرأة الذي ترأسه زوجة الملك”.

زينل التي تتربع على كرسي رئاسة البرلمان البحريني كما زميلاتها الخمس لا يستطعن استخراج جواز سفر أو بطاقة هوية لأبنائهن دون حضور الأب أو الجد (ذكر) حسب القانون البحريني، كذلك هي لا تورث جنسيتها البحرينية لأبنائها اذا تزوجت من أجنبي، وهو الأمر الذي ينطبق على بقية دول الخليج.

وفي السياق ذاته أكدت خولة مطر أن “للسلطة القدرة على التحكم بشكل أو بآخر بايصال المرأة الى المناصب أو إلى المجالس ولكن في الكثير من الاحيان لا يتم حتى اختيار الانسب من النساء بل حتى في ذلك يتم اختيار نماذج وانماط تقوم بأدوار محكمة التفصيل لها مع الأسف الشديد حتى لو لم تكن تلك النسوة عارفات بذلك او مدركات بأنهن جزء من اللعبة الكبرى”.

ويشير الناشط الشايب أن معوقات مشاركة المرأة في الانتخابات هو “حداثة التجربة وانعدام الخبرة وهذا يتطلب اعداد برامج تأهيلية مسبقة تمكن المرأة من اللحاق بركب الانتخابات وتسهيل مشاركتها فيها”. على الرغم من أن القوانين في البلدان الخليجية تفرق بين الرجل والمرأة فيما يتعلق بمنح الجنسية للأبناء وقوانين العمل، ووصاية الرجل في الكثير من الأمور كالزواج والطلاق والعمل وقيادة السيارة في بعض البلدان، إلا أن النطاق العام سمح للمرأة الخليجية بمزاحمة الرجل في أغلب مجالات العمل رغم المعوقات التي تواجهها.

في منظمة الأمم المتحدة ذكورية طاغية

فتشير المحامية السليماني إلى “إن ما تفتقده المرأة لتولي المناصب في القطاع الحكومي أمرين هما إيمانها وجديتها بهذه المهمة وإرادة سياسية مؤسسية صريحة عبر تشريعات ملزمة بالتنوع القيادي في كافة القطاعات”. وتواصل: “أما في القطاع الخاص فالأمر مخيب للآمال كثيرا ويتطلب تأهيل صارم ودقيق وبجدول زمني ملزم للتنوع القيادي في مجالس إدارة الشركات”.

فيما تشير مطر إلى أن تواجد المرأة في المناصب القيادية وحتى في الامم المتحدة “يعاني من تراكمات ثقافة معينة وهي هيمنة الذكور وخصوصا من دول الشمال وهذه معضلة كبيرة”. وتواصل: “تعاني النساء من مختلف دول العالم في المناصب القيادية في الأمم المتحدة، ولكن بالطبع من يملك بعض الدعم من حكومته سواء كان رجل او امرأة يكون قادرا على القيام بالكثير وتحدي بعض اشكال البيروقراطية ولكن من لا يملك مثل هذا الدعم يعاني من الكثير من التحديات” في إشارة إلى أن حكومة بلادها، البحرين، لا تدعمها في هذا السياق.

ورغم التطور الذي شهدته المرأة الخليجية “إلا إن الطريق ما زال طويلاً أمام المجتمعات الخليجية” كما يوضح الدكتور خلف “مازالت المعوقات البنيوية التي تمنع مشاركة المرأة في أنشطة المجال العام أو التي تحدّ من توليها المناصب القيادية فيه كبيرة”، مطالبا بفرض حصة نسائية (كوتا) في جميع المناصب القيادية في الإدارات الحكومية والمؤسسات العامة لفترة من الزمن “بهدف تصحيح آثار عزل المرأة عن مجالات في المجال العام” حسب تعبيره. ويختم الكاتب والناشط السعودي الشايب بأن “مجموعة التحديات التي تقف أمام مشاركة المرأة بعضها يتعلق بالأعراف والتقاليد الاجتماعية وبعضها في التشريعات الغير عادلة للمرأة والبيئة التي تعمل فيها المرأة، وهذه كلها بحاجة الى المزيد من الدراسة والمعالجة كي تتحقق المشاركة الحقيقية والفاعلة لها في المجتمعات الخليجية”.