منذ قرابة 10 سنوات، في 25 يناير/كانون الثاني 2011، انتفض الشعب المصري ضد الديكتاتورية سيرا على خطى الشعب التونسي، ليفتح الطريق أمام “الربيع العربي”. بعد عقد من الزمن، تحولت مصر إلى سجن واسع، يُعد فيه السجناء السياسيون بعشرات الآلاف، إن كانوا من الإخوان المسلمين أو الليبيراليين أو ناشطي حقوق الإنسان. كما أن عدد الأشخاص الذين نفذ فيهم حكم الإعدام يجعل مصر تتصدر قائمة البلدان التي لا تزال تطبق هذه العقوبة. يُتهم تقريبا جميع السجناء بانتمائهم إلى “منظمة إرهابية” أي الإخوان المسلمين، حتى وإن كانوا كرّسوا حياتهم للكفاح ضد هذه الحركة. زد على ذلك التطويق التام للإعلام الذي بات في قبضة بعض المرتزقة المقربين من المخابرات، والذي يثني صباحا مساء على “الرّيّس” ونظامه. أما الإصلاحات الاقتصادية النيو ليبيرالية التي فرضها الجيش بقسوة شديدة وأول المستفيدين منها هم الضباط السامون، فقد جعلت مستوى معيشة المصريين يتدهور. لقد بات نظام البنادق مسيطرا على وادي النيل.
في هذه الظروف، يُستقبل الرئيس عبد الفتاح السيسي في باريس، لا سيما من قبل إيمانويل ماكرون. سيتطرق الرئيس الفرنسي بلا شك إلى موضوع السجناء السياسيين، كما فعل خلال زيارته إلى القاهرة موفى يناير/كانون الثاني 2019. ومن بين هؤلاء علاء عبد الفتاح، أحد رواد حركة 25 يناير، ورامي شعث، منسق حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS) ضد إسرائيل، والمتزوج بمواطنة فرنسية. وقد أثبت إطلاق سراح ناشطي المبادرة المصرية للحقوق الشخصية مؤخرا أن للضغوط جدوى، على عكس ما تدعيه سلطات القاهرة. لكن هذا يشترط حدا أدنى من العزيمة والإصرار، وهو ما تفتقر إليه فرنسا وحلفاؤها من الاتحاد الأوروبي، رغم وسائل الضغط العديدة التي بحوزتهم والتي لا يترددون في استعمالها ضد روسيا أو الصين أو فينزويلا كلما سنحت الفرصة.
حصن منيع ضد الإرهاب؟
هل يُفهم جيدا معنى هذا التواطؤ مع نظام يدوس على قيم الديمقراطية، وأولها حرية التعبير التي تدعي فرنسا حمل مشعلها؟ هل يرى وزير الخارجية جان إيف لودريان سخرية الموقف عندما يذهب للقاهرة دفاعا عن رؤية فرنسا لـ“حرية التعبير” والحال أنه يوجد في بلد قد يؤدي فيه أي نقد للسلطة على الشبكات الاجتماعية بصاحبه إلى السجن، دون أن ينبس لودريان ببنت شفة حول هذا الوضع؟
صحيح أنه لا يوجد أي بلد في العالم يبني سياسته الخارجية على مبدأ الدفاع عن حقوق الإنسان، وباريس تبرّر علاقتها مع القاهرة باعتبارات استراتيجية، منها الاستقرار الأساسي لمصر، كونها “حصنا منيعا ضد الإرهاب”، وهو ما يبرر بيع أسلحة يُستعمل بعضها في القمع الداخلي. عندما وصل السيسي للحكم، لم تكن السلطة المركزية مسيطرة على سيناء، لكن هذه المنطقة كانت هادئة نسبيا. بعد سبع سنوات من انقلاب يوليو/تموز 2013، ورغم تعبئة مئات آلاف الجنود واستعمال الأسلحة الفرنسية، ها هو النظام المصري يقف عاجزا أمام حركة تمرّد أصبح في الأثناء أكثر تطرفا بل والتحق بتنظيم الدولة الإسلامية.
في ليبيا، لعب النظام المصري بالنار بمساندته للمشير خليفة حفتر، وجرّ معه فرنسا في هذا الرهان الخاسر الذي كانت نتيجته تقسيما أكبر للبلاد وإضفاء شرعية على العملية العسكرية التركية التي قُدمت كردة فعل على التدخل المصري والإماراتي (اللذين ساندتهما باريس).
توجد مصالح مشتركة بين فرنسا ومصر، بعضها شرعي، في المجال الاقتصادي أو الثقافي، لكن بعضها الآخر أقل ما يمكن أن يقال عنه إنه محل جدال، مثل التعاقد مع القاهرة لإدارة تدفق المهاجرين. وهنا يجب الاتعاظ من التاريخ. في 16 أبريل/نيسان، قام وزير الخارجية الفرنسي آنذاك ألان جوبي بنقد ذاتي للسياسة الفرنسية خلال التسعينيات والسنوات الألفين فقال: “علينا أن نعترف أن هذا ’الربيع” كان مفاجأة بالنسبة لنا جميعا. خلال فترة طويلة جدا، كنا نعتقد أن الأنظمة السلطوية وحدها هي الحصن المنيع ضد التطرف في العالم العربي. وخلال فترة طويلة جدا، لوّحنا بذريعة الخطر الإسلاموي لتبرير نوع من المحاباة تجاه حكومات كانت تتجاهل الحريات وتعرقل تنمية بلدانها".
كيف ننسى إذن مرة أخرى، بعد عشر سنوات، أن الأنظمة الديكتاتورية خير أرضية لعدم الاستقرار والإرهاب؟