المغرب: “الشباب الملكي” قوة السلطة الضاربة

تعيش حركة “الشباب الملكي” المغربية، منذ تأسيسها في عزّ الربيع الديمقراطي، نشاطاً متزايداً على فضاء الأنترنت وميدانياً من خلال فروعها المنتشرة بعدد من الدول الأجنبية. بالإضافة إلى العنف الذي يطبع أنشطتها، تُطرح الكثير من التساؤلات بخصوص مدى قانونية أنشطة التنظيم ومصادر تمويله وكذلك سرّ الحماية التي يبدو أنه يحظى بها من قبل النظام.

“ملصق دعائي بلهجة التهديد تابع ل”خدام العرش الأوفياء

برزت “حركة الشباب الملكي” المغربية في سياق الربيع الديمقراطي (“الربيع العربي”)، إذ يمكن تصنيفها ضمن ما يصطلح عليه “البلطجية”، وهم أشخاص؛ غالبا من المنحرفين والجانحين من ذوي السوابق الإجرامية؛ تدفع لهم الأنظمة الاستبدادية مقابل محاربة كل أشكال المعارضة السياسية عن طريق العنف. تقتضي البلطجة ممارسة الترهيب ضد المتظاهرين عبر نسف مسيراتهم الاحتجاجية وتنظيم مظاهرات موازية أو مُضادة تروم إظهار نوع من الانقسام المجتمعي حول قضايا سياسية واجتماعية معينة.

تستمد كلمة “البلطجي” أصلها من مصطلح “البلطة” (Baltacı)، أي الفأس الحادة التي تستخدم في تقطيع الأشجار، وتُطلق على فرق المشاة العثمانية التي كانت تتجلى مهمّتها في تمهيد الطرق، عبر نزع الأشجار على سبيل المثال، قبل الغزو. ولا يخلو هذا التعريف اليوم من رمزية، إذ غالباُ ما تُمهّد أنشطة “البلطجية” لحملات القمع بين صفوف المُعارضين، وهو ما يجعل دورها يُختزل في نزع المصداقية عن الحركات الاحتجاجية القوية.

رغم الانتشار الواسع لمصطلح “البلطجية” على المستوى العربي، فإننا نجد له مقابلاً بحسب البلدان، إذ نتحدث عن “الشبيحة” في سوريا و“البلاطجة” في اليمن و“الميليشيا” في تونس و“المرتزقة” في ليبيا و“الرباطة” في السودان و“الزعران” في الأردن. أمّا في المغرب فيُطلق عليها “العياشة”، نسبة إلى عبارة “عاش الملك” التي يعكف البلطجية على ترديدها أينما حلّوا.

ربيع البلطجة وخريف الديمقراطية ؟

تُعتبر “موقعة الجمل” التي عرفتها القاهرة، أيام الثورة المصرية، إحدى أهم المحطات التي سلّطت الضوء على هذا هذه الظاهرة. ففي يوم 2 فبراير/شباط 2011، أقدم عدد من المسلحين على مهاجمة المتظاهرين بالسكاكين والعصي والحجارة في محاولة لإخلاء ميدان التحرير من المتظاهرين المعتصمين منذ 25 يناير/كانون الثاني، وهو ما تسبب في سقوط عشرات القتلى والآلاف من الجرحى.

في شريط فيديو، يعترف محمد دالي ، الرئيس المؤسس للحركة، بأن “الشباب الملكي” تنظيم مُضاد لحركة 20 فبراير، إذ تأسس يوماً واحداً بعد خروجها إلى الشارع. يحكي محمد دالي، الذي يقدم نفسه كـ “مستثمر” على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي فايسبوك، أن التنظيم أُطلق من إيطاليا حيث كان يقيم، وحمل في البداية اسم “حركة الشباب الملكي للمغاربة المقيمين بإيطاليا” ، قبل أن يتوسّع تحت تسمية “حركة الشباب الملكي للمغاربة بالخارج والداخل” بعد تلقيه عدة طلبات عضوية وانخراط من خارج إيطاليا وخاصة في إطار “تطبيق التعليمات السّامية لصاحب الجلالة”(بحسب الأشرطة الدعائية للحركة فالتنظيم يضم اليوم أكثر من 260 فرعاً بالمغرب ومختلف الدول وانفتحت على أعضاء من جنسيات من غير المغاربة1

غير أن مصادر أخرى تشير إلى أن الحركة تأسست يوم 10 يناير 2011، أي حوالي 5 أسابيع من خروج حركة 20 فبراير إلى الشارع، وهو ما يعني ـ إن صحّت المعلومة، التي أوردها أيضاً موقع Le360 المُقرب من السّلطة ـ أن مؤسّسي الحركة استبقوا الشارع بفضل إرهاصات “الربيع العربي” في كل من تونس ومصر.

ذراع شبه عسكرية

لفتت حركة الشباب الملكي الأنظار إليها من خلال هجماتها على المتظاهرين أثناء مظاهرات حركة 20 فبراير، النسخة المغربية للربيع الديمقراطي. يُعتبر أمين البارودي، الملقب بـ “مول الفردي” (صاحب المسدس) بعد بثه شريط فيديو تهديدي يحمل فيه مسدساً، أحد الأسماء الأولى التي جلبت إليها الأضواء.

رشق البارودي أعضاء حركة 20 فبراير بالبيض (عملية أطلق عليها “ثورة البيض”)، وأشرف على تنظيم حملات في الشارع للدعوة إلى التصويت بـ“نعم للدستور الجديد” وقام بمهاجمة المناهضين للاستفتاء، وفي أكتوبر من عام 2013 تهجم بالسب والتهديد بكرسي على مجموعة من الشباب وهم يتبادلون القُبل بشكل رمزي على مقربة من البرلمان المغربي، تضامناً مع مراهقَيْن اعتقلا بمدينة الناظور بسبب صورة لهما وهما يقبلان بعضهما البعض. كما ظهر الملقب بـ “مول الساطور” ، في شريط فيديو تم بثه على اليوتوب، وهو يحمل ساطوراً ويهدد أعضاء حركة 20 فبراير بالقتل، موجها اتهامات للحركة ولكل من جماعة العدل والإحسان واليسار الموحد بالسعي وراء إسقاط النظام للاستيلاء على الحُكم وتخريب البلاد.

تكرّر الأمر ذاته مع حراك الريف (2016)، إذ ظهر أعضاء محسوبون على الحركة في عدة فيديوهات (1 ، 2) وهم يحاولون نسف عدة وقفات ومسيرات احتجاجية كما هو الحال خلال وقفة تضامنية مع “حراك الريف” في الدار البيضاء، يوم 28 ماي 2017، رغم أنها شهدت حضور بعض الشخصيات السياسية أمثال نبيلة منيب، الأمينة العامة للحزب الاشتراكي الموحد. وفي يونيو من عام 2017، أقدم عشرات من أفراد الحركة، مدججين بالحجارة والأسلحة البيضاء، [بمهاجمة المواطنين المتضامنين مع حراك الريف بساحة التغيير بطنجة، مرددين شعارات “عاش الملك” و“محمد السادس، ملكنا واحد”، و”عاش الملك”، فضلا عن عبارات نابية تتهم النشطاء بالخيانة وخدمة أجندات انفصالية.

“تتعدى حدودك ينتهي وجودك”

وصل عنف الشباب الملكي حد اتهامها بقتل متظاهرين، فقد اتهمت رابطة العمل الشيوعي الحركة بتصفية كمال الحساني، المناضل في الجمعية الوطنية لحملة الشهادات المعطلين بالمغرب وحركة 20 فبراير بالحُسيمة، بطعنات غادرة بواسطة سكين يوم 27 أكتوبر 2011. هذا المعطى جعل بعض المحللين السياسيين يشبهون الحركة بجماعات اليمين المتطرف في أوروبا.

وقع أعضاء الحركة تعهدا مصادق عليه من طرف الإدارة الترابية المحلية بعدم “خيانة البلد والملك رمز السيادة الوطنية والوحدة الترابية تحت شعار الله، الوطن، الملك”، تحت طائلة فقدان العضوية . في إحدى الملصقات الدعائية الرسمية بخلفية حمراء (اللون الرئيسي للعلم الوطني)، تم وضع الملك في أعلى الصورة وسط شعار المملكة وهو محاط بخمسة رجال مسلحين وملثمين على شاكلة قوات الكوموندو، عبارة “هنا المغرب، تتعدى حدودك ينتهي وجودك”.

تنبني الاستراتيجية الرقمية للشباب الملكي على ردود الفعل أكثر من الفعل، إذ أن حملاتها (سواء الالكترونية أو الميدانية) غالباُ ما تأتي للتصدي لقوة معارضة جديدة أو لمساندة توجه جديد للنظام (عقب خطاب ملكي مثلا). يُشيد الشباب الملكي بأربعة أو خمسة أشخاص ويشنون “حرباً” على كل من يتجرأ على انتقادهم. يتعلق الأمر بكل من الملك ومستشاره فؤاد عالي الهمة ورجل المخابرات عبد اللطيف الحموشي (المدير العام للأمن الوطني والمدير العام لمديرية مراقبة التراب الوطني) ورجل الملفات الإرهابية عبد الحق الخيام (مدير المكتب المركزي للأبحاث القضائية) في حين ينضاف إليهم أحياناً الملياردير عزيز أخنوش، صديق الملك ووزير الفلاحة منذ 2007.

من أجل تحقيق أهداف الحركة من الإعلام، يبني أعضاؤها استدلالهم بالتنبيه من “الفتنة” ومن “الأيادي الخارجية” عبر التذكير بالمحيط الجيوسياسي للمنطقة العربية وبـ “الدمار” الذي خلّفه الربيع العربي (“الخراب العربي” حسب أحد أعضاء الحركة)، وذلك بعبارات من قبيل “هل تريدون أن يتحول المغرب إلى سوريا/ليبيا جديدة؟”. وفي كل الأحوال يعمل أعضاؤها بلا كلل على تجميل صورة الملكية ومحاولة إظهار رئيس الدولة على أنه غير مسؤول عن مشاكل البلاد أو على غير علم بها (“الملك زوين، اللي دايرين بيه اللي خايبين” أي “الملك جيد، لكن محيطه سيء/فاسد”).

من أجل تقوية حضورها الافتراضي والرفع من تأثيرها، عملت الحركة على استقطاب جيل جديد من “المؤثرين الإلكترونيين” أمثال محمد السكاكي، المعروف بـ “مول الكاسكيطة” (صاحب القبعة). في شريط بثه هذا الأخير على صفحته على الفايسبوك يبرر التحاقه بالحركة بتخلي المناضلين عنه وهو في السجن عند اعتقاله مرتين ويُضيف إن حركة الشباب الملكي هي الوحيدة التي آزرته في محنته من خلال مساعدات قدمها أعضاؤها لزوجته مع توصية لها مفادها “قولي له أن يهتم بشأنه، فلا وجود لشعب يستحق التضحية من أجله”.

تركيب الصور والكاريكاتور

لمواجهة المُعارضين على فضاء الأنترنت، يقوم أعضاء الحركة بتنظيم حملات للتعليق على بث “الأعداء”. تروم التعاليق الحية تحقيق هدفين اثنين : إخراج المتحدث عن الموضوع الذي اختاره، ليناقش مواضيع هامشية (غالباً ما يكون الدفاع عن الاتهامات المُوجهة له في التعليقات) ثم محاولة التأثير في الرأي العام عن طريق إظهار المتحدث كنقطة نشاز لا تحظى بدعم شعبي مُهم. في مقابل التعليقات المكتوبة على البث المباشر، كثيراً ما يتم اللجوء إلى الصور المركبة والكاريكاتورية لاستهداف آراء النخبة المثقفة نظراً لصعوبة مواجهتهم على المستوى “الفكري”. بالإضافة إلى ذلك، تعطي الصور الكاريكاتورية، كتلك التي تصور الشخص كلص يحمل كيساً مليء بالدولار الأمريكي، الانطباع بأن المعني سبق وكشفت وسائل الإعلام “تورطه” في فساد مالي، في حين أن تلك الرسوم لم يسبق نشرها، كما أنها غير موقعة كما هي عادة رسومات الكاريكاتير.

كثيراً ما تستهدف تهديدات الحركة معارضي النظام المقيمين بالخارج والذين يصعب أن تطالهم يد القضاء الانتقامي. في رسالة تحذيرية مليئة بالوعيد دعا منسق الحركة المناضلين المغاربة في أوروبا للحذر واصفاً حركته بكونها “جيش بالزي المدني هدفه الأسمى الدفاع عن النظام الملكي، “مُضيفاً” نموت ويحيى الملك. هذا هو شعارنا. فانتظرونا، نحن قادمون".

في صورة شيطان

محمد الراضي الليلي، صحافي لاجئ في فرنسا، واحدٌ من هؤلاء الذين استهدفهم الحركة، خاصة بسبب آرائه من قضية الصحراء على قناة “فرانس 24” التي اعتاد الحلول ضيفاً على برامجها. على سبيل المثال، نشر محمد شاهما، أحد أعضاء الحركة، صورة مركبة لهذا الأخير وهو يطأ على الراضي مع عبارات “مكانك تحت القدم أيها الخائن القزم” . كما قام عبدو الريفي، وهو أحد أعضاء الحركة البارزين، بنشر الرقم الهاتفي الشخصي للصحافي على الفايسبوك، ليتلقى بعدها رسائل سب وأخرى تهدده بالإغتصاب . في صور عديدة أخرى إطلعت عليها “أوريونت 21”، نرى الراضي الليلي في صورة شيطان وبجسد كلب ورضيع في ثوب علم “البوليساريو” وكذا في وضعيات وبلباس أنثوي شبه عار في وضعية مُخلة بالآداب.

إلى جانب الراضي الليلي أستهدف المُعارض تاشفين بلقزيز، أحد مؤسسي “حركة الجمهوريين المغاربة” وهو مُقيم بإيطاليا، بعدة حملات إلكترونية كهذا الشريط الذي يصفه فيه رئيس حركة الشباب الملكي بـ “المرتزق المبعوث والمُدعم من جهات إرهابية لزعزعة استقرار البلاد”.

تُضاف إلى حملات التشهير والتهديد خاصية التبليغات التي تُتيحها شبكة الفايسبوك والتي اعتاد “الذباب الإلكتروني” استغلالها لممارسة الرقابة على الآراء المزعجة. ففي 23 آب/أغسطس الماضي، على سبيل المثال، تعرض حساب سعيد السالمي الصحافي والأستاذ الجامعي المقيم في فرنسا، للتعطيل ساعات قليلة فقط بعد مشاركته على شبكات التواصل بمقال نشرته أسبوعية “ليكسبريس” الفرنسية يتناول قصة طلاق الملك محمد السادس من الأميرة سلمى. يصعب معرفة مصدر الهجوم، إلا أنه بات معلوما اليوم كيف تستغل “الجيوش الإلكترونية” لبعض الأنظمة “ثغرة قانونية” ضمن شروط استخدام الفايسبوك كالالتزام بعدم استعمال خطاب كراهية أو تحريض على العنف على سبيل المثال). غير أن العدد الضخم لمستعملي الفايسبوك عبر العالم يجعل الشركة عاجزة عن التأكد من مطابقة كل ما ينشر لشروطها، وهذا ما دفعها إلى ابتكار نظام التبليغات وهي خاصية تُتيح للمستخدمين إثارة انتباه فايسبوك إلى محتويات تحرض على العنف مثلا. عندما يتلقى منشور تبليغات كثيفة (وهو ما يسهل القيام به بشكل جرمي) يقوم فايسبوك بالحظر الأتوماتيكي للمحتوى المعني أو لحساب صاحبه تعرض في انتظار أن يتأكد موظفو الشركة من صحة التبليغات.

حركة مرتبطة بالقصر؟

في ظل التضارب حول تاريخ التأسيس الحقيقي للحركة، تُشير أقدم الوثائق المتحصل عليها إلى أن الجمعية تم تجديد مكتبها بتاريخ 21 يونيو 2012. فكيف وافقت السلطات على تأسيس جمعية تمارس أعمالاً تحريضية وعنيفة ووضعت منذ البداية ضمن أهدافها “التصدي لكل الحركات والجبهات والأجندات والهيئات والأصوات التي تستهدف هوية الشعب المغربي أو المس بمقدساته” في حين ينص قانون تأسيس الجمعيات المغربي على حلّ كل جمعيات أو هيئات “قد تُحرض على قيام مظاهرات مسلحة في الشارع”؟ وكيف منحت السلطات وصل اعتراف قانوني لحركة يشير اسمها بشكل علني للملكية؟ يزداد هذا السؤال إلحاحاً إذا استحضرنا محاكمة وسجن مواطنين لمجرد استعمالهم صورة الملك أو حتى أفرادا من العائلة الملكية كبروفايلات حساباتهم على الفايسبوك، كما هو حال المهندس الشاب فؤاد مرتضى والذي حكم عليه في عام 2008 بثلاث سنوات سجناً بتهمة “انتحال صفة” الأمير رشيد.

على غير العادة، وصل إيداع ملف التصريح ختم عامل عمالة مقاطعة الحي الحسني، امحمد كردوح، في حين أن هذا النوع من الوثائق عادة ما يوقع من طرف القائد أو الباشا، وهو ما قد يمكن تفسيره ربما بتحفظ رجال السلطة المعنيين عن اتخاذ قرار التوقيع من عدمه وإحالة الملف على رئيسهم المباشر بحسب التسلسل الوظيفي.

تفتخر الحركة بعلاقتها بالقصر، إذ يصف أعضاؤها أنفسهم في ملصقاتهم بكونهم “خدام العرش الأوفياء”، فيما يصرح رئيسها أنه يتحرك “تحت التعليمات السامية لصاحب الجلالة”. تُفتتح أنشطة الجمعية باسم “جلالة الملك نصره الله وأيده” ويُشير قانونها الأساسي بشكل صريح إلى وجود “تنسيق مع الديوان الملكي” بالإضافة إلى مهامها في “الإسهام بمختلف مكوناتها في المبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي يرعاها صاحب الجلالة نصره الله وأيده”. كما دأبت الحركة على وضع شعار المملكة في تروسية وثائقها والإفتخار علناً بكونها تحظى بـ “الرعاية السامية لصاحب الجلالة”، وهو دعم يتطلب موافقة الديوان الملكي وتتهافت عليه الفعاليات الثقافية والفنية والرياضية للحصول عليه (خاصة لكونه يسهل الحصول على التمويل ودعم السلطات المحلية في تنظيم التظاهرات)، خاصة إذا ما استحضرنا كيف تم رفضه لعدة جمعيات وفعاليات وطنية هامة بما فيها تلك التي تقف وراءها شخصيات سياسية بارزة كما هو الحال مع حبيب الشوباني عندما كان وزيرا للعلاقات مع البرلمان، وقبله مصطفى الخلفي، وزير الاتصال الأسبق.

إذا أضفنا إلى كل هذه المُعطيات، عدم تحرك النيابة العامة في فتح تحقيقات بعد تداول فيديوهات تهديدية ضد نشطاء، والإمكانيات اللوجيستيكية (بورتريهات الملك، أعلام، تمويل التنقل لمئات الأشخاص من مختلف المدن للمشاركة في التظاهرات وأحيانا إلى أوروبا لفائدة أعضائها) التي تحظى بها الحركة، والحضور الإعلامي لبعض أعضاء الحركة في وسائل الإعلام الرسمية (كالتلفزة الوطنية) وتلك المقربة من السلطة ، فيمكن الحسم بأن النظام، إن لم يكن وراء التنظيم، فإنه ـ على الأقل، راض عنه ويدعمه للاستمرار في أنشطته بما فيها التي تتبنى العنف. “وما العيب في أن يحمل شباب آخر رأيا يتماهى مع أعلى سلطة في البلد ومستعد للدفاع عن هذا الموقف في الشارع العام؟” كما كتبت إحدى الجرائد المقربة من النظام عن الحركة.

“نساء ملثمات يطلقن على أنفسهن اسم” بنات الحسن الثاني

تعيش الحركة منذ تأسيسها اضطراباً على مستوى الرؤية الاستراتيجية. فبالإضافة إلى الصراع حول الشرعية التأسيسية والانقسامات الداخلية التي وصلت حدّ تبادل الضرب بين رئيسها وإحدى عضوات الحركة اتهمها الأخير بـ “العمالة للجزائر”، أعلنت في وقت سابق عن تغيير اسمها من “حركة الشباب الملكي” الى “حركة مغاربة الدستور” بسبب ما أسمته الحركة في بلاغ تم تعميمه على وسائل الإعلام بـ “استغلال البعض لهذا الاسم من أجل الاسترزاق والابتزاز بعيداً عن المبادئ التأسيسية”، غير أن التسمية الأصلية سرعان ما عادت من جديد لتطفو على السطح، بل وبرز التنظيم في تركيبات مختلفة كـ “حركة الشباب الملكي للمغاربة بالداخل و الخارج” على سبيل المثال، كما انبثقت عن النواة الأم للحركة عدة تنظيمات أخرى كـ“جمعية حب الوطن أولا” و“الحركة الدولية للتواصل والإعلام” و“فيلق الملثمات”، وهن مجموعة من النساء الملثمات يطلقن على أنفسهن أيضاً “بنات الحسن الثاني”.

بالرغم من الإمكانيات المادية واللوجيستية التي يبدو أن الحركة تحظى بها، تُظهر أنشطتها القليل من الاحترافية والكثير من الهواية. على سبيل المثال، أصدرت الحركة بلاغاً استنكارياً ركيكاً ردّاً على عملية حرق العلم الوطني في باريس خلال مسيرة تخليدية لمقتل محسن فكري يوم 26 أكتوبر الماضي. فقد توجه البلاغ إلى وزارة الداخلية الفرنسية بصيغة “عزيزتي فرنسا الإرهابية” قبل أن يختم بصيغة “وتقبلوا مني سيدي أحرّ التحيات”، مع توقيع رئيس الحركة بعبارة “خادم الأعتاب الشريفة”، وهو ما جرّ على الحركة تهكما واسعاً على الشبكات الاجتماعية.

إذا نجحت الحركة عبر خدماتها في خلط الأوراق خلال بعض المحطات السياسية والاجتماعية الصعبة التي مرت منها البلاد (حركة 20 فبراير، حراك الريف...) وتقديم خدمات آنية للنظام (القدرة على الحشد مثلاً)، فإن أدوات عملها (قد) تؤدي إلى نتائج عكسية على المستوى البعيد. أولا من خلال تشجيع تناسل تنظيمات مشابهة تحاول بيع خدماتها للنظام؛ أحيانا بنوع من الابتزاز؛ ثم من خلال مساهمتها في كشف بعض أوراق بروباغاندا (دعاية) النظام، وأخيراً بتوجيه النقاش نحو قضايا لم تكن مطروحة بشكل مباشر وحاد في ما مضى، كالانقسام حول الملكية من خلال شعاراتها “ملكنا واحد، محمد السادس” و“عاش الملك” التي بدأ المتظاهرون مؤخراً يردون عليها بهُتاف “عـاش الشعب!”..

1السنغال والكوت ديفوار ومصر والصين...