اليمن

ما وراء هجوم الطائرات المسيرة الحوثية على أبو ظبي

يتعرض اليمن منذ ديسمبر/ كانون الأول 2021 لضربات جوية مكثفة تقودها الإمارات العربية المتحدة. رداً على ذلك، استهدف المتمردون الحوثيون لأول مرة أبو ظبي، بطائرات بدون طيار. لكن يبدو الآن أن بؤرة الصراع بين الإماراتيين والحوثيين تدور في شبوة، بجنوب اليمن.

حيدبو، المدينة الرئيسية لأرخبيل سقطرى.
كانتان مولر.

في صبيحة يوم 17 يناير/كانون الثاني 2022، أصيبت الإمارات العربية المتحدة في عقر دارها، في أبو ظبي، من خلال هجمات بطائرات بدون طيار وصواريخ بالستية. تصاعد دخان كثيف من منطقة مُصَفَّح الصناعية، بعد إصابة ثلاث شاحنات الصهريج في مصفاة تابعة لشركة بترول أبو ظبي الوطنية. قُتل في الانفجار عاملان هنديان، هارديب سينغ وهارديف سينغ، وباكستاني، مأمور خان، كما أصيب ستة آخرون بجروح. هذه أول عملية من نوعها ضد الإمارات العربية المتحدة. صحيح أن البلاد شهدت في يوليو/تموز 2018 ثم في مايو/أيار 2019 هجمات بطائرات بدون طيار من المرجح أن تكون قد شُنت من طرف الحوثيين من اليمن، لكن تلك العمليات لم تسفر عن ضحايا. وكانت أبو ظبي آنذاك قد بدأت في سحب قواتها المتمركزة بشكل أساسي في جنوب اليمن.

منذ ذلك الحين، تشن الإمارات كل ليلة، من خلال التحالف الذي تقوده الرياض في اليمن، ضربات على العاصمة صنعاء أو على صعدة، معقل المتمردين الحوثيين. وفي بداية فبراير/شباط، بينما كان الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ يقوم بزيارة تاريخية إلى الإمارات غداة تطبيع العلاقات بين البلدين، أعلن يحيى سارية، المتحدث باسم جماعة الحوثي، عن عملية واسعة النطاق. ثم أعلن بعدها الحوثيون عن استهداف غرفة عمليات إماراتية تقع في مديرية عسيلان، بمحافظة شبوة جنوب اليمن، بصاروخ بالستي. وقد أكّدوا أن “هذا الهجوم الدقيق قتل وجرح الكثير من الأعداء، ومن بينهم إماراتيون”. لم تؤكد أبو ظبي هذه المعلومات، لكنها تؤيّد أمرا واحدا، وهو أن تجدد النشاط الإماراتي في اليمن يجعل هذه القوة الخليجية مستهدفة من قبل المتمردين.

رهان شبوة

على الرغم من وجودها ضمن التحالف إلى جانب المملكة العربية السعودية منذ عام 2015، فإن الحرب في اليمن لم تمس أبدًا أمن الإمارات العربية المتحدة الداخلي، على خلاف حليفتها الكبرى. هذا التصعيد بين الحوثيين والإماراتيين هو في الواقع نتيجة لتسلسل أحداث سياسية وعسكرية في محافظة شبوة. إذ تخضع هذه المنطقة، الغنية باحتياطيات الغاز والنفط لمراقبة مشددة من طرف الإمارات العربية المتحدة منذ أن استعادت القبائل المحلية المدعومة من التحالف سنة 2015 السيطرة عليها. عملت أبو ظبي في شبوة كما في محافظات أخرى في جنوب اليمن على تدريب وتسليح عدد كبير من المتطوعين المحليين. ويصل عددهم بالآلاف في لواء أعيدت تسميته مؤخرًا “قوات دفاع شبوة”. وكانت الإمارات إلى غاية يوليو/تموز 2021 لا تزال تدفع رواتب 7000 منهم، معظمهم من قبائل الساحل، وهي قبائل فقيرة ولا تتمتع كغيرها بعلاقات تاريخية مع المملكة العربية السعودية. كما أقامت أبو ظبي قاعدتين عسكريتين سنة 2015 شمال عتق وداخل منشآت بلحاف التي يفترض أن تصدر الغاز المسال، وهي منشأة تعدّ فيها شركة “توتال إينرجي” الفرنسية العملاقة المساهم الرئيسي، بما يقارب 40% من رأس المال.

بعد إبعاد الحوثيين عن المحافظة، كان الهدف المعلن للإمارات محاربة تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، ولكنها كانت تسعى على الخصوص إلى ترسيخ نفوذها السياسي في جنوب اليمن. ومن خلال تسليحهم وتمويلهم للحركات السياسية أو العسكرية، بما في ذلك المجلس الانتقالي الجنوبي، يأمل الإماراتيون وضع يدهم الخفية على العديد من الموانئ الاستراتيجية المطلة على بحر العرب وخليج عدن، كالمكلا وبلحاف وعدن وسقطرى. ولم يؤد بروز المجلس الانتقالي الجنوبي في مايو/أيار 2017 وانقلابه في صائفة 2019 عندما غزا عدن وطرد قوات الحكومة المركزية سوى إلى تأكيد هذه الأجندة الخفية، مما خلق توترات مع العربية السعودية.

قطر تترصد

منذ سنوات ما انفك تأثير المجلس الانتقالي الجنوبي في المحافظات الجنوبية يزداد. واليوم، وعلى الرغم من اتفاقيات الرياض في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، والتي يفترض أنها تضمن تقاسم السلطة وتوافقا مع حكومة عبد ربه منصور هادي، يقوم الانفصاليون بانتظام بأعمال تكون أحيانا عنيفة، للضغط على المحافظات أو الاستيلاء على السلطة. يحدث ذلك منذ سنة 2019 في مناطق المهرة وحضرموت وأبين، أي بشبوة. وفي عاصمتها عتق، اندلعت معارك ضارية بين القوات الموالية للحكومة ومحافظها محمد بن عديو (المنتمي إلى حزب الإصلاح الإخواني)، وتلك التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي والممولة من قبل الإمارات.

واجهت القوات الحكومية بعد انتصارها في هذه الاشتباكات العديد من المظاهرات نظمتها الحركة الانفصالية الجنوبية. وهي تجمعات تطعن في شرعية المحافظ المتهم بالفساد والاستبداد. وقد زاد قمع النشطاء الموالين للمجلس الانتقالي الجنوبي وأنصار الإمارات إلى زيادة التوتر في منطقة شبوة.

محمد بن عديو مدعوم من طرف القبائل الداخلية، وقد انتقد لمدة طويلة الوجود العسكري الإماراتي، واصفا إياه بالعدو، مثله مثل المتمردين. بالموازاة مع ذلك، دعمت قطر الدوائر السياسية المقربة من المحافظ دون الدخول في اتصال مباشر معه حتى لا تُضعف علاقتها بالسعودية، وبالتالي تُقوي الإمارات في المنطقة. كما يبدو أن الدوحة موّلت زعماء بعض القبائل حتى لا ينخرطوا في الحرب ضد الحوثيين، لتَحُدّ بذلك من النفوذ الإماراتي.

وهكذا بات القتال العنيف بين القوات الأمنية الموالية للحكومة وتلك التي تموّلها الإمارات ـالتابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي ـ ذا أولوية، على حساب قتال الحوثيين، مما حوّل أبو ظبي عن هدفها الأول (المفترض)، بل وجنّبها عمليات الانتقام المستمرة من طرف المتمردين الزيديين. يفسّر هذا الانقسام الكبير بين القوات المحلية نجاح هجوم الحوثيين في سبتمبر/ أيلول 2021 للاستيلاء على شبوة قصد محاصرة مأرب من الجنوب. وقد اتُهم محمد بن عديو آنذاك بتقديم النزاعات السياسية بين الإصلاح والمجلس الانتقالي الجنوبي على الحرب ضد الحوثيين. وقد ضعف موقفه بعد سقوط مديريات الشمال الثلاثة عسيلان وبيحان وعين بيد الحوثيين.

الإمارات تحتضن “كتائب العمالقة”

شكّل غزو شمال شبوة في نهاية 2021 من طرف المتمردين وتقدّمهم السريع في جنوب مأرب خطّاً أحمر يهدد مصالح الإمارات العربية المتحدة في جنوب اليمن. وعليه قرّر القادة الإماراتيون الذين كانوا حتى ذلك الحين أكثر انشغالا بتعزيز نفوذهم، شن هجوم على الحوثيين. وقد سهّل هذه المرة تلاقي المصالح بين أبو ظبي والرياض صدّ الحوثيين. وتم استبدال المحافظ بن عديو، الذي كان تحت الضغط منذ هزائمه العسكرية، بشخصية أقل إثارة للانقسامات وأكثر ولاء للإمارات، وهي عوض بن الوزير العولقي. يؤكد المحافظ الجديد: “التحالف شريك أساسي في هذه المعركة، والإمارات العربية المتحدة جزء منه، لذا فوجودهم العسكري في شبوة أمر طبيعي. كما تربطنا بهم علاقات أخوية وتعاون منذ الأزل. وتعدّ زيارة الشيخ زايد على الخصوص شهادة على هذا التفاهم الكبير”. وهكذا تمت إقامة تعاون بين قوات التحالف وتلك التي تدعمها الإمارات، ودخلت أبو ظبي بصفة غير مباشرة في حرب ضد المتمردين الحوثيين، وهي سابقة منذ انسحابها في 2019.

قامت أبو ظبي بإعادة نشر “كتائب العمالقة” لإطلاق عملية “إعصار الجنوب”، وكانت هذه المجموعة حتى وقت قريب متمركزة على الساحل الغربي للحديدة، في محافظة شبوة، دون مهمّة. كانت هذه الحركة التكتيكية مستحيلة تحت حكم محمد بن عديو. وقد تم بالفعل تكوين وتمويل وتسليح اللواء المتشكل من 30 ألف فرد من طرف الإمارات العربية المتحدة منذ 2015، ما يؤكّده أصيل السقلدي، مدير اتصال “كتائب العمالقة”: “قدّمت الإمارات العربية المتحدة دعما كبيرا لكتائب العمالقة منذ تأسيسها في مجال التكوين والتسليح والدعم اللوجيستي والمعدات. وكونها تعمل ضمن التحالف العربي، يجعلها تدعم أيضا بشكل مباشر كتائب العمالقة على خطوط الجبهة”. هذا اللواء قريب أيضا سياسيا من المجلس الانتقالي الجنوبي، وهو يتشكل من قادة سلفيين طردهم الحوثيون من صعدة في 2014، ومن أعضاء قبائل جاءت من يافع ومن مقاومي تهامة، أو من جنود أتوا من الجنوب الغربي.

في ديسمبر/كانون الأول ويناير/كانون الثاني، استعاد تحالف المقاومين هذا السيطرة على المديريات الثلاث التي سقطت في شمال شبوة، وتم طرد الحوثيين حتى مديرية حريب، وهي ثاني أكبر مديرية بمحافظة مأرب وتقع على بعد 90 كلم جنوب مدينة مأرب. كان ذلك بمثابة متنفس للقوات المناهضة للمتمردين، وهو نجاح إماراتي ليس ببعيد عن رحيل محمد بن عديو، كما يعتقد عوض بن الوزير العولقي: “هل سهَّل تعييني القتال ضد الحوثيين؟ أعتقد أن ما يحدث الآن هو جواب واف على سؤالكم”.

على الرغم من انسحاب كتائب العمالقة بعد انتصاراتهم، يلمّح أصيل السقلدي إلى أن هجمات أخرى قد تقع في المستقبل: “لدى أبطال كتائب العمالقة الإرادة والعزم على تحرير البلاد من هذه الميليشيات المظلمة (أي الحوثيون) وبالتالي لا شيء مستحيل، وإذا كانت هناك عقبات فسنتغلب عليها”.

على الرغم من هجمات كبيرة منذ سبتمبر/أيلول 2021 ومكاسب إقليمية جنوب مأرب والبيضاء وشبوة، فقد المتمردون الزيديون الكثير من المقاتلين، وكان لذلك أثر عليهم على ما يبدو. فعدم قدرتهم على إبقاء سيطرتهم على قطاعات رئيسية تم كسبها قبل أشهر أجبر الهيئات العليا للحركة على محاولة ترهيب أبو ظبي باستخدام طائرات بدون طيار وصواريخ بالستية. هذا على الأقل ما يعتقده المحافظ عوض بن الوزير العولقي: “مثل هذا الهجوم على حليفنا الإماراتي هو رد منطقي على انتصاراتنا هنا”. وقد أعلنت الولايات المتحدة وفرنسا فعليا دعمهما للدفاع الجوي الإماراتي. الأمر الذي يزيد في تدويل الصراع وتصعيده.