يوم 14 مايو/أيار 1947، صعد أندريه غروميكو، نائب وزير الخارجية السوفيتي، إلى منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة ليصرح بأن “الويلات” و“المعاناة غير العادية” لـ “الشعب اليهودي” أثناء الحرب، وعجز الغرب عن الدفاع عنه، ومصير الناجين الذين هم “بلا وطن، ويلا مأوى، وبدون وسائل للعيش” تفسر “تطلع اليهود إلى إقامة دولة خاصة بهم”.
يؤيد الاتحاد السوفييتي قيام “دولة يهودية-عربية واحدة بحقوق متساوية لليهود والعرب”، لكن يواصل غروميكو مفاجئا الجميع: “إذا تبين أن هذا الحل غير قابل للإنجاز بسبب العلاقات المتوترة أكثر فأكثر بين اليهود والعرب” فهو يدعو إلى “تقسيم هذا البلد إلى دولتين مستقلتين، دولة يهودية ودولة عربية”1. بحسب مندوب الوكالة اليهودية ناخوم غولدمان، أثار هذا الخطاب “دهشة كبرى لأن الدوائر اليهودية وغير اليهودية على حد سواء اعتادت النظر إلى السوفييت على أنهم أعداء لدودين للصهيونية”2. في 29 نوفمبر/تشرين الثاني 1947، صوتت موسكو لصالح خطة التقسيم التي قررتها الجمعية العامة للأمم المتحدة، وفي 17 مايو/أيار 1948، اعترفت بتل أبيب.
كان إيفان مايسكى، السفير السوفيتي في لندن، أول من اتصل بالسلطة التنفيذية الصهيونية في عام 1941. وقد كتب: “في عشرينيات القرن الماضي، كان لا يمكن لنا سوى أن ننظر إلى الصهيونية على أنها وكالة للإمبريالية. لكن الوضع تغير الآن. [...] إذا كانت روسيا السوفياتية تريد أن تهتم بمستقبل الشرق الأوسط، فمن الواضح أن اليهود المتقدمين والتقدميين في فلسطين يحملون وعودا أكثر بالنسبة لنا من العرب المتخلفين الموجودين تحت سيطرة الزمر الإقطاعية”3.
يا له من انقلاب في الموقف! ففي عام 1903 وفي سجال مع المدافعين عن الاستقلال الثقافي الذاتي من البوند (الجبهة اليهودية العامة) كان لينين يؤكد: “إن فكرة وجود شعب يهودي خاص خاوية من وجهة النظر العلمية، وهي رجعية في بعدها السياسي [...] لا يمكن القضاء على العداء ضد الفئات ذات الأصول الأجنبية من بين السكان إلا عندما تصبح لا تشكل عنصرا أجنبيا وتندمج في كتلة السكان4.
شعب أم أقلية؟
بعد أن أوصلتهم ثورة أكتوبر إلى السلطة، حرر البلاشفة اليهود من التمييز الذي كانوا يعانون منه في ظل النظام القيصري. ولكنهم لم يعتبروهم “شعبا”، بل أقلية قومية لها دينها وتقاليدها ولغتها اليديشية، التي يتحدثها 85٪ منهم. وكانوا يعتقدون بأن المساواة القانونية والاندماج في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الاشتراكية سوف تؤدي إلى “اسْتيعاب” هؤلاء السكان - وقد منحوهم مع ذلك “الجنسية” اليهودية للتعبير على مساواتهم مع الشعوب السوفيتية الأخرى.
بما أنه لا يوجد “شعب” يهودي، فلا وجود بالتالي لدولة يهودية. في عام 1921 أبلغ كارل راديك باسم الشيوعية الدولية (الكومنترن) الممثلين الفلسطينيين في حركة “بوالي صهيون” (عمال صهيون) المرشحين للعضوية، بأنه “مع حلول الجمهورية السوفيتية الدولية، ستنتقل الجماهير اليهودية في كل بلد إلى العمل المنتج ولن يكونوا مجبرين على الهجرة [...] فبرنامج فلسطين هو بقايا المفاهيم الشوفينية القديمة”5. ولكن في عام 1934، ظهرت “فلسطين يهودية” على بعد 6000 كيلومتر من موسكو، في بيروبيجان، في تخوم الصين. وصرح آنذاك الرئيس السوفيتي ميخائيل كالينين: “للبروليتاريين اليهود وطنهم، وهو الاتحاد السوفياتي، ودولة قومية خاصة بهم”.
هل هو اعتراف بالفشل؟ لم تنجح لا المساواة القانونية ولا الحظر الرسمي للعنصرية ولا حتى الاندماج الاجتماعي في اقتلاع جذور معاداة السامية، فهي عريقة وموجودة حتى في الحزب البلشفي. يلاحظ إسحاق دويتشر: “الشيوعي الذي لا ينظر أبعد من طرف أنفه غالبًا ما كان ينظر إلى اليهود على أنهم آخر الناجين من الرأسمالية الحضرية، بينما كان المناهضون للشيوعية يعتبرونهم أعضاء مؤثرين في التسلسل الهرمي الحاكم”6.
فضلا عن ذلك، ضاعفت اليبسكتسيا، الفرع الشيوعي اليهودي، من التجاوزات تحت ذريعة محاربة الصهيونية والدين. ودخل قمع الدولة من الثغرة. لم تمنع الخرجات المعادية لليهود في “محاكمات موسكو” (من 1936 إلى 1938) ستالين من وصف معاداة السامية بشكل خبيث على أنها من “بقايا الممارسات البربرية لآكلي لحوم البشر” وعلى أنها بالتالي “ظاهرة معادية بشدة للنظام السوفيتي”7.
لن تفاجئ تعرجات موسكو بين يهود فلسطين والاتحاد السوفيتي في سنوات 1940-1950 إلا أولئك الذين يهملون هذه الحقيقة الأساسية الأخرى: السياسة الخارجية السوفيتية لا تخضع للأيديولوجيا بل لمصالح دولة الاتحاد السوفيتي، كما كان يراها ستالين في هذه الفترة الانتقالية بين التحالف الكبير المناهض للنازية والحرب الباردة. تبقى هيلين كارير دانكوس الوحيدة التي ما زالت تؤمن بأن “الأب الصغير للشعوب” كان يأمل في أن تنضم الدولة اليهودية إلى المعسكر الشيوعي.
أسلحة إلى الجماعات الصهيونية
في وقت مبكر من أغسطس/آب 1948، لاحظ ستالين كيف رحب ديفيد بن غوريون، مؤسس إسرائيل ورئيس وزرائها، بالسفير الأمريكي الأول، جيمس جروفر ماكدونالد: “إسرائيل ترحب بالدعم الروسي للأمم المتحدة، لكنها لن تقبل هيمنة سوفيتية. إسرائيل ليست غربية في توجهها فقط، بل شعبنا ديمقراطي ويدرك أنه لا يمكن أن يصبح قويًا وأن يبقى حرا إلا من خلال التعاون مع الولايات المتحدة”8. بعد خمسة أشهر من ذلك، في الانتخابات الأولى، تحصل الماكي (الحزب الشيوعي الإسرائيلي) والمابام (الصهيوني اليساري) - اللذان تحلم موسكو بتوحيدهما - على 3.5 و15٪ فقط من الأصوات …
لذلك لم تكن لدى موسكو أوهام وهي تقدم دعمها للقوات المسلحة الصهيونية التي تقاتل من أجل دولة يهودية كبيرة و“متجانسة” قدر الإمكان - أي “مطهرة” من عربها. كان الاتحاد السوفيتي، في رؤية جيوستراتيجية بشكل أساسي، يعتمد عليهم لطرد المملكة المتحدة من فلسطين - وما وراء ذلك من الشرق الأوسط -؛ مملكة أنهكتها الحرب وأصبحت غير قادرة على الاحتفاظ بـ 100 ألف رجل هناك، وهي تواجه فضلا عن ذلك الإرهاب الصهيوني.
سطر الأمريكيون نفس الهدف لأنفسهم، مع فارق أنهم كانوا يريدون - وتمكنوا من ذلك في نهاية المطاف- استخلاف البريطانيين. كان هناك تقارب وتنافس: في عام 1947 بدأت الحرب الباردة، والتي سيعطي إشارتها “انقلاب براغ” في فبراير/شباط 1948. كان الحليفان السابقان والخصمان في المستقبل يقاتلان من أجل منطقة حاسمة، هي طريق اتصال بين ثلاث قارات، تحتوي على أكبر احتياطي نفطي في العالم وتمثل الحزام الجنوبي “للمعسكر الاشتراكي”.
تدين المعرفة كثيرا بخصوص دعم موسكو المتعدد الأوجه للقادة الصهاينة إلى الغوص الرائد الذي قام به لوران روكر في الأرشيف السوفيتي لغرض كتابه “ستالين، اليهود وإسرائيل”. ويرى بأن الدعم السوفيتي تأكد فورا على المستوى الدبلوماسي. قدم الاتحاد السوفياتي مع “الديمقراطيات الشعبية” - باستثناء يوغوسلافيا - مساهمة حاسمة، في 29 نوفمبر/تشرين الثاني 1947، في توفير أغلبية الثلثين المطلوبة للمصادقة على خطة التقسيم. وقد تمسك غروميكو بحزم بهذا الموقف حتى عندما بدت واشنطن، في ربيع عام 1948، أنها تفضل الإشراف الدولي على فلسطين: “الطريقة الوحيدة للحد من حمام الدم هي الإنشاء السريع والفعلي لدولتين في فلسطين”9.
وقف الاتحاد السوفيتي، وهو أول دولة تعترف قانونًا بإسرائيل، إلى جانبها ضد التدخلات العسكرية العربية. وكانت إذاعتها تشيد بالجندي الاسرائيلي “الذي هو على قناعة تامة بأنه يقاتل من أجل قضية عادلة، من أجل حماية حقوقه، ضد العرب الذين هم دمى للإمبريالية البريطانية”. كما ساندت موسكو تل أبيب في مواجهة الضغوط الدولية لصالح خطة الوسيط فولك برنادوت (الذي اغتيل في 17 سبتمبر /أيلول 1948 من قبل مجموعة “ليحي” الصهيونية)، ثم في قضية اللاجئين الفلسطينيين. وقد ذهب ممثلها إلى درجة عدم التصويت على القرار 194 الذي يقر “حق العودة للاجئين الفلسطينيين”. ولم يظهر الاختلاف الأول إلا في ديسمبر/كانون الأول 1949، وكان موضوعه تدويل مدينة القدس.
فضلا عن طابعه الدبلوماسي كان الالتزام السوفيتي يتم تقديمه على أنه سياسي: لقد فرض الكرملين خيار التقسيم على الحركة الشيوعية، حتى وإن أدى ذلك إلى تقسيم الشيوعيين الفلسطينيين والأحزاب الشيوعية العربية. ولكنه قام على الخصوص، منذ نهاية مارس/آذار 1948، بتسليم عبر براغ كميات كبيرة من الأسلحة، بما في ذلك الدبابات والطائرات، إلى الهاغانا. وقد تم فتح جسر جوي بين مدينة زاتيك وإسرائيل.
يقدر روكر أن القوات اليهودية تحصلت بالمجموع على ما يقرب 22 مليون دولار من الأسلحة. والذي اعترف دافيد بن غوريون فيما بعد بأنها “أنقذت البلاد [...]. أشك كثيرًا في أننا كنا سنتمكن من البقاء من دونها خلال الأشهر الأولى”10. بناءً على اقتراح ميكونوس، سكرتير الحزب الشيوعي الإسرائيلي، والذي تمت المصادقة عليه في القمة من طرف رئيس الوزراء الإسرائيلي، بن غوريون، والرقم الأول السوفياتي المستقبلي مالينكوف، وصلت كتيبة من 2000 متطوع في ديسمبر/كانون الأول 1948 من براغ إلى إسرائيل وقد تم تشتيتها وتوزيع عناصرها في جيش الدفاع الإسرائيلي.
سلط روكر الضوء على بُعد حاسم آخر لمساعدة موسكو، والذي تمثل في دفع “الديمقراطيات الشعبية” إلى السماح “ليهودها” بالذهاب لتقديم يد المساعدة إلى “إخوانهم” في فلسطين. وقد كتب: “وصل حوالي 200 ألف يهودي من أوروبا الشرقية مباشرة [...] بين عامي 1948 و1951، أي ما يمثل ثلث الهجرة إلى إسرائيل”. باختصار، باستخدام عبارته، قدم ستالين ليهود فلسطين أكثر ما يحتاجون إليه: “الرجال والأسلحة”. ومن المفارقات، أنه في الوقت نفسه أطلق العنان لقمع شرس ضد يهود الاتحاد السوفيتي، والذي لم يوقفه إلا موته في 5 مارس/آذار 1953.
موجة معادية للسامية
بالنسبة إلى غييوم ريبوت، صاحب الفيلم الوثائقي “حياة ومصير الكتاب الأسود” (Vie et destin du “Livre noir” الذي تم بثه في قناة فرنسا 5 يوم 13 ديسمبر/كانون الأول 2020)، فإن معاداة ستالين للسامية هي التي تفسر هذا التناقض. عندما كان مراهقًا التحق بمدرسة تيفليس الأرثوذكسية، وبقي متأثرا بلا شك برسوخ الأحكام المسبقة المعادية لليهود في الإمبراطورية القيصرية. في وقت مبكر من الثلاثينيات، ما انفك المدعي العام أندريه فيشينسكي يصر على يهودية العديد من القادة المعارضين للمرشد (الفويد-Vojd). لكن معاداة السامية الشعبية، حتى وإن تم استغلالها من طرف هذا الأخير، لا يمكن أن تكون السبب الوحيد لقمع سنوات 1947-1953.
لفهم هذا، يجب العودة إلى عام 1942، العام الذي تم فيه تشكيل اللجنة اليهودية المناهضة للفاشية بمبادرة من المكتب السياسي. أراد ستالين تنظيم الدعم مع قتال الاتحاد السوفيتي ضد النازية وتقديم المساعدة لليهود الذين كانوا ضحايا الإبادة الجماعية النازية. بناءً على اقتراح من ألبرت أينشتاين، قام اثنان من قادتها الرئيسيين، الممثل سولومون ميخويلز والشاعر إسحاق فيفر، بجولة ناجحة في الولايات المتحدة في عام 1943: وقد أعادوا تحسين صورة الاتحاد السوفيتي هناك وجمعوا مبالغ كبيرة من المال.
بموافقة قيادة الكرملين، قررت اللجنة اليهودية المناهضة للفاشية في صيف عام 1943 إعداد “كتاب أسود” حول إبادة اليهود في الاتحاد السوفيتي المحتل. بين الغزو الهتلري في 22 يونيو/حزيران 1941 ورحيل آخر جندي ألماني في عام 1944، تمت إبادة ما يقرب من مليوني يهودي، ابتداء من المذابح “العفوية” إلى شاحنات الغاز مرورا بإطلاق النار الجماعي. يحدد المؤرخون في صيف عام 1941 الانتقال من المجزرة إلى الإبادة الجماعية: عندما بدأت “الأينزاتسغروبن” (مجموعات القتل المتنقلة) في تصفية النساء والأطفال …
وكون الكاتبين المشهورين، إيليا أورينبورغ وفاسيلي غروسمان، تكفلا بتنسيق البحث أعطى صدى كبير للكتاب الأسود الذي كان ينتظر منه التأكيد على خصوصية الإبادة اليهودية في جرائم النازية والمتعاونين معها من السكان الأصليين. وهي أبعاد كانت لا ترتاح لها القيادة الشيوعية التي ترغب في إبراز بطولة ووحدة الشعوب السوفيتية. أصبح الكتاب الأسود مقياسا لسياسة ستالين تجاه اليهود - حتى عام 1947، عندما تم حظره. في غضون ذلك، تصاعدت حملة القمع المعادية للسامية. تضاعفت في عام 1946 التقارير المعادية “للقومية البرجوازية” التي ظهرت في عام 1943. في ذلك العام، أطلق أندريه جدانوف، “إيديولوجي” المكتب السياسي، حملة واسعة النطاق “مناهضة للعالمية” (مناهضة الكوسموبوليتية).
قضية “المآزر البيض”
بدأ الهجوم الأخير في 13 يناير/كانون الثاني 1948 باغتيال سليمان ميخويلس. بعد عشرة أشهر، قام المكتب السياسي رسميًا بحل اللجنة اليهودية المناهضة للفاشية وأغلق جريدتها ومجلتها. في 28 يناير/كانون الثاني 1949، نشرت جريدة “برافدا” مقالاً يدين “الكوسموبوليتانية الجامحين والخبثاء، هؤلاء الانتهازيون بلا جذور ولا ضمير [...] مواطنون غير أصيلين وبدون وطن يسممون ثقافتنا البروليتارية برائحتهم النتنة [...]”. اجتاحت حينها موجة من الاعتقالات والتعذيب.
استمر التصعيد مع المحاكمة (السرية) للجنة اليهودية المناهضة للفاشية من مايو/أيار إلى يوليو/تموز 1952: تم إعدام ثلاثة عشر من قادتها - باستثناء الباحثة ليزا ستيرن. تبع ذلك اعتقال العديد من الكتاب اليهود، وإغلاق الصحف والمسارح اليديشية، وسحب كتب مؤلفين يهود من المكتبات ... في الأول من كانون الأول (ديسمبر)، صرح ستالين في اجتماع المكتب السياسي: “كل قومي يهودي هو عميل للمخابرات الأمريكية”. تصاعدت عملية “التطهير” حتى قضية “المآزر البيض”، هؤلاء الأطباء اليهود المتهمين بالتآمر لاغتيال ستالين. حسب مؤرخين روس لسنوات التسعينيات يكون وحده موت ستالين هو الذي منع الترحيل الجماعي إلى سيبيريا.
يبقى هناك لغز في هذه الفجوة الكبيرة بين مساعدة اليهود في فلسطين وقمع يهود الاتحاد السوفياتي: هل اعتقد ستالين بأنه يستطيع الفصل بين السياسات الخارجية والداخلية؟ كان هوس النظام منذ الثلاثينيات: الحفاظ على الطابع الهرمي للسلطة. هاجسه: منع أي أقلية من التمكن من استقلاليتها. وبصفة أكبر إن كانوا يهودا لأن تأثير اللجنة اليهودية المناهضة للفاشية داخل الاتحاد السوفياتي كما في الغرب يقلق الكرملين. فبعد أن كانت أداة، تحولت اللجنة تدريجيا إلى تهديد، خاصةً عندما تتجرأ على المطالبة بإنشاء جمهورية يهودية في القرم وليس في بيروبيدجان البعيدة.
كانت نقطة التحول في يوم 11 سبتمبر /أيلول 1948، إذ احتفل 20 ألف يهودي موسكو في -بدلاً من الألفي مصلي المعتاد- بأول سفيرة لإسرائيل، جولدا مائير، في الكنيس الكبير. تكررت هذه التعبئة في رُوش هَاشَنَاه (رأس السنة اليهودية) وفي كيبور (يوم الغفران). في غضون ذلك، في جريدة البرافدا ليوم 21 سبتمبر /أيلول، حذر أشهر المثقفين اليهود، إيليا أورينبورغ الذي كان يتوقع الأسوأ، “إخوانه”: “إن مستقبل العمال اليهود في جميع البلدان مرتبط بمستقبل الاشتراكية. يهود الاتحاد السوفيتي، جنبا إلى جنب مع كل الشعب السوفيتي، يعملون على بناء وطنهم الاشتراكي. إنهم لا ينظرون إلى الشرق الأوسط - هم ينظرون فقط إلى المستقبل”. قدم ستالين عبرة استعراضية: زوجة وزير خارجيته فياتشيسلاف مولوتوف، التي كانت تتحدث باللغة اليديشية مع ممثل إسرائيل في حفل استقبال رسمي، أُجبرت على الطلاق، ثم تم القبض عليها وترحيلها في الأخير.
وجد القمع ضد اليهود أصداءً حتى في “الديمقراطيات الشعبية”. تشهد على ذلك المحاكمات المتزايدة هناك، من بودابست (1949) إلى براغ (1952)، ضد قادة شيوعيين، غالبًا يهودا ويشار إليهم بنعت “الصهاينة”: تشتبه فيهم موسكو، بعد الانشقاق اليوغسلافي، بالسعي إلى الاستقلال. على هامش محاكمة سلانسكي ستتم أيضا محاكمة مردخاي أورين، زعيم هاشومر هاتزاير (صهيوني يساري) ومنظمين آخرين لعمليات بيع الأسلحة لإسرائيل.
لم تدم الفجوة الكبيرة أكثر. كلما زاد ارتباط إسرائيل بالغرب، خاصة خلال الحرب الكورية، كلما تدهورت العلاقات مع موسكو. في 12 فبراير/شباط 1953، حصلت القطيعة بعد هجوم على المفوضية السوفيتية. ثلاثة أسابيع بعد ذلك توفي ستالين.
سرعان ما نظر السوفييت إلى العالم العربي لجني ثمار انهيار النفوذ البريطاني: الثورات التي أطاحت بالملوك الموالين لبريطانيا في مصر (1952) والعراق (1958) جلبت إلى السلطة قادة كان “يتجاهلهم” الغرب"، تحالفوا لبعض الوقت مع الاتحاد السوفيتي. في عام 1971، غادر آخر جندي بريطاني الخليج العربي.
1تم ذكره في كتاب آلان غريش ودومينيك فيدال،“فلسطين 1947: تقسيم مجهض”، دار نشر أندريه فرساي، بروكسل، 2008، ص. 90.
2أرنولد كرامر “السياسة السوفيتية بشأن فلسطين. 1947-1948”، مجلة الدراسات الفلسطينية، المجلد الثاني، رقم 2، شتاء 1973، ص. .109
3أرنولد كرامر “السياسة السوفيتية بشأن فلسطين. 1947-1948”، مجلة الدراسات الفلسطينية، المجلد الثاني، رقم 2، شتاء 1973، ص. .109
4فلاديمير ألييتش لينين،”الأعمال الكاملة"، دار التقدم- موسكو 1971، المجلد السابع، ص. 98 إلى 100.
5هنري سلوفز، الدولة اليهودية في الاتحاد السوفيتي، Henri Sloves, L’État juif de l’Union soviétique, Presses d’aujourd’hui, 1982 ; p. 50 et 51.
6إسحاق دويتشر، ستالين Isaac Deutscher, Staline, Penguin Books, Londres, 1966 ; p. 589.
7لا برافدا، 30 نوفمبر/تشرين الثاني 1936.
8أرنولد كرامر، مرجع مذكور سابقا.
9ياكوف روي، صنع القرار السوفياتي في الممارسة العملية. اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية وإسرائيل 1947- Yaacov Ro’i, Soviet Decision Making in Practice. The USSR and Israel 1947-1954, Transaction Books, New Brunswick ; p. 119.
10أوري بيالر، بين الشرق والغرب: توجه السياسة الخارجية الإسرائيلية 1948-1956 - Uri Bialer, Between East and West : Israel’s Foreign Policy Orientation 1948-1956, Cambridge University Press, 1990.