شهدت فلسطين، في عشرينيات القرن الماضي، عدداً من “الهبات” التي كان يقوم خلالها الفلسطينيون العرب بمهاجمة المستوطنين اليهود، كان من أهمها الهبة الواسعة التي اندلعت في الأسبوع الأخير من آب/أغسطس 1929، وعُرفت بـ “هبة البراق”، نسبة إلى الحائط الغربي للمسجد الأقصى، الذي يعتقد المسلمون أن النبي محمداً ربط عنده “البراق” الذي امتطاه عندما عرج إلى السماء في ليلة الإسراء. وكان الباعث الرئيسي لاندلاع تلك الهبة محاولة اليهود انتزاع حقوق في ملكية هذا الحائط الغربي، تتجاوز حقهم في زيارة الموقع الذي يطلقون عليه اسم “حائط المبكى” ويقيمون صلواتهم بقربه.
وخلافاً لما سبقها، تميّزت “هبة البراق” بشمولها معظم المدن الرئيسية في فلسطين، وامتدادها إلى العديد من القرى العربية والمستعمرات اليهودية، وسقوط مئات القتلى والجرحى من العرب واليهود خلالها. ولم تفلح السلطات البريطانية في إخمادها سوى بعد لجوئها إلى استخدام طائراتها وسياراتها المصفحة، وإلى الاستعانة بالوحدات العسكرية المتمركزة في القواعد البريطانية خارج فلسطين.
ثورة 1936-1939
عقب “هبة البراق”، صار نضال الشعب الفلسطيني يستهدف الاستعمار البريطاني وأجهزته أكثر مما يستهدف التجمع الاستيطاني اليهودي في فلسطين “الييشوف”، وذلك بعد أن خاب رهان قيادة الحركة الوطنية الفلسطينية على إمكانية تغيير مواقف بريطانيا إزاء تصريح بلفور ومشروع “الوطن القومي اليهودي”. وكان من مظاهر هذا التحوّل التحركات الثورية التي شهدتها المدن الفلسطينية، وخصوصاً القدس ويافا، في أكتوبر/تشرين الأول 1933، ضد السلطات البريطانية، وذلك احتجاجاً على سكوتها على تسليح المنظمات الصهيونية وسماحها بانتقال الأراضي إلى أيدي اليهود وفتح أبواب الهجرة إلى فلسطين أمامهم. وساهمت تلك التحركات، ومن ثم المظاهرة الحاشدة التي جرت في مدينة حيفا في 21 نوفمبر/تشرين الثاني 1935 [لدى تشييع الشيخ عز الدين القسام غداة استشهاده في كمين نصبته وحدة من الجيش البريطاني في أحراش قرية يعبد في منطقة جنين لمجموعة الأنصار المسلحة التي كان يقودها]، في تمهيد الطريق أمام اندلاع الإضراب العام في 20 أبريل/نيسان 1936 بقرار من لجنة قومية في نابلس، إثر انتشار شائعة عن مقتل أربعة عرب بينهم امرأة، في مدينة يافا على يد المستوطنين اليهود. فكان ذلك بداية ثورة 1936-1939.
وتخوفاً من انتقال قيادة حركة الإضراب العام إلى أيدي القيادات المحلية الميدانية، بحيث تصبح الأحزاب العربية عاجزة عن التحكم به، التقى زعماؤها في 25 نيسان، وأعلنوا تشكيل “اللجنة العربية العليا” برئاسة مفتي القدس محمد أمين الحسيني، التي دعت إلى مواصلة الإضراب العام إلى أن تستجيب الحكومة البريطانية لمطالب الحركة الوطنية العربية المتمثّلة في: وقف الهجرة اليهودية وقفاً تاماً، ومنع انتقال الأراضي إلى اليهود، وإنشاء حكومة وطنية مسؤولة أمام مجلس نيابي.
وقد لجأت السلطات البريطانية إلى سلسلة من الإجراءات للقضاء على الثورة، إذ فرضت أنظمة قانون الطوارئ، واستقدمت وحدات عسكرية جديدة من مالطة ومن بريطانيا، وصارت تفرض عقوبات جماعية على سكان المدن والقرى، مثل نسف البيوت وفرض الغرامات، حتى أنها قامت بهدم البلدة القديمة في مدينة يافا التي وجد فيها الثوار الفلسطينيون ملجأ لهم، وألقت القبض على آلاف الثوار العرب، ونفذت أحكام الإعدام في عشرات منهم، كما دعمت تشكيل “فرق سلام” مسلحة من الفلسطينيين المعارضين لقيادة محمد أمين الحسيني لمحاربة الثوار الموالين له، وأضفت طابعاً شرعياً على منظمة الهاغانا العسكرية السرية، التي تأسست وسط “الييشوف” في مطلع العشرينيات، وذلك من خلال تجنيد حراس قرويين لحماية المستعمرات اليهودية، فكان ذلك بداية تشكيل فرق حراسة هذه المستعمرات التي حملت اسم “هنوطروت”. كما لجأت السلطات البريطانية إلى المناورات السياسية وشكّلت لجنة للتحقيق في الاضطرابات، ثم أصدرت في مايو/أيار 1939 “الكتاب الأبيض” لتهدئة العرب.
،1987 في سبيل الحرية والاستقلال
أُطلق اسم “الانتفاضة” لأول مرة على التظاهرات التي شهدتها المناطق الفلسطينية المحتلة خلال شهري فبراير/شباط ومارس/آذار 1969 احتجاجاً على إجراءات سلطات الاحتلال الإسرائيلي القمعية. وقد تميزت تلك التظاهرات بالمشاركة الواسعة للنساء وبلجوء المتظاهرين إلى استخدام الحجارة. كما برز خلالها دور المسجد كمركز لتجميع الناس وتعبئتهم، إذ انطلقت من المسجد الأقصى في مدينة القدس بعد صلاة العيد مسيرة كبرى نظمتها القوى الوطنية والنقابات العمالية والمهنية والهيئات النسائية، شارك فيها أكثر من ثلاثة آلاف شخص، توجهوا إلى أضرحة الشهداء.
شكلت تلك الانتفاضة محطة بارزة في نضال سكان المناطق الفلسطينية المحتلة؛ فبفضلها، استعاد هؤلاء السكان ثقتهم بأنفسهم وبقدرتهم على مواجهة الاحتلال بعد نكسة حرب يونيو/حزيران 1967، كما بدأت وحدة العمل بين القوى الوطنية في الضفة الغربية وفي قطاع غزة تتعزز.
تواصل نضال هؤلاء السكان خلال عقدين من الزمن إلى أن تكلل باندلاع الانتفاضة الشعبية الكبرى في التاسع من ديسمبر/كانون الأول 1987، التي كرّست انتقال مركز الثقل في النضال الوطني الفلسطيني من خارج المناطق الفلسطينية المحتلة، حيث تركّز هذا الثقل منذ نشوء حركة المقاومة الفلسطينية المسلحة في منتصف الستينيات، إلى داخل هذه المناطق، وأحيت الدور السياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية الذي ضعف كثيراً بعد أن فقدت، عقب الاجتياح الإسرائيلي للبنان في صيف 1982، “قاعدتها الآمنة” في هذا البلد وخسرت “ورقة” الكفاح المسلح وأجبرت على إخراج قواتها من بيروت، ودفعت الحكومة الأردنية، في 31 يوليو/تموز 1988، إلى التخلي عن سيطرتها على الضفة الغربية واتخاذ قرار بفك العلاقة القانونية والإدارية بين الضفتين الشرقية والغربية لنهر الأردن. كما شجعت الدورة التاسعة عشرة للمجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر1، في منتصف نوفمبر/تشرين الثاني 1988، على إصدار “إعلان الاستقلال” وتبني “مبادرة السلام” التي دعمتها الأمم المتحدة، خصوصاً بعد أن ركّزت “القيادة الوطنية الموحدة” للانتفاضة على هدفَي الحرية والاستقلال، ورسمت فاعلياتها النضالية حدود الدولة الفلسطينية على أساس “الخط الأخضر” الذي يفصل الأراضي الفلسطينية التي احتلت سنة 1967 عن الأراضي التي قامت عليها إسرائيل سنة 1948.
ولقد تميّزت تلك الانتفاضة بطابعها الشعبي والديمقراطي، إذ شاركت فيها جميع فئات الشعب الفلسطيني الاجتماعية، كما تميّزت بمستوى تنظيمها العالي، وبأساليب نضال غير مسلحة متوافقة مع طبيعة المناطق الفلسطينية المحتلة، نجحت في تحييد جيش الاحتلال الإسرائيلي، وأدت إلى تصاعد المعارضة الإسرائيلية لسياسات الاحتلال، وفرضت على حكام إسرائيل عزلة دولية كبيرة.
لكن في المرحلة الثانية من هذه الانتفاضة (ربيع 1989-صيف 1990)، ظهرت الصراعات الفئوية ليس فقط بين أطراف منظمة التحرير الفلسطينية وحركة “حماس” الإسلامية، بل كذلك بين أطراف منظمة التحرير نفسها نتيجة الاختلافات التي صارت تبرز بينها حول كيفية إدارة فعاليات الانتفاضة، كما نمت مظاهر “بقرطة” الانتفاضة من خلال تأسيس العشرات إن لم يكن المئات من المؤسسات والهيئات البيروقراطية بأموال دعم الانتفاضة التي تضخ من الخارج2.
وهكذا، عندما شرع النظام العراقي بغزو الكويت في 2 أغسطس/آب 1990، كانت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية تواجه مأزقاً سياسياً خانقاً. فبينما كانت “مبادرة السلام” الفلسطينية قد وصلت إلى طريق مسدود، وخصوصاً بعد إقدام الإدارة الأمريكية على قطع الحوار الذي كانت قد بدأته مع قيادة منظمة التحرير، بذريعة رفض هذه القيادة إدانة العملية الفدائية التي قام بها أحد فصائل المنظمة، فشلت الانتفاضة في التحوّل إلى حالة من العصيان المدني الشاملة وتحقيق مكاسب سياسية جديدة للقضية الفلسطينية. وفي الوقت نفسه، كانت موجات الهجرة اليهودية الواسعة تتدفق إلى إسرائيل من جمهوريات الاتحاد السوفييتي. أما الواقع الرسمي العربي الذي انقسم على نفسه بعد الغزو العراقي للكويت، فقد كان عاجزاً عن ممارسة أي ضغط جدي على الإدارة الأمريكية. وإزاء هذه الظروف الصعبة، التي خيّمت عليها أجواء الإحباط، تبنّت قيادة منظمة التحرير “المبادرة” السياسية التي طرحها الرئيس العراقي صدام حسين3، في 12 أغسطس/آب 1990، على قاعدة “الربط” بين جميع النزاعات في الشرق الأوسط، بحيث يبدأ الحل لهذه النزاعات بانسحاب إسرائيل “الفوري وغير المشروط” من الأراضي العربية التي تحتلها في فلسطين وسوريا ولبنان.
لكن مع انتهاء حرب الخليج بهزيمة الجيش العراقي على يد “التحالف الدولي” وانسحابه من الكويت، فُرض على منظمة التحرير حصار سياسي ومالي عربي ودولي شديد، نتيجة وقوفها إلى جانب العراق، دفعها إلى الموافقة على الشروط الأمريكية للمشاركة في المؤتمر الدولي للسلام الذي دعت إليه الإدارة الأمريكية، ثم إلى الدخول في مفاوضات سرية مع الحكومة الإسرائيلية، أسفرت، في سبتمبر/أيلول 1993، عن “اتفاق إعلان المبادئ الفلسطيني الإسرائيلي” المعروف باتفاقيات أوسلو، وتبادل وثائق “الاعتراف المتبادل” بين منظمة التحرير الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية.
إحباط بعد اتفاقيات أوسلو
بعد سبعة أعوام على “المصافحة التاريخية” في البيت الأبيض بين ياسر عرفات وإسحاق رابين، تبيّن أن السلطة الفلسطينية لم تسيطر على أكثر من خمس مساحة الضفة الغربية وعلى ثلثي مساحة قطاع غزة تقريباً، وبأن 22 في المئة من أرض فلسطين التاريخية -أي مساحة الضفة الغربية وقطاع غزة-، تخضع، في نظر حكام إسرائيل، للتفاوض وليس للتنفيذ، كما هو الحال بالنسبة لبنود قرار مجلس الأمن رقم 242، الذي يدعو إسرائيل إلى الانسحاب من الأراضي العربية التي احتلتها في يونيو/حزيران 1967. إلى جانب ذلك، تواصلت عمليات مصادرة الأراضي وبناء المستوطنات وتوسيعها وتهويد القدس، وازداد عدد الفلسطينيين الذين يعانون من الفقر والبطالة عما كانوا عليه. فكان من الطبيعي أن تندلع الانتفاضة في أواخر سبتمبر/أيلول 2000، خصوصاً بعد فشل مفاوضات كامب ديفيد في يوليو/تموز 2000، بين ياسر عرفات وايهود باراك، في التوصل إلى حلول لقضايا الوضع النهائي.
لقد كانت الانتفاضة الثانية، التي أشعلها قيام أرييل شارون بدخول ساحة المسجد الأقصى، تعبيراً عن تراكم ضيق الجمهور الفلسطيني4 إلى أن بلغ ذروة الانفجار، وقناعته بأن التفاوض من دون ممارسة الضغط لن يجدي. ومنذ أسابيعها الأولى، نشأ جدل بين القوى الفلسطينية المنخرطة فيها حول الاحتفاظ بطابعها الشعبي أو توجيهها نحو النشاطات المسلحة، وبين حصرها داخل حدود الأراضي المحتلة سنة 1967 أو مدها إلى إسرائيل داخل ما يُعرف بالخط الأخضر. كما نشأ جدل حول طبيعة أهدافها السياسية، إذ انقسمت القوى الفلسطينية إلى سلطة وطنية، وجدت في الانتفاضة وسيلة لتحسين شروط التفاوض، وقوى وطنية علمانية، رأت فيها وسيلة لتحقيق هدف الاستقلال، وقوى دينية، وجدت فيها طريقاً إلى طرح خطها السياسي القائم على تحرير كامل التراب الوطني الفلسطيني.
وسريعاً، راحت الانتفاضة تتجّه نحو عسكرة فعالياتها من خلال ظاهرة العمليات التفجيرية أو “الاستشهادية”، وهي الظاهرة التي جاءت أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001 في الولايات المتحدة الأمريكية لتعطيها أبعاداً خطيرة5. فقبل 11 سبتمبر/أيلول، كانت سياسة إدارة الرئيس جورج بوش الابن، التي لم تهتم بإعادة الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي إلى سكة الحوار، تتمثّل في دعم حكومة أرييل شارون ومطالبته بعدم الإفراط في الرد على الفلسطينيين، واحتواء المواجهة الدائرة فوق الأرض الفلسطينية بحيث لا تؤثر سلباً في السياسة الأمريكية في المنطقة، وخصوصاً إزاء العراق. وقد استنتج أرييل شارون فوراً، بعد 11 سبتمبر/أيلول، أن الوضع الجديد يتيح له الادعاء أنه يقف في الخطوط الأمامية لـ “الحرب على الإرهاب”، معزّزا التفاهم السياسي بين اليمين المحافظ الأميركي واليمين القومي الإسرائيلي.
وقد أثار طغيان الطابع العسكري على هذه الانتفاضة جدلاً واسعاً في الأوساط الفلسطينية. وقام بعض الباحثين الفلسطينيين بالمقارنة بين الانتفاضة الأولى، التي تميّزت بطابعها السلمي والشعبي، وبين الانتفاضة الثانية، فرأت الأستاذة في جامعة بير زيت إصلاح جاد6، أن الانتفاضة الثانية عانت من غياب المشاركة الجماهيرية، التي اقتصرت على أشكال رمزية كالمشاركة في جنازات الشهداء، وذلك نتيجة ضعف الأحزاب والتنظيمات السياسية التي كانت تحتضن منظمات العمل الجماهيري وانتقال عدد من كوادر هذه الأحزاب للعمل في المنظمات غير الحكومية، الأمر الذي أدّى إلى “تراجع كبير في خطاب وثقافة التيار الوطني الديمقراطي العلماني”، وسمح للحركات السياسية الدينية “بكسب شرعية إضافية وتنظيم نسبة مهمة من الجمهور”، وذلك عن طريق السيطرة بالانتخابات على عدة مجالس طلابية أو نقابات مهنية، وكذلك عن طريق التصدي للاحتلال بالعمل العسكري، واللجوء “إلى العمليات التفجيرية الاستشهادية”، التي صارت تشارك فيها قوى من حركة فتح.
نحو انتفاضة ثالثة؟
منذ سنة 2002، صارت إدارة الرئيس جورج بوش الابن، التي اتهمت رئيس السلطة الفلسطينية بتشجيع “الإرهاب”، تركّز على مطلب الإصلاح بوصفه وسيلة لإقصاء ياسر عرفات عن قيادة السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير، بينما رأت حكومة شارون في هذا المطلب مدخلاً إلى إضعاف السلطة الفلسطينية برمتها، خصوصاً بعد أن قامت قواتها باجتياح المدن الفلسطينية التي خضعت لسيطرة السلطة الفلسطينية، وفرضت على رئيسها الحصار في مقره في مدينة رام الله.
وبعد رحيل ياسر عرفات في 11 نوفمبر/تشرين الثاني 20047، برزت أفكار تعتبر أن زمن “الشرعية التاريخية” قد انتهى، وتعالت الدعوات إلى اعتماد الانتخابات كمصدر رئيسي للشرعية السياسية. وجرت الانتخابات الرئاسية بالفعل في 9 يناير/كانون الثاني 2005، وحصل فيها مرشح حركة “فتح”، محمود عباس، على نحو 63 في المئة من الأصوات. وفي برنامجه الانتخابي، أكد الرئيس الجديد الحاجة إلى إصلاح النظام السياسي على أساس تفعيل دور المؤسسات، وإطلاق العملية الديمقراطية، ودعا إلى وقف عسكرة الانتفاضة وإعادة إحياء المفاوضات، باعتبار ذلك هو “الطريق الوحيد” للتوصل إلى حل سياسي يضمن حقوق الشعب الفلسطيني ويساهم في تغيير صورته في نظر الرأي العام الدولي، ويوفر الدعم المادي له. وبذلك، فقدت الانتفاضة الأساس الموضوعي الذي يسمح لها بالاستمرار، وراحت جذوتها تنطفئ شيئاً فشيئاً.
في دراسة نشرها معهد “كارنغي لسلام الشرق”، في 8 فبراير/شباط 2018، حول احتمالات اندلاع انتفاضة ثالثة، أعدها الباحث في المعهد مايكل يونغ، واستندت إلى رؤية كبار باحثي المعهد، خلصت الدراسة إلى أن انغلاق آفاق ونافذة الحل (على أساس حل الدولتين وفق المعايير الدولية)، وحالة الإحباط المتفشية بين الفلسطينيين، وتفاقم الأوضاع المعيشية والإنسانية، ترجح احتمال انفجار انتفاضة ثالثة، وإن كان من المحتمل أن تتخذ أشكالاً تختلف عن الانتفاضة الشعبية سنة 1987 أو “انتفاضة الاقصى” التي اتخذت طابعاً مسلحاً. وبحسب علي الجرباوي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بير زيت وأحد المشاركين في هذه الدراسة، فإنه “من المستبعد أن يتكرّر حدوث انتفاضة شعبية كتلك التي اندلعت سنة 1987، فقد تبدّلت الظروف تماماً جرّاء اتفاق أوسلو وقيام السلطة الفلسطينية، وبفعل ذلك فقد أصبح الاحتلال مخفيّاً وغير مرئي بدرجة كبيرة بالنسبة للفلسطينيين المحصورين داخل مناطق سكنهم في ما أصبح يُعرف بالمنطقتَين (أ) و(ب)، وهذا أدّى لأن لا يكون هناك احتكاك يومي مباشر بينهم وبين قوات الاحتلال، إلا عند الحواجز المنتشرة على مداخل هذه المناطق السكنية، وعلى شبكة الطرقات الرئيسة”.
ويضيف الجرباوي أنه “لا توجد إمكانية لاندلاع انتفاضة بأي شكل من الأشكال، إن لم تكن شريحة كبيرة من الفلسطينيين على قناعة بجدواها الإيجابية”، وأن الانتفاضة القادمة قد تكون “على هيئة احتجاجات شعبية سلمية واسعة ومستمرة في مراكز المدن الفلسطينية، تطالب بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي المديد، على أمل أن يجذب ذلك انتباه وتدخّل المجتمع الدولي”.
1ماهر الشريف، “خلفيات الانتفاضة على صعيد الوعي والتعبئة والتنظيم وأشكال المقاومة الشعبية”، المؤتمر السنوي لمؤسسة الدراسات الفلسطينية “انتفاضة 1987: الحدث والذاكرة”، جامعة بير زيت، 24-26 نوفمبر/تشرين الثاني 2017.
2تيسير عاروري، “سبل إنجاز برنامج الانتفاضة: من سيصرخ أولاً: الفلسطينيون أو الإسرائيليون؟”، مجلة “صوت الوطن”، نيقوسيا، العدد 5، يناير/كانون الثاني 1990، ص 6-9؛ “الانتفاضة على مفترق طرق: نظرة استراتيجية على الانتفاضة”، المصدر نفسه، العدد 14، أكتوبر/تشرين الأول 1990، ص 4-9.
3“مبادرة الرئيس صدام حسين من أجل حل الأزمة في الخليج”، مجلة الدراسات الفلسطينية، بيروت، العدد 4، خريف 1990، ص 256-257.
4ماهر الشريف، “إشكاليات ما بعد فشل مسار أوسلو: وقفة عند بعض السجالات الفكرية”، مجلة الدراسات الفلسطينية، العدد 70، ربيع 2007، ص 16-28.
5كميل منصور، “أحداث 11 أيلول 2001 والمواجهة الفلسطينية – الإسرائيلية”، مجلة الدراسات الفلسطينية، العدد 49، شتاء 2002، ص 16-27.
6إصلاح جاد، “الوضع الفلسطيني ما بعد الاجتياح الإسرائيلي واستشراف لآفاق المستقبل”، مجلة الدراسات الفلسطينية، العدد 51، صيف 2002، ص31-40.
7جورج جقمان، “مستقبل النظام السياسي الفلسطيني بعد عرفات”، مجلة الدراسات الفلسطينية، العدد 62، ربيع 2005، ص 51-57.