أوريان 21 يحتفل بعيده السابع

مقاوَمة

صرّح هربرت رايمون ماك ماستر الذي شغل لمدة سنة منصب مستشار الأمن القومي لدى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في 20 سبتمبر/أيلول 2020، أن كلا من تنظيمي القاعدة والدولة الإسلامية يتمتعان اليوم بقدرات أكبر مما كان الوضع عليه قبل هجمات 11 سبتمبر/أيلول، وأنهما تمكنا من الوصول إلى وسائل أكثر تدمير. ويتزامن هذا التصريح مع المفاوضات الجارية حاليا في قطر حول أفغانستان والتي ستؤدي بلا شك إلى تأكيد عودة طالبان إلى الحكم، أو حتى الاستحواذ على الحكم. عشرون عاما من “الحرب ضد الإرهاب” من أجل هذا؟ وهذه هي النتيجة؟

بالنسبة للمنطقة التي تمتد من المغرب إلى الخليج، كانت ترجمة هذه الحرب على الأرض القصف، والدمار، والقتلى، واللاجئين. ولا تزال الطموحات التي وُلدت سنة 2011، والتي أعادت انتفاضات 2019 في العراق ولبنان والجزائر إحياءها، تنتظر التحقيق، بينما يبقى الانتقال (الفوضوي) في تونس والإطاحة بنظام ديكتاتوري دام ثلاثة عقود في السودان نجاحين معزولين. وقد تفاقمت معاناة شعوب المنطقة بسبب موجة كوفيد-19 بعد أن وجدت نفسها أمام معضلتين: إما أن تموت بالفيروس أو أن تموت جوعا. وفي كل مكان، نخب تقود البلدان وتتشبث بمناصبها، بامتيازاتها وبحساباتها البنكية في الخارج. أما مؤسسات الدولة، فتلك التي لم تنهشها الحروب الأهلية باتت مجرد أدوات قمع تزداد وحشية يوما بعد آخر.

أمام هذا التفكك على أبوابها، عادت أوروبا -كما الولايات المتحدة الأمريكية- إلى ردود فعلها الأولية: الدفاع على استقرارها ضد “الإرهاب”، وعلى الأنظمة القائمة ضد تطلعات الشعوب، على غرار نظام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وسجله القمعي الأكثر دموية من سجل نظيره التركي رجب طيب أردوغان. إذ تُمثل هذه الأنظمة بالنسبة للغرب حصنا منيعا ضد الإرهاب -والحال أن سياستهم هي التي تغذيه-، وضد موجات الهجرة -والحال أنها نتيجة الجمود الذي يحرم الشباب من كل أمل حتى يصبح الرحيل أفقهم الوحيد.

كما يَظهر العمى الغربي من خلال “السلام” الذي أمضته الإمارات العربية المتحدة والبحرين مع إسرائيل. هل يمكن حقا أن نَصف بـ“السلام” اتفاقا “ينسى” الفلسطينيين وحقوقهم، ويكافئ احتلال الأراضي الفلسطينية دون أن يأبه بالقانون الدولي؟

أما بالنسبة للسودان، فقد فرضت الولايات المتحدة الأمريكية ابتزازا مشينا: إما إبرام اتفاق مع إسرائيل، أو البقاء على اللائحة الأمريكية للبلدان المساندة للإرهاب، ما يحرم إحدى أفقر بلدان العالم من موارد أساسية. ولنا أن نتخيل ما قد تثيره نفس الخطوة لو اتخذتها موسكو أو بيكين. واشنطن كما تل أبيب تعلمان جيدا أن هذا النوع من التسويات ممكن فقط مع أنظمة ديكتاتورية، واختيار الإمارات ليس صدفة، فمثل هذه الدول تذكرنا برواية “1984” لجورج أورويل في أدب المدينة الفاسدة، حيث تسعى البهرجة التكنولوجية جاهدا إلى إخفاء الرقابة على الأجساد والعقول. وهكذا يمكن لوسائل الإعلام أن تعلن أن “الحرب هي السلام” كأن شيئا لم يكن. والدفع بالسودان في هذا الطريق، رُغم معارضة الشعب، ليس إلا مشاركة في إخفاق هذا الانتقال الهش نحو الديمقراطية.

هذه القراءة للمنطقة من خلال الخطر الإرهابي، والإسلامي، وخطر الهجرة، والردود العسكرية والأمنية عليها، تغطي المعضلات الحقيقية التي تعاني منها هذه البلدان. وكما يشرح المحلل السياسي برتران باديي في كتابه الأخير1، فإن الأزمات الأخيرة التي نعيشها هي أولا وقبل كل شيء اجتماعية وصحية وغذائية ومناخية. وهي التي تغذي الصراعات وتجعل تدخل الجيوش واستعمال القوة بلا جدوى.

منذ إنشائه في الأول من أكتوبر 2013، أراد موقع أوريان 21 -في نطاقه المتواضع- أن يروّج لرؤية مغايرة للمنطقة، بعيدا عن تصورات “حرب الحضارات” ومؤامرة “الاستبدال الكبير”، من خلال تسليط الضوء على مدى تعقيد الأوضاع الراهنة، واستنادا إلى تحاليل باحثين ومختصين. وهي رؤية تفسح المجال أيضا إلى مقاومة المجتمعات، من العراق إلى لبنان، مرورا بالمبادرات الأكثر تواضعا لمكافحة فيروس كورونا أو الدفاع عن التنوع البيئي أو خلق ساحة ثقافية جديدة.

هذا الرهان ضد الإفراط في التبسيط الذي يهيمن عادة على شبكات التواصل الاجتماعي والقنوات الإخبارية على مدار الساعة، بات ممكنا أيضا بفضلكم أنتم. فكموقع مستقل ومجاني ودون إشهار، يموّلة قراؤه، رأينا عددكم يرتفع بانتظام2. كما أصبح لدينا الآن نشرة بريدية باللغة العربية.

إننا نلتزم بمواصلة فعل المقاومة هذا ضد تيار الأخبار الضيقة والاختزالية، كما نعتمد عليكم لمساعدتنا وللتعريف بنا حولكم.

1Inter-socialités. Le monde n’est plus géopolitique, CNRS éditions, 2020.

2بين الأول من يناير/كانون الأول 2020 و27 سبتمبر/أيلول 2020، زار الموقع أكثر من 000 126 1 قارئا، أي أننا سجلنا ارتفاعا بـ60% مقارنة بنفس الفترة من السنة الماضية.