قلقٌ في المستعمرة. صراع إسرائيل الداخليّ من وجهة نظر فلسطينيّة

لم يفتأ عدد المتظاهرين ضد التعديل القضائي بتل أبيب يتفاقم منذ يناير/كانون الثاني 2023. فئة قليلة منهم فقط تعارض سياسة الاستيطان في الأراضي المحتلّة، وتبقى الأغلبية غير معنية بالسياسة التي تنتهجها الحكومة اليمينية المتطرفة الحالية ضد الفلسطينيين. مجد كيال كاتب فلسطيني من حيفا يقدّم هنا وجهة نظر فلسطينية حول هذه الحركة الاحتجاجية.

تل أبيب، 27 مارس/آذار 2023. مظاهرة ضد مشروع التعديل القضائي.
Gil Cohen-Magen/AFP

بلغت الاحتجاجات لأجل الديمقراطيّة الإسرائيليّة ذروة الذروات: دفاعًا عن حريّتهم وحقوقهم المدنيّة، يهدّد آلاف الإسرائيليّين بالإضراب عن ارتكاب جرائم الحرب.

تتنظّم قيادات المدفعيّة وضباط المخابرات العامّة، أبطال الموساد الخارقون وقدّيسو سلاح الجو، ويعلنون أنّهم لن يؤدّوا “واجباتهم العسكريّة” – المعروفة أيضًا بروتين الإعدامات الميدانيّة والعقوبات الجماعيّة وقصف التجمعات السكنيّة وإدارة يوميّات حصار غزّة وغيرها – إذا ما تمسّكت حكومة نتنياهو بباقة التعديلات القضائيّة التي تمنح الأغلبيّة الحاكمة صلاحيّات تشريعيّة واسعة، وتقزّم رقابة المحكمة العليا وتحجّم مهامها الدستوريّة. عمليّة تراكمت وتصاعدت حتّى خروج وزير الأمن يوآف غالانت، الجنرال المسؤول عن المجازر في غزّة عام 2009، ليعارض التشريعات ويعتبرها خطرًا على تماسك جيش الاحتلال، مما دفع نتنياهو لإقالته، قبل أن يعتزم الأخير تعليق خطّة التعديلات القضائية، دون التنازل عنها.

جرائم حرب “ديمقراطية”

460 رجل مخابرات عامّة وقّعوا رسالة وُجّهت لآفي ديختر، رئيس الشاباك السابق، المسؤول المباشر عن كل جرائم المخابرات إبان الانتفاضة الثانية، والذي صار وزيرًا في الحكومة الحاليّة. ناشدته الرسالة ألّا يساند “خطوات تهدّد الأسس الديمقراطيّة لإسرائيل”. في محاولةٍ لاستعطافه وملامسة قلبه المرهف، توجّهت إليه الرسالة بكنيته المستعرِبة- “أبو نبيل”- التي اشتهر بها خلال مسيرته الطويلة في ترهيب وتعذيب الفلسطينيّين.

جوًّا، تساءل القائد السابق لسلاح الجو بحزنٍ عبر التلفزيون1: “إذا كان الشرخ السياسيّ بين الطيّارين عميقًا إلى هذا الحد، فكيف سيتعاونون في قُمرة قيادة واحدة في طريقهم لقصف إيران؟” وبرًّا، صعّد مخضرمو سلاح المدرّعات احتجاجهم حين سرقوا رمزًا من رموز الحريّة الإسرائيليّة – دبّابة – ونقلوها في مسيرةٍ احتجاجيّة، بعد أن كتبوا عليها كلمة “ديمقراطية”.

جريدة “هآرتس” مثلًا، ملكة جمال اليسار الإسرائيليّ، تقدّم تقريرًا مطوّلًا يجمع شهادات من “طيّارين وقيادات عسكريّة”2 حول رفضهم “للانقلاب القضائيّ”. يبدأ المقال بمقابلةٍ مع طبيبٍ عسكريّ في جيش الاحتلال يقول فيها:

خدمنا تحت حكومات اليمين لعقود، نفّذنا بأمرتهم خطوات غير قانونيّة إطلاقًا. استخدمنا سيّارات الإسعاف لتدعيم محاور عسكريّة وتعزيز الحواجز. أخفينا شارة الإسعاف عن مركباتنا حتّى لا يرى ذلك أحد، لأنّنا كنّا نعرف جيّدًا ما نفعله، ولم نعترض، لم نرفض الأوامر، كنّا نعرف أننا نخدم دولة ديمقراطيّة...

أما طيّار آخر، في المقابلة ذاتها، يقول:

عندما طُلب منّا أن ننفّذ غارات بالمنطقة الرماديّة، على حافّة السوداء، خاصةً في هجماتنا في غزّة، فقد كنّا نفعل ذلك باسم حكومة تعمل ضمن قوانين اللعبة المعرّفة والواضحة، هذه تعليمات المنظومة وأنت كامل معها.

وهكذا، تستمر مقابلات “هآرتس”، تعدّ جرائم الحرب وتبرّرها “بالعقد الديمقراطيّ” الذي تُنفذ باسمه، وتُهددنا بخطورة انهياره. “لا يُمكن وصف هذه الشهادات، إلا بأنّها تكسر القلب...” يقول محرّرو “هآرتس” في عنوانهم الفرعيّ للتقرير. تكسر القلب...

الآباء المؤسّسون: تانغو الجيش والمحكمة

في إسرائيل اليوم قطبان يتناحران على ما يُسمّى “شكل الدولة”، أي شكل إدارة المنظومة الاستعماريّة الصهيونيّة. ما هي الآليات المتّبعة لتخطيط وتنفيذ قمع الفلسطينيين وتدميرهم؟ من هي الطبقة الاجتماعيّة والأيديولوجيّة التي تحكم سير العمليّة الاستعماريّة؟ وكيف تُقسّم الموارد المسروقة من حياة وأرض وماء ومال الفلسطينيين؟

القُطب الأوّل قديم. أشكنازيّ أوروبيّ، هيمنته العميقة في المنظومة تنبع من أسبقيّته. هؤلاء المستعمرون الأوائل، نظروا للمشروع وأسسوه، ونفّذوا بأيديهم عمليّة التطهير العرقيّ الكبرى في نكبة 1948. ثم تقاسموا الأراضي والأملاك والموارد المنهوبة. طبقة اجتماعيّة متماسكة، أحفادها طيّارون يقصفون غزّة، آبائهم قضاة أو محاضرون في الجامعات، وأجدادهم متقاعدون يجلسون في بيوتهم الواسعة على أراضي فلسطينيّة مسروقة، ويتحدّثون بأريحيّة (أمام كاميرا مخرج سينمائيّ... أشكنازيّ هو الآخر) عن مجازر ارتكبوها بدمٍ باردٍ في الطنطورة أو كفر قاسم.

فعلوا كل هذا انطلاقًا من وعي استعماريّ، أوروبيّ وعلمانيّ كلاسيكيّ؛ إيمان بالتفوّق العرقيّ والمعرفيّ والحضاريّ على أهل البلاد، وسعي لبناء منظومة “حديثة”، موضوعيّة وعلمانيّة، بل واشتراكيّة في بدايتها، فيها تداول ديمقراطيّ للحكم وفصل للسلطات. وأهم ما فيها أن تعتمد على بنية قانونيّة ولغة سياسيّة رسميّة “نظيفة” متمكّنة من قاموس القانون الدوليّ، قادرة على تبييض الجرائم، وبالتالي تبييض دعم الدول الغربيّة للمشروع الاستعماري في فلسطين، دوليًا وعسكريًا.

سيطر هؤلاء على كل مفاصل المنظومة. شكّلوا الحزب الحاكم “ماباي”، تحكّموا بالصندوق القوميّ ودائرة أراضي إسرائيل، احتكروا السواد الأعظم من الموارد، وهيمنوا في مؤسسات تصمم الوعي، من الأكاديميا إلى الإعلام، وطوّروا قوّتهم الاقتصاديّة والتكنولوجيّة أيضًا. أتى كل هذا على حساب موارد الفلسطينيين المنهوبة وحياتهم المهدورة طبعًا، لكنّه لم يكن ممكنًا دون استغلال اليهود الشرقيين الذين انتُزعوا من أوطانهم ومجتمعاتهم العربيّة وجُلبوا إلى فلسطين كمستعمرين، ليرجّحوا كفة الميزان الديمغرافيّ لصالح اليهود، وليشكّلوا قوّة عمل يهوديّة رخيصة تستبدل قوّة العمل العربيّة. مجتمعات يهوديّة يمنيّة ومغربيّة وعراقيّة وكرديّة وغيرها، عاشت في ظل استعلاء وفقر، نُفذت بحقّها جرائم، وطُمست هويّتها العربيّة بعنف في “فرن الصهر” الصهيونيّ الأوروبيّ.

ضمن ما سيطروا عليه، سيطروا على مؤسستين جوهريّتين في “الدولة اليهوديّة الديمقراطيّة”: الجيش والمحكمة العليا. مؤسستان بينهما تانغو الجريمة والتبييض. واحدة تُخطط وتنفّذ العنف الدمويّ ضد العرب حفاظًا على سيادةٍ وأغلبيّة “يهوديّة”، والأخرى تراقبه لتضمن النجاعة وتوفر غطاءً قانونيًا، ليكون العنف “ديمقراطيًا”. أو بكلمات 460 رجل مخابرات، في الرسالة المذكورة أعلاه لقائد المخابرات السابق: “نعرف جيدًا، نحن وأنت، أن المحكمة العليا لم توقف أبدًا أي من عمليّاتنا الوقائيّة، إنما وجّهتها وحسّنتها”.

عمّق شَكلُ حروب إسرائيل هيمنة هذه الفئة في الجيش. في العقود الأولى، أمام الجيوش العربيّة النظاميّة، ثم الحرب على الفدائيين في الأردن ولبنان وحول العالم، لا سيما طبيعة الحرب الخاطفة، رُفعت وحدات عينيّة -سلاح الجو، جهاز الموساد، ووحدات الكومندوز الأربعة- إلى مرتبة القداسة في الوعي الصهيونيّ. وهي كلّها وحدات حصريّة لذكور هذه الفئة الأشكنازيّة.

أمّا المحكمة العليا، فظلّت كذلك شبه حصريّة للفئة الأشكنازيّة. 72 قاضيًا حكموا في المحكمة العليا منذ العام 1948 وحتّى اليوم، 11 منهم فقط كانوا يهودًا شرقيين. في ظل غياب دستور إسرائيليّ، لعبت المحكمة العليا دورًا دستوريًا وتحلّت بمكانةٍ تشريعيّة، وباتت مع الوقت قادرة على إلغاء القوانين وإجبار البرلمان على تعديلها.

احتلال جديد، تيّار جديد

تحت سطوة الهيمنة الأشكنازيّة، تشكّل تيّار جديد في السبعينيّات، جمع أطرافًا لا يوحّدها إلا غضبها ضد التيّار القديم.

خلق احتلال الضفّة الغربيّة وقطاع غزّة عام 1967 تحوّلات جذريّة. كتلة اجتماعيّة هائلة من اليهود الشرقيين والمتديّنين عاشت في ضيقٍ اقتصاديّ نتيجة التضخّم غير المسبوق في الدولة بداية السبعينيّات. حزب “ماباي”، التعبير الأبرز عن الهيمنة الأشكنازيّة في حينه، فرض سياسات اقتصاديّة تحمي الشرائح الاجتماعيّة المقرّبة للسلطة من التضخّم (شركات الدولة، مصانعها، النقابة العامّة المتحالفة معها، وغيرها)، بينما تعمّق فقر الطبقات غير المقربة من السلطة. في ظل سخط الفئات المستضعفة، تمكّن حزب الليكود من وصول سدّة الحكم عام 1977، والإطاحة بالحزب الحاكم لأوّل مرّة منذ تأسيس إسرائيل. حدث ذلك بأصوات اليهود الشرقيين ودعم أحزاب الصهيونيّة المتديّنة – نفس الشريحة التي لا زالت حتّى يومنا هذا تشكّل الكتلة الصلبة لنتنياهو والليكود في الحكم. أجّجت تلك الانتخابات الاحتدام الإثنيّ والطبقيّ. وبدأ الليكود عهد الخصخصة وفتح السوق ليتخلخل الاحتكار الأشكنازيّ للموارد، وحفّزت الحالة نشاطًا سياسيًا هويّاتيًا ودينيًا تمثّل بتأسيس أحزابٍ جديدة باتت اليوم جزءًا لا يتجزأ من المشهد السياسيّ، مثل حزب “شاس” على سبيل المثال لا الحصر.

كانت هذه أيضًا سنوات تأسيس الحكم العسكريّ وبدايات الاستيطان في الضفّة الغربيّة وقطاع غزّة. ظهرت “طليعة” جديدة من الصهيونيّة المتديّنة التي تعمل، بدوافع دينيّة خَلاصيّة، من أجل توسيع الاستيطان اليهوديّ في “أرض إسرائيل الكاملة”. وهذه الحركة امتداد لمؤسسة دينيّة سياسيّة تاريخيّة، صارعت التيار العلمانيّ المركزيّ منذ عشرينيّات القرن. من أبرز التنظيمات في الحركة كانت “غوش إيمونيم”، التي لم تقبل وصاية مؤسسات الدولة على عمليّة الاستيطان، رغم أن مؤسسات الدولة كانت قد بدأت تخطيط وبناء المستوطنات على الأرض المحتلّة بسرعة البرق. تحوّلت العلاقة بين تيّار الصهيونيّة المتديّنة والدولة إلى علاقة تعاون وصدامٍ مركّبة. لا تعترف الدولة بقانونيّة بؤرهم الاستيطانيّة، ولكنها توفر لهم حماية عسكريّة، ثم تمدّهم بالكهرباء والماء والخدمات تدريجيًا، وتُدير ديناميكيّة تقنين وتبييض للبؤر، تارةً تعترف بها، وتارةً تدمجها بمستوطنات أخرى تخططها الدولة...

وكلها خطوات خاضعة للتفاوض بين الطرفين، وبالتالي فهي ميدان لصراع قوى بينهما، وظهرت أشهر انفجارات هذا الصراع بعد الانتفاضة الثانية، حين أقرت إسرائيل خطة “فك الارتباط” وأخلت مستوطنات غزّة وسط مواجهة عنيفة مع الحركة الصهيونيّة المتديّنة.

لكنّ احتلال الضفّة وغزّة لم يكن شأن الصهيونيّة المتديّنة فقط. فقد دُفع اليهود الشرقيّون إلى واجهة الاحتلال. بدايةً، دُفعوا للسكن في المستوطنات التي بنتها الحكومة ووفّرت فيها ظروف إسكان ومعيشة مبهرة ومغرية، وحدث ذلك مع المستعمرين الروس أيضًا الذين جاءت هجرتهم الكبرى الأولى عام 1970. هكذا، تحوّل مجتمع المستوطنين إلى خليط انسجمت فيه تدريجيًا فئات الصهيونيّة المتديّنة مع فئات ضعيفة طبقيًا وإثنيًا.

تحرّك الجيش ليحكم الضفّة الغربيّة وقطاع غزّة أيضًا. هذه المرّة، لم يكن الجنود من أساطير النخبة الأوروبيّة، لا طيّارين ولا كوماندوز. عشيّة الانتفاضة الأولى، كان شغل الجيش الشاغل أن يدير حربًا على مجتمعٍ أعزل يقاوم بالحجارة، والجداريّات، والرايات، والمولوتوف. لم يُرسل أبناء التيّار القديم، طبعًا، لملاحقة الأطفال وكسر عظام الناس واقتحام البيوت بحثًا عن مناشير. هذه مهام أوعزت لشبّان الطبقات الأضعف في مجتمع المستعمرين، لتضعهم في حربٍ يوميّة مباشرة على مجتمعٍ عنيد لا تنكسر فيه روح المقاومة.

آخر قلاع الأشكناز

مع نضوج هذه التحوّلات، وبعد أن بات واضحًا أن التيّار الجديد قادر على تحقيق أغلبيّة برلمانيّة والاستيلاء على الحكم والتشريع، اتضح للتيّار القديم، ذي الوعي التنويريّ، أن المؤاخاة المتّزنة بين الجريمة والحياة الديمقراطيّة لم تعد مضمونة. أن الواجهة القضائيّة البيضاء التي غطّت بُنية العنف الدمويّ (واعتُبرت “آليّات قضائيّة محليّة” تحمي القيادات العسكريّة من الملاحقة في المحاكم الدوليّة!) بدأت تتآكل. اشتدّت المقاومة الشعبيّة الفلسطينيّة في نهاية الثمانينيّات، وازداد المستوطنون والجيش عنفًا وهمجيّة. بدأت العمليّة السلميّة أمام منظّمة التحرير، إذ نضجت لدى النخبة الأشكنازيّة القديمة، وعلى رأسها رابين، قناعة بضرورة إعادة بناء منظومة السيطرة بشكلٍ جذريّ، لا سيما في الضفّة الغربيّة وغزّة. وجاءت حقبة أوسلو محاولةً لترميم المنظومة القديمة – تلك التي تتآخى فيها الجريمة مع القانون -، واضطرتهم هذه العمليّة إلى تأسيس سلطةٍ ثبت على المدى البعيد أنّها وكالة للاحتلال.

في العام 1995، أصدرت المحكمة العليا قرارًا تاريخيًا يقول بأن قوانين الأساس بالدولة لها مكانة أعلى من القوانين العاديّة. بأن القوانين العاديّة التي يسنّها البرلمان، يُمكن أن تُلغى بقرارٍ من المحكمة، إن كانت تتعارض مع قوانين الأساس. عزّزت المحكمة من سلطتها على حساب قوّة البرلمان. ما سُمي في حينه “الثورة القضائيّة” فتح المجال لتدخلات أوسع للمحكمة في إدارة نظام القمع، أي أنّه زاد من سلطة القضاة الأشكناز على أجهزة الدولة، رغم تثبيت التيّار الجديد لأغلبيّته في البرلمان، لا سيما بعد اغتيال رابين. هذا ما يسعى رجال نتنياهو، ممثلو القطب الجديد، إلى قلبه اليوم.

يتنافس الطرفان على أن يكونا مصدرًا شرعيًا للجريمة. صراع بين من يقتلون 11 شهيدًا باقتحام نابلس في إطار “العقد الديمقراطيّ”، ومن يحرقون بيوت حوّارة في اليوم التالي. يظهر هذا الصدام كثيرًا، وغالبًا ما تكون حلبة الصدام قضائيّة، مثل إعدام عبد الفتاح الشريف على يد الجندي اليؤور عزريّا أمام الكاميرات3، والجدل الإسرائيليّ الداخليّ العنيف حول محاكمة الجنديّ، وإن كان جهاز القضاء “يقيّد يد الجنود”، وكذلك قرار المحكمة بإلغاء قانون “تبييض المستوطنات”4، وغيرها...

الاحتجاجات اليوم ليست التمرّد الأوّل على الحكومة الإسرائيليّة. فقد تمرّد التيّار الجديد على حكومات التيّار القديم مرارًا وبأشكالٍ وأيديولوجيّات مختلفة. من تمرّد اليهود الشرقيين في حيفا عام 19595، وصولًا إلى الاحتجاجات العنيف ضد “فك الارتباط” وإخلاء مستوطنات غزّة، وصولًا إلى اغتيال رئيس الوزراء رابين. الفرق اليوم أنّها المرّة الأولى التي يتمرّد فيها أبناء القُطب القديم على القُطب الجديد.

أما من جهتنا، فأن تسأل فلسطينيًا عن موقفه في هذا الصراع، يعني أن تسأله: هل تُفضّل قتل 11 إنسان برصاص وحدات النخبة في نابلس، أم إحراق البيوت بنيران صبية المستوطنين المتديّنين؟

السؤال بحد ذاته، ينفي إنسانيّتنا.

1المقابلة جرت في تاريخ 5 مارس/آذار عبر القناة 12.

2“شهادات الطيّارين والقيادات: من يعتقد أن الجيش سيبقى بعد الانقلاب لا يفهم شيئًا”، هآرتس، 2 مارس/آذار 2023.

3هاجم عبد الفتاح الشريف في 24 مارس/آذار 2016 جنوداً إسرائيليين بسكّين في الخليل، وقتله اليؤور عزريّا برصاصة في رأسه بينما كان الشريف مصاباً طريح الأرض وأعزلاً. تم تصوير المشهد مما أدى إلى محاكمة عزريّا. استمرّت المحاكمة عدة أشهر وخلقت جدالاً واسعاً وسط المجتمع الإسرائيلي. حُكم على الجندي الإسرائيلي بالسجن 18 شهرًا لكن أُطلق سراحه في نهاية المطاف بعد تسعة أشهر فقط.

4في فبراير/شباط 2017، تبنّى البرلمان الإسرائيلي قانوناً لـتشريع أكثر من أربعة آلاف بيت لمستوطنين في الضفة الغربية. للمزيد حول الموضوع، اُنظر “لمن”“تحق” سرقة أراضي الفلسطينيين؟".

5في الثامن من يوليو/تموز 1959، أطلق شرطي إسرائيلي النار على يهودي مغربي في حي وادي صليب في حيفا. أثار الحادث موجة من الاحتجاجات سلّطت الضوء على التمييز العرقي والاجتماعي الذي يعاني منه اليهود الشرقيون.