فلسطينيو إسرائيل: بين إجرام العصابات واستهتار الدولة

لقد أدى انفجار العنف في أوساط الفلسطينيين داخل إسرائيل الى تحرك هام قامت به هذه الأقلية الوطنية في شهر أكتوبر. وندد المتظاهرون باستهتار السلطات الإسرائيلية حيال تدهور الأوضاع وبالميزانيات الهزيلة المخصصة للقرى العربية ولمراكز الشرطة فيها.

تل أبيب 10 أغسطس/آب 2018- تجمع في ساحة رابين ضد قانون الدولة القومية للشعب اليهودي
VOA

نحن مليون ونصف فلسطيني نعيش في داخل الخط الأخضر، نعم نحن مواطنون عرب في داخل دولة إسرائيل المعروفة باليهودية والديمقراطية. نحن نعد من “الأعراض الجانبية” غير المرغوب فيها في المجتمع الإسرائيلي بِعد قيام الدولة 1948، نوع آخر من مخلفات الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، لم تتحدث عنه اتفاقيات أوسلو وكامب ديفيد ولم يذكر كثيرًا في كتب التاريخ.

هناك مليونا فلسطيني يعيشون في جيتو غزة الكبير وما يقارب ثلاثة ملايين فلسطيني في الضفة الغربية، وملايين الفلسطينيين في الشتات. ونحن هنا نعيش على أرضنا التي صادرت منها إسرائيل 97%. على مدى 72 عاماً لم نزعج الدولة كثيراً. الا ما ندر في بعض النقاط التي هاجمت فيها الآلية العسكرية وجودنا وأخرجت الآلاف للاحتجاج في الشارع ضد سياسة الدولة ضد مواطنيها غير اليهود.

ارتكب الجيش الإسرائيلي مجزرة كفر قاسم ضد المدنيين العزل، عام 1956، وفِي آذار 1976 صادرت السلطات أراضي واسعة من الفلاحين الفلسطينيين في الجليل وأشعلت نيران يوم الارض. نسير بالآلاف سنوياً في ذكرى النكبة إلى قرانا المهجرة لنحيي حلم العودة إليها تحت عنوان “يوم استقلالهم يوم نكبتنا”. إلى أن جاءت هبة اكتوبر 2000 التي قتلت الشرطة الإسرائيلية فيها 13 مواطنا عربيا، تظاهروا سلمياً، بعد دخول شارون باحات الأقصى.

غياب أي اعتراف بالقومية العربية

ان الأغلبية الساحقة من المواطنين العرب في إسرائيل، لا تؤمن أو تشارك بأي مناهضة عسكرية للاحتلال، تعيش الأقلية الفلسطينية تحت واقع التمييز العنصري البنيوي في دولة يهودية ولدت على أنقاض شعب ننتمي نحن إليه، دولة في تعريفها الأساسي القومية العربية غير موجودة، بل بالعكس، العربي هنا هو العدو الأبدي لليهودي الإسرائيلي .

اثنان وسبعون عامًا مضى، يبدو من خلالها أن المجتمع الفلسطيني في الداخل تقبل وجود إسرائيل، خرج من صدمة النكبة وحاول بناء نفسه من جديد. ازدادت مع السنوات نسبة التعليم العالي، وانخفضت نسبة الولادة. وبات حلم المواطن العربي أن يثبت نفسه وقدراته وأن يلعب في ملعب الدولة التي تتباهى بديمقراطيتها أمام العالم ويبقى هو على أرضه.

المعادلة الوحيدة التي تضمن تعزيز مكانة المواطنين العرب في دولة إسرائيل هي الديمقراطية الحقيقية. والسعي الدائم لتحقيق المساواة المطلقة بين جميع من يسكن هذا الحيز المشترك، المثقل بالحمل التاريخي من الصراع، والذي يتلقى اخبار الاحتلال في الضفة، والحصار في غزة، والاعتداءات في القدس والاستيطان في كل مكان يومياً. تلك الديمقراطية التي بُنيت لليهود فقط بحاجة لأقلية داخلها لتثبت للعالم ان المعادلة المستحيلة بين ديمقراطية ويهودية ممكنة. نحن الفلسطينيون، الذين يعيشون ويتمتعون بكل مرافق الدولة وخدماتها مثل اليهود تماماً أمام العالم، عمليًا تحولنا لورقة تين ضخمة تغطي عيوب إسرائيل والبنيوية العنصرية فيها التي تخدم يهودية الدولة وتفضل الشعب المختار وتعطيه ميزات كثيرة لمجرد كونه يهودياً.

ولكن ما دمنا مسالمين لهذه الدرجة ! نحاول تثقيف أنفسنا ونعمل بجد، نشارك بالانتخابات هنا وهناك ونحاول ادارة أنفسنا ثقافياً واجتماعياً، مطالبين بحقوقنا المدنية كدافعي ضرائب مسالمين. لماذا يحتار بنا الساسة اليهود، لماذا لا نقول شكراً على الرخاء والأمان الذي نعيش فيه؟ مقارنة بالعرب في سوريا، مصر، الأردن، لبنان، في الضفة الغربية وغزة. لطالما سمعنا هذه الجمل من القادة الإسرائيليين والصحافيين ونشطاء يهود: عليكم أن تقولوا شكراً على أننا سمحنا لكم بالبقاء. العمل، التصويت وأعطيناكم التأمين الصحي وعلمناكم.

كيف خرجنا للاحتجاج في الشهر الأخير؟ ولماذا تعم المظاهرات والوقفات والمسيرات الشعبية الشارع العربي في داخل إسرائيل ؟ علام كل هذا الاحتجاج إذا؟

لنضع عدسة مكبرة قليلا ونشاهد عن كثب كيف يعيش الفلسطينيون داخل إسرائيل في نسختها الصادرة عام 2019، لعلنا نفهم كيف آلت إليه الحال عندنا.

تصاعد أعمال العنف

قتل هذا العام 75 شخصا منهم 11 امرأة ، معظمهم بعيارات نارية . بلغ عدد القتلى 1365 مواطنا منذ أحداث أكتوبر 2000. إنهم ضحايا العنف داخل المجتمع العربي، أي أنهم قتلوا بيد مجرمين مسلحين من داخلنا وليس بيد أجهزة الشرطة او العسكر والسلطة الإسرائيلية كما كان يحدث سابقاً . بات واقع البلدات العربية لا يطاق مع استفحال حالات القتل وإطلاق الرصاص وحرب العصابات والاغتيالات، بعد أن كانت معظم القرى العربية تتغنى بأجوائها الآمنة والمحبة بين الناس. وكان السباق الوحيد بين البلدات هو سباق العلم. يحتل العرب قطاع التمريض والطب والصيدلة، فإن قرر العرب تعطيل منظومة الخدمات الصحية في البلاد فهم قادرون على ذلك. نحتفل معاً بكل باحث ومحاضر جامعي وعالم ومبادر اقتصادي اخترق ميداناً جديداً كعربي فلسطيني في دولة اسرائيل.

ولكن التسلح بالعلم بين أفراد الطبقة الوسطى والعليا في المجتمع، وتعزيز المكانة السياسية للفلسطينيين داخل إسرائيل من خلال صياغة وثائق تشرح علاقتنا بهذه الدولة وتحاول التعاطي مع معضلة المواطنة في إسرائيل والانتماء القومي للشعب الفلسطيني، لا يكفي على ما يبدو. المشاركة في العملية الانتخابية البرلمانية والمحلية مثلا هي إحدى وسائل التفاعل والتواصل مع أجهزة الدولة من خلال الاندماج في سوق العمل واقتصاد البلاد، ومع ذلك لم ننجح بتحصيل المساواة الحقيقية بين العرب واليهود في إسرائيل ولسنا قريبين من هذا الهدف. نصف الأطفال تحت خط الفقر هم من العرب، وتستثمر الدولة في تعليم الطفل اليهودي من الفئات المستضعفة 77% أكثر من الطفل العربي.

بنت دولة اسرائيل أكثر من 700 مستوطنة وبلدة يهودية في غير داخل الخط الأخضر، ولم تبن بلدة عربية واحدة، أو مشروعا سكنيا واحدا لحل أزمة السكن الخانقة في البلدات العربية.

ولا حتى جامعة جديدة

وفي نفس الوقت يعمل المُشّرع اليهودي على منع مواطنين عرب من شراء واستئجار عقارات خارج الجيتوهات العربية بعد أن حكمت المحكمة لصالح مواطنين عرب حاولوا السكن في المجمعات السكنية اليهودية القريبة منهم.

يتعلم الشباب العرب في معاهد التعليم العالي الإسرائيلية ولم تفتح جامعة واحدة في بلدة عربية منذ قيام الدولة، وفي نفس الوقت يصرف الملايين من الدولارات على جامعة مبنية بأموال دافعي الضرائب على أراضي محتلة في الضفة الغربية. هذا هو الحال أيضاً بالنسبة للمستشفيات والمدارس والمراكز الجماهيرية والبنية التحتية والمناطق الصناعية وغيرها من مقومات الحياة الأساسية التي تدفع بأي مجتمع قدماً.

في كل مرافق الحياة تقريباً يقبع المواطن العربي في إسرائيل في قاع سلم الأولويات لدى الحكومات المختلفة. وصولًا الى أحب المجالات إلى قلب الحكومات وهو “الأمن”. ان سلة الخدمات التي يحصل عليها المواطن الفلسطيني هنا منقوصة حتى في مجال الأمن والأمان الشخصي.

فعلى مر السنين تعاملت أجهزة الشرطة مع المواطن العربي كعدو أو كمشروع مجرم مستقبلي خارق للقانون. لم تعر الجريمة التي يكون ضحيتها عربي اهتماماً خاصًاً. لذلك مثلا تدل احصائيات جمعية نعم - نساء عربيات في المركز ان نسبة حل جرائم قتل النساء بيد رجال عرب تبلغ 25 % فقط من تقديم لوائح اتهام ضد رجال يهود قتلوا نساء. مع أن نسبة النساء العربيات اللواتي يقتلن في إسرائيل هو 50 %. إذاً نحن نصف ضحايا جرائم القتل ونحن خُمس المواطنات فقط 20%، ولكن قتلة النساء العربيات يفلتون من العقاب.

أكثر من 70% مِن جرائم القتل (كلا الجنسين) بالمجتمع العربي لم يعرف فيها القاتل ولم يُحاكم المجرم أبداً. وإحصائيات الشرطة نفسها تدل على ان عدد الجرائم المرتكبة في المجتمع اليهودي التي تصل إلى القضاء والمحاكمة أكثر مرتين منها في المجتمع العربي. مما يعني أن الشرطة تتقاعس عمليًا في ملاحقة المجرم العربي وعصابات المخدرات وتجارة الأسلحة غير المرخصة وقوانين دفع اقساط الحماية الخاواة (protection fees) والإجرام، في حال كان الضحايا من العرب. اما إذا قام المجرمون بإيذاء مواطن يهودي فالمعادلة تختلف كلياً. وليس هناك اي جريمة ضد يهودي اتهم بها عربي لا تصل للإدانة أمام القضاء وتنتهي بالعقاب والسجن الفعلي.

انتفاضة مدنية

في السنوات الأخيرة تدهور الجو العام في المجتمع العربي بسبب أحداث العنف والقتل التي لم تبق بلداً واحداً آمناً. وباتت أحداث إطلاق الرصاص عادية في الفضاء العام في البلدات العربية. واستولت سبع عصابات كبيرة على النفوذ والسلطة في مناطق عديدة من المجتمع العربي. وكل ذلك تحت أعين الشرطة الإسرائيلية وأحيانا تحت حمايتها التي نشرت علناً خارطة أخطر العصابات في إسرائيل ومناطق نفوذها . مع مقتل ثلاثة شباب في مجد الكروم قبل ثلاثة أسابيع في وضح النهار، شعر المواطنون أن ساعة الانتفاضة المدنية ضد تقاعس الشرطة وفشلها في كبح زمام الجريمة المنتشرة. قد حانت، خرج الآلاف إلى الشوارع للتظاهر أمام مقر الشرطة في البلدة صارخين : “يا حكومة ويا بوليس دم العربي مش رخيص”.

أغلقت الشوارع ولم يذهب المواطنون للنوم ليلًا بل اعتصموا أمام محطات الشرطة. عقدت قيادات المجتمع العربي اجتماعا طارئا (لجنة المتابعة لقضايا المجتمع العربي يرأسها محمد بركة، القائمة المشتركة وفيها 13 عضو كنيست وعلى رأسها ايمن عوده ومجلس رؤساء السلطات المحلية الذي يرمزه مضر يونس)، ولا حاجة هنا للقول ان هذه المجموعة القيادية لم تشمل من النساء إلا القليلات اللواتي حاولن إسماع صوت آخر. أجمع “الرجال” على إعلان الإضراب العام في المجتمع العربي. لكي تصل أصوات الاحتجاج الى حكومة اسرائيل. ضجت وسائل التواصل الاجتماعي بالانتقادات اللاذعة للقيادات التي لم تبدع ولم تعلن عن احتجاجات خلاقة وأكثر تأثيرًا من إعلان الإضراب العام هذه الوسيلة القديمة المعهودة التي لا تسد رمق أحد. فلا يشعر المواطنون اليهود في بلداتهم بإضرابنا ابداً ويتمتع طلاب المدارس بيوم عطلة بلا معنى.

“ما زلتم هنا، على الاقل حالياً”

قرر أعضاء البرلمان العرب مقاطعة مراسم أداء قسم الولاء في الكنيست حديث الولادة احتجاجاً على الوضع الأمني في المجتمع العربي. محتجين ضد اجهزة الأمن الداخلي التي انتبهت اخيراً إلى أن وقفات الاحتجاج والمظاهرات مستمرة ولم تتوقف بل انتشرت في أماكن وبلدات كثيرة. غرّد بتسالئل شموطرتس عن حزب البيت اليهودي، وهو أكثر حزب متطرف ومحرض ضد العرب، فرحاً بمقاطعة العرب للكنيست “لقد خفت أن اجد مسدساً غير مرخص تحت مقعدي. حينها سوف تتهمون حراس البرلمان وليس فقط شرطة اسرائيل … وعدنا الله بكل هذه الارض وأوفى بوعده، نحن من أكبر المرحبين بالضيوف منذ ايّام سيدنا ابراهيم ولهذا أنتم (العرب) ما زلتم هنا، على الاقل حالياً”.

لخص هذا الفاشي وزير المواصلات في الحكومة بتغريداته هذه موقف العقل الصهيوني تجاه المواطنين العرب. أولاً : انتم السبب في العنف بينكم، وتتهمون الآخرين دوماً. وثانياً لا بأس في تفشي الجريمة عندكم. فأنتم أولا وأخيراً ضيوف على أرض الميعاد. نظمت لجنة المتابعة مظاهرة حاشدة في مجد الكروم وقرر المتظاهرون إغلاق شارع رئيس في شمال البلاد. لم يتوقع أحد تجاوب الجماهير العربية غير المسبوق مع نداء الإضراب والمظاهرة، التي شارك بها ثلاثون ألف شخص. وهو ما دل على عمق الحزن والغضب في المجتمع ضد كل يد تساهم في تفشي الجريمة والإرهاب المدني الذي لم نعرفه من قبل. كانت هذه أول مظاهرة بهذا الحجم تستقطب الآلاف من الشباب والشابات رجالًا نساء وأطفالا شاركوا احتجاجًا على قضية اجتماعية وليست وطنية قومية. وهي العنف المجتمعي. وهذا الأمر بات محيرًا للحكومة اليهودية، هل يريد العرب أن تخدمهم شرطة إسرائيل؟ تلك الشرطة التي تقمعهم في مظاهرات يوم الأرض؟ وتحرس جرافات هدم البيوت والتي قتلت متظاهرين عزّل في اكتوبر 2000؟ مطالب النواب العرب معروفة، وهي وضع خطة ممولة لمكافحة العنف في المجتمع العربي. تشمل: حملات تجميع السلاح من القرى والبلدات العربية. تعزيز تطبيق القانون وحل جرائم القتل والتهديد وتفكيك عصابات الإجرام المسلح في المجتمع العربي. ووضع ميزانيات كبيرة لتحسين جهاز التعليم والرفاه وتطوير أطر مناهضة العنف من خلال التربية والتعليم .

عنصرية المسؤولين

استمرت الاحتجاجات السلمية ونظم الناشطون مسيرة سيارات بطيئة ترفرف فوقها أعلام سوداء لتغلق شارع عابر لإسرائيل، هنا لا يستطيع الإعلام العبري التجاهل، فهذا الشارع يأخذه الموظف اليهودي والعربي صباحاً للعمل في مركز البلاد. وإغلاقه يؤلم الكثيرين. كانت خطوة جريئة وجيدة لفتت انتباه العالم لما يحدث.

بدأ وزير الأمن الداخلي جلعاد أردان إطلاق تصريحات وبيانات عنصرية غير مفاجئة أبداً تخلص إلى القول إن المجتمع العربي عنيف بطبعه، ومهما فعلنا فإن العنف متجذر بالثقافة العربية. قال أردان إن خلافاً بين يهوديين ينتهي بشكوى في مركز الشرطة بينما ينتهي شجار بين رجلين عربيين بطعنة سكين. وطبعاً لم يتطرق أردان لليهود العرب في الدولة هل هم عنيفون أيضا! فهم من نفس الثقافة. ولماذا لا تقتل الجريمة في المجتمع الفلسطيني في الضفة المحتلة العشرات كل عام كما يحدث داخل إسرائيل؟ أليسوا هم أيضاً يحملون الموروث الثقافي ذاته؟

صرحت وزيرة العدل، إيليت شاكيد، “إننا استثمرنا الملايين في تعزيز الأمن في المجتمع العربي ولكن قادتهم يعملون ضد مصالح منتخبيهم”. وتدعو لعدم التجنيد والخدمة في صفوف الشرطة. واتهمت القيادة العربية بمنع الشرطة من فتح مراكز داخل البلدات العربية، وطبعاً الحقيقة عكسية تماماً، فهناك العديد من المراكز التي فتحت ولم تنخفض نسبة الجريمة في محيطها. وهناك المدن المختلطة التي تعمل بها مقرات الشرطة منذ عقود ولم تنخفض نسبة الجريمة فيها، بل تصل إلى أعلى معدل لها في البلاد. هناك في مركز (الرملة ـ اللدـ يافا والمثلث ) تُرتكب 40% من الجرائم في كل الدولة.

علماً أن شاكيد وغيرها من الوزراء صوتوا مع تقليص ميزانيات الشرطة المعتادة لتعزيز الأمن والأمان في المجتمع العربي. تقليصات بلغت 400 مليون شيكل (مليون يورو). صحف اليمين في إسرائيل تلوم الضحية وتحاول الدفاع عن قوات الشرطة التي “يمنعها” المواطن العربي العدائي من أداء واجبها، ويرد النشطاء العرب بمقالات تشرح كيف تدهور وضع المجتمع العربي على مر السنين بسبب الإهمال والتقاعس من طرف كل الوزارات، خاصة وزارة الأمن الداخلي.

محاولة القضاء على الفكر الوطني

بغض النظر عن سياسة إسرائيل بلوم الضحية وتحميل المجتمع العربي نتائج سياسات عنصرية دامت سنوات، تفكك خلالها النسيج الوطني والقومي الذي كان يحمي المجتمع العربي حتى استفحل بِنَا قانون الغاب. التقى ممثلو القائمة المشتركة مع الوزير مطالبين بالتدخل الفوري وتحسين أداء الشرطة وتصعيد حربها ضد عصابات السلاح والإجرام. لم تتمخض هذه الجلسة عن نتائج ملموسة ولكنها كانت مهمة بنظري لأن القيادة السياسية العربية تحاول نهج طريق آخر مع هذه الدولة. فلا تقاطع وزيرا مهما كان عنصرياً بل تواجهه في عقر داره ولا تخجل من مطالبته بأداء مهامه او الاستقالة.

انطلقت في الفضاء الافتراضي نظريات المؤامرة ضد الوجود الفلسطيني في إسرائيل التي تحلل لنا ان كل تفكيك للحصانة في المجمتع الفلسطيني داخل اسرائيل بواسطة غض النظر وفك اللجام عن افواه المجرمين وتزويدهم بالأسلحة وإطلاقهم للعبث في كل مكان، إنما هو عملياً خطة حكومية لدحض الفكر الوطني المتصاعد خاصة بين نشطاء الجيل الثالث للنكبة، المطالبين بالاستقلال الثقافي والانتماء الوطني الفاعل من أجل تحقيق العدل للفلسطينيين. هؤلاء النشطاء الذين يتحدثون العبرية والإنكليزية ويتواصلون مع كل حركات العالم الشبابية وفي نفس الوقت يعملون في شركات الهايتك الإسرائيلية.

وبالمقابل هناك هؤلاء الذين يؤمنون بأن نظام الدولة العنصري المبني على أساس فوقي يعزز مكانة وسلطة اليهودي على العربي الأصلاني تحول أي أقلية قومية تحت هذا النظام إلى أقلية عنيفة لا تثق بالسلطة ولا تملك إلا قانون الغاب في صراع البقاء هذا.

من أين تأتي الأسلحة؟

انا شخيصاً لا أستطيع إثبات اي نظرية كونية ضد المواطنين العرب حالياً، وأترك للتاريخ إظهار الحقائق. ولكنني أعلم ان كل مجتمع تباع وتشترى فيه الأسلحة في الحيّز العام يتحول الى بؤرة عنف خطيرة للمواطنين العزل. وبما أن المواطن العربي لا يملك أي قناة تسلح شرعية في دولة اسرائيل فنحن لا نتجند للجيش وعدد العرب في جهاز الشرطة قليل جدا. فأين تُصنع هذه الأسلحة وكيف تصل إلى قاتل مأجور عمره 18 عاماً يقتل امرأة من يافا لا يعرفها في الشارع العام ؟

دولة اسرائيل هي دولة مصدرة ومصنعة للأسلحة النارية والذخائر، من العشر الأوائل في العالم. ومصانع الأسلحة لم تتوقف يومًا عن الصناعة والتجارة بالأسلحة. ومن جهة أخرى هذه الدولة لم تخض أي حرب ضروس مؤخرا ولم تستهلك أو تبيع ما تنتج للسوق. فأين تستقر عشرات الآلاف من قطع السلاح المخبأة بالمخازن ؟ اعترفت الشرطة بوجود ما يقدر 400 ألف قطعة سلاح في المجتمع العربي. ما يعني مسدس او بندقية لكل ثلاثة مواطنين. واعترفت ايضاً أن المصدر الرئيس (أكثر من 70%) لكل هذه الذخائر العدوانية مصدرها الجيش الإسرائيلي ومخازنه ومخازن الشرطة، طبعاً فالعرب لا ينخرطون في صناعات إسرائيل الأمنية أبداً . وورد في تقرير مراقب الدولة عام 2018 بوضوح أن هناك خلل بالتواصل بين جهاز الأمن العام (الشاباك) والجيش والشرطة فيما يتعلق بتجميع الأسلحة في المجتمع العربي.

إن إنتاج الأسلحة المستمر في إسرائيل وتطوير تكنولوجيا التسلح حول العالم يدر أرباحاً طائلة لخزينة الدولة ويغذي العديد من الصراعات العرقية والحروب في العالم ولكنه يُبقي قطع الأسلحة القديمة متاحة للتهريب والتجارة في السوق السوداء هنا. ولو حللت شرطة إسرائيل نوع الأسلحة التي تجمعها من أيادي المواطنين العرب وجودتها لوجدت أن عصابات الإجرام عملياً تتاجر بالأسلحة الرخيصة والقديمة نسبياً. وعرفنا ذلك عندما نشرت الشرطة أنها تبحث عن سلاح نشأت ملحم، ذلك الشاب الذي أطلق الرصاص في تل أبيب في عملية إرهابيةـ معلنة أن نموذج السلاح الذي بحوزته توقف إنتاجه منذ سنوات عديدة. ففي لحظات فقط عرفت الشرطة مصدر البندقية وموديلها وسنة خروجها من المخزن.

ما أحاول قوله هنا إنه لا فرق عندي من الذي يخطط ومن الرابح مع تدهور الشعور بالأمان لدى المواطنين العرب في إسرائيل، هل هو خطة مدروسة أم انزلاق متوقع نحو هاوية الأقلية الأكبر في البلاد؟ ان استمرار الحال كما هو شبه مستحيل وموجة الاحتجاج هذه يجب أن تستمر حتى تفهم هذه الدولة أن هناك من يحاسب ويراقب ويطالب بأبسط الحقوق المدنية. وهو الحق بالعيش بأمان في مكان نكون فيه كلنا سواسية أمام القانون.