أمن الخليج: الصين تتأقلم مع المظلة الأمريكية

هل ستنسحب الولايات المتحدة الأمريكية من الشرق الأدنى؟ في جميع الأحوال، لا تبدو الصين التي شاركت لأول مرة في مناورات بحرية مع روسيا وإيران في المنطقة في ديسمبر/كانون الأول الماضي، مستعدة للأخذ بزمام الأمور مفضلة تجديد استراتيجية تعدد الأطراف تحت مظلة واشنطن. تحليل.

لا تعني المناورات البحرية الصينية-الروسية-الإيرانية المشتركة، والتي تشكل سابقة بالنسبة للصين، تعزيزا للروابط العسكرية مع بلدان الشرق الأوسط. وهي لا تعبر عن طموح في لعب دور أكبر في الأمن الإقليمي، على الأقل في المدى القريب. تترافق المناورة العسكرية بدعم نظري من الصين لمقاربة متعددة الأطراف للأمن في الخليج، موحية بأنها تتصور استمرارية الدور القيادي للولايات المتحدة على الرغم من التنافس المتزايد بين أكبر قوتين اقتصاديتين في العالم.

تلك هي على الأقل الرسالة التي ترسلها الصين، مقللة من أهمية التمرين العسكري وموحية أن مساهمتها فيه تقتصر على قوات غير قتالية. وقد تمثلت مشاركتها في تدخل أسطولها الخاص بمكافحة القرصنة، وهي قوة موجودة فعلا في المياه الصومالية لحماية السفن التجارية وأيضا العاملين المكلفين بحفظ السلام والمساعدات الإنسانية. وبالفعل، لم ترسل الصين وحدات من جيش التحرير الشعبي.

بعيدا عن التنافس السعودي-الإيراني

على الرغم من تشجيعها لمقاربة متعددة الأطراف، ما تزال الصين تحتفظ بتفضيلها لقيادة أمريكية في ضمان أمن الخليج. وقد تم التعبير عن وجهة النظر هذه في السنة الحالية من خلال استعدادها للنظر في إمكانية المشاركة في التحالف البحري الذي تم إنشاؤه ردا على عدة هجمات ضد ناقلات النفط في خليج عُمان. وهو تحالف تقوده الولايات المتحدة، ويتمثل دوره في مرافقة السفن التجارية في الخليج وتأمين طرق الملاحة البحرية. وقد بدأ هذا التحالف الذي التحقت به كل من الإمارات العربية المتحدة والعربية السعودية والبحرين وبريطانيا وأستراليا نشاطه في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.

لكن الصين -على الرغم من إعلانها تفضيل القيادة الأمريكية في الخليج- تدعو إلى توسيع نطاق الترتيبات الأمنية مع إدماج مظلة الدفاع الأمريكي قصد التخفيف من التوترات الإقليمية. كما ترى أيضا أن اتفاقا متعدد الأطراف سيسمح لها بمواصلة تجنب الانجرار إلى نزاعات وخلافات الشرق الأوسط، وعلى الخصوص التنافس السعودي الإيراني.

ويتوافق ترتيب متعدد الأطراف تبقى فيه الولايات المتحدة الفاعل العسكري الأساسي، مع مخططات قدرات الانتشار التدريجي للقوة العسكرية المتنامية للصين خارج حدودها. فباستثناء تواجد عسكري بجيبوتي، فإن انتشار الصين يقل أهمية كلما ابتعدت عن حدودها.

يمكن أن تستجيب الاقتراحات الخاصة بهيكل أمني متعدد الأطراف إلى التوجه المعاملاتي1 للرئيس الأمريكي دونالد ترامب وإصراره على ضرورة تقاسم الأعباء المالية. غير أن الانتقال من نقطة إلى أخرى هو أسهل قولا من الفعل. فعلى الرغم من أن المظلة الأمنية الأمريكية موجهة ضد إيران، فإن المقاربة المتعددة الأطراف تفرض إشراك هذا البلد.

مشروع مؤتمر الأمن الإقليمي

يمكن أن ترتكز هذه المشاركة على نوع من اتفاق عدم الاعتداء، وهو اقتراح قدمته إيران والذي يظهر ضمنيا في دعوة روسيا لعقد مؤتمر للأمن الإقليمي على نموذج منظمة الأمن والتعاون الأوروبي.

ولكن ليتم تحقيق ذلك يتعين على الولايات المتحدة والعربية السعودية تخفيف التوترات مع إيران وأن يؤكدا بصفة ذات مصداقية أن لا نية لهما في الإطاحة بالنظام الإيراني أو زعزعة استقراره، وأن يتم حل الأزمة الناجمة عن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق الدولي لعام 2015 الذي يحد من البرنامج النووي الإيراني. ويعد ذلك تحديا كبيرا حتى وإن كانت العربية السعودية وإيران لم تغلقا الباب أمام الاتصالات التي تهدف إلى تخفيف التوتر.

وفضلا عن ذلك، بقي الدعم الصيني يفتقد إلى الحماس لحد الآن بخصوص اقتراح روسي يدعو الولايات المتحدة وروسيا والصين والهند إلى المشاركة في مقاربة متعددة الأطراف.

مسافة نسبية تجاه الموقف الروسي

على الرغم من دعم الاقتراح الروسي بعبارات عامة، امتنع الناطق الرسمي لوزارة الشؤون الخارجية الصيني جانغ شوانغ عن الموافقة عليه بشكل محدد. وقد اكتفى السيد جانغ بالترحيب “بكل المقترحات والجهود الدبلوماسية التي تؤدي إلى خفض تصعيد الوضع في منطقة الخليج”.

ويعود امتناع الصين عن التأييد بدون تحفظ على اقتراح روسيا إلى مقاربات مختلفة للعمل التعددي عامة والتحالفات بشكل خاص. تفضل الصين التركيز على الجغرافيا-الاقتصادية عوضا عن الجغرافيا-السياسية في حين ما تزال روسيا تعمل وفق مبدأ التحالفات.

ويلوح في الخلفية أنه يمكن للصين أن تعتبر، في آخر المطاف، الأمن في جنوب ووسط آسيا مرتبط بالأمن في الخليج، مما يطرح تساؤلات حول دوام تصور الأمن لدى الصينيين.

يبدو الانتشار الجغرافي لمقاربة الصين جليا ليس فقط من موقع القوة التي لها في بحر الصين الجنوبي بل أيضا في بلدان مثل طاجكستان وأفغانستان. حققت الصين مؤخرا تقدما في بناء طريق يقطع ممر واخان2 في أفغانستان. ويخدم هذا المحور أهدافا جيوسياسية متعددة، حيث يسمح بحركة القوات ويخدم القاعدة العسكرية المتواجدة في طاجكستان كما يمكن أن يستعمل في عمليات صينية محتملة عابرة للحدود في الممر.

تقسيم العمل بين موسكو وبيكين؟

السؤال الذي يطرح هو ما إذا كان من شأن الإجراءات الصينية أن تقوض التقسيم المفترض للعمل بين روسيا والصين والذي بموجبه تتحمل روسيا مسؤولية الأمن في آسيا الوسطى في حين تركز الصين على التنمية الاقتصادية. وإذا قامت بذلك فماذا يكون تأثيره على التبعية الصينية تجاه الوجود الروسي المحتمل في الخليج؟

لا شك أن الخليج ينتقل تدريجيا من اتفاقية أمنية أحادية الجانب إلى اتفاق متعدد الأطراف يدفعه إلى ذلك هجمات سبتمبر/ أيلول ضد المنشآت البترولية السعودية وغياب رد أمريكي عزز الشكوك القائمة بخصوص موثوقية الضمانات الأمنية التي تقدمها الولايات المتحدة.

تساؤل حول جدوى المقاربة الاقتصادية الصينية

سمحت قناعة الصين بأن الاقتصاد عوض الجغرافية السياسية هو مفتاح حل النزاعات أن تبقيها بعيدة عن التصادمات. غير أن هذا المبدأ لم يثبت جدواه بعد. فمن غير المرجح أن تسمح مقاربة الصين بحمايتها من خطر أن تكون في صميم اهتمامات الفاعلين الرئيسيين في الشرق الأوسط. ويرى جيانغ كسودونغ، الباحث حول الشرق الأوسط في أكاديمية العلوم الاجتماعية بشانغهاي أن “الاستثمار الاقتصادي لن يحل كل المشاكل الأخرى في حالة نشوب نزاعات دينية وعرقية”.

1المعاملاتية، والتي تسمى أيضا “نظرية الاتصال” أو “السيبرانية”. مصممها كارل دوتش. تستكشف هذه المقاربة تطور مختلف الروابط بين المجتمعات كأساس للاندماج. تفترض هذه النظرية أن الاندماج يتطور وأن مجتمعات للأمن تنشأ بفضل تزايد المعاملات (أو الاتصالات) بين مختلف المجتمعات.

2يقع ممر واخان في المنطقة الجبلية للبامير، وتحده شمالا طاجكستان وجنوبا باكستان وشرقا الصين. يبلغ طوله حوالي 210 كلم من الشرق إلى الغرب ويتراوح عرضه بين 20 و60 كلم. ويغطي مساحة تقدر ب 10300 كلم².