لم تتوقف الإدارة الاستعمارية الفرنسية عن العمل خلال الحرب الطويلة التي شنتها جبهة التحرير الوطني من أجل استقلال الجزائر (1954-1962). وهكذا، طوال سنة 1957، أرسلت محافظة الجزائر كل أسبوع حزمًا ملفتة من الوثائق إلى الجنرال ماسو. تتضمن هذه الاستمارة اسم ولقب الشخص، العمر، العنوان والمهنة، وتاريخ وظروف “اعتقاله” من قبل العسكر، وأخيرا، اسم أحد أفراد عائلته لـ“يتم إخطاره في حالة العثور عليه”. خلال عام واحد، أصدرت المحافظة 2039 من هذه الإخطارات الغريبة عن البحث، في انتظار إجابات من الجيش عن مصير الشخص المعني. وكان الانتظار عبثًا في غالب الأحيان. يأسف عن ذلك المدعو “رامبو”، وهو رئيس المصلحة المختصة، في مذكّرة داخلية، ففي 70٪ من الحالات، لم يُجب الجيش، أو كانت ردوده “غير صالحة” أو “غير مُرضية”. ويكتب “رامبو”: “ببساطة، لم يعد من الممكن بالنسبة إلي، ومنذ فترة طويلة، إخبار محامٍ واحد إذا كان موكّله ميّتًا أم حيًّا”.
كان جزء من ملف “المختفين المحتجزين” الذي أبلغت عنهم عائلاتهم في 1957، والمحفوظ اليوم في مصلحة الأرشيف الوطني لما وراء البحار، نقطة بداية مشروع تاريخي بعنوان "ألف آخرون"، بقيادة مليكة رحّال وفابريس ريسبوتي. وقد تم وضعه على موقع مخصّص على الإنترنت، مع نداء للشهادة باللغتين العربية والفرنسية، موجّه لأقارب وأحفاد الأشخاص الذين اختطفهم الجيش، سواء تم إطلاق سراحهم لاحقًا أو اختفوا بشكل دائم. بالإضافة إلى هذه المعلومات، تروي العائلات أيضًا، في ردودها المتعدّدة، ظروف الاختطاف من قبل الجنود واستراتيجياتها في مقاومة الرعب، وإجراءات البحث التي قامت بها، وتجارب عيشها، منذ ذلك الحين، للاختفاء النهائي لأحد الأقارب.
استنادًا إلى شهادات هذه العائلات الجزائرية والتي لم يلجأ إليها كثيرًا حتى الآن المؤرخون الفرنسيون، وكذلك إلى أرشيفات استعمارية مختلفة، يتيح مشروع “ألف آخرون” أيضًا تجديد التاريخ حول الحقبة التي سُميّت في فرنسا بـ“معركة الجزائر”. وهي خطوة تخالف وجهة نظر لا تزال سائدة إلى حدّ كبير- بما في ذلك في كتب التاريخ -، ألا وهي وجهة نظر الفاعلين العسكريين في ذلك الوقت.
استئصال الحركة الوطنية من الجزائر العاصمة
في 7 يناير/كانون الثاني 1957، أعطت حكومة غي موليه تفويضًا مطلقًا للجنرال ماسو لاستعادة النظام الكولونيالي في الجزائر العاصمة. كان هذا النظام مهدّدًا بالفعل بشكل خطير منذ خريف 1956، نتيجة ارتفاع وتيرة ما سمُّي بنشاط “التمرد” -أي أعمال حرب العصابات في المدن وهجمات - وعلى الخصوص، في ذلك التاريخ، بسبب إمكانية تحقّق كابوس سياسي بالنسبة إلى السلطات الفرنسية، وهو إضراب الأيام الثمانية المناهض للاستعمار، والذي يمكن لجبهة التحرير الوطنية أن تثبت من خلاله تجذّرها في المجتمع.
أوكل للجيش، الذي كانت مهمته حتى ذلك الحين بشكل أساسي مواجهة متمردي جيش التحرير الوطني في المناطق الريفية، مهمة “تهدئة” الجزائر العاصمة هذه المرة، وفقًا لمعجم السلطات الفرنسية في تلك الفترة. ويعني هذا كشف وتدمير التنظيم السياسي السري والشبه العسكري لجبهة التحرير الوطني، المنغمس بين 400 ألف جزائري في المدينة. لكن، لا يمكن للأساليب المستخدمة في الريف أن تكون هي نفسها في البيئة الحضرية، ناهيك في المدينة الكبرى للجزائر الاستعمارية، والتي يسكن الأوروبيون نصف أحيائها وتقع تحت الأضواء. تم تفضيل سلاح قمع سياسي عنيف لكن يمكن استعماله في الخفاء، وهو مستوحى من “عقيدة الحرب الثورية” أو التمرّد المضاد، التي تم تطويرها بعد الهزيمة الفرنسية في الهند الصينية: الاختطاف الجماعي لسكان الجزائر العاصمة المشتبه في صلتهم بالتمرّد الجاري.
أوصى المقدّم روجيه ترانكييه، أحد الضباط الملهمين للعملية، الوزير روبرت لاكوست بـ “تطهير” السكان “المسلمين” في الجزائر العاصمة. يتعيّن، وفقا له، القيام بفحص وتدقيق لهؤلاء السكان بالكامل. في منتصف يناير/كانون الأول، قُدّر عدد المشتبه بهم المحتجزين في المعسكرات بـ 20 ألف، وهو رقم أعلى بكثير من العدد المقدّر لأعضاء جبهة التحرير الوطني في الجزائر العاصمة.
لتحقيق غايته، قبلت السلطة السياسية بسهولة أن تضع للجيش ترتيبًا استثنائيًّا، سُمِّي أحيانًا “نظام الاعتقال والاحتجاز”. وهكذا، باسم النجاعة، تم إعفاء الجيش من جميع القيود القانونية، حيث يمكنه دخول المنازل والتفتيش والاعتقال والاحتجاز والاستجواب، حسب ما يراه مناسبًا. كلّ هذا دون الحاجة لتقديم شرح لأحد حول دوافع هذه العمليّات، وعن هوية ومصير “المشتبه بهم” المعتقلين. فقط، يُطلب منه ببساطة بعد الانتهاء من عمليّته، ودون أن يتمكن أحد من التحقق من أقواله، إعلامُ المحافظة، لإضفاء طابع رسميّ على الاعتقالات. ويتمتّع الجيش بفترة من الزمن “لاستغلال” المعتقل، قبل الإعلان عن اعتقاله للمحافظة. هذا النظام سمح بتعميم التعذيب والاغتصاب وعمليات الإعدام، التي يليها عادة إخفاء الجثث أو تدميرها.
وهكذا، تم على نطاق واسع تجريب ممارسة قمعية هي الاختفاء القسري، لم يتم وصفها وتعريفها إلا في وقت لاحق، عندما تم استخدامها مرة أخرى في السبعينيات والثمانينيات، خاصة في أمريكا اللاتينية، حيث كما هو معلوم، ذهب نفس هؤلاء الضباط الفرنسيين بعد ذلك لتدريسها. منذ سنة 2010، تُعرِّف الأمم المتحدة “الاعتقال أو الاحتجاز أو الاختطاف أو أي شكل من أشكال الحرمان من الحرية يتم على أيدي موظفي الدولة، أو أشخاص أو مجموعات من الأفراد يتصرفون بإذن أو دعم من الدولة أو بموافقتها، ويعقبه رفض الاعتراف بحرمان الشخص من حريته أو إخفاء مصير الشخص المختفي أو مكان وجوده، مما يحرمه من حماية القانون” على أنه جريمة ضد الإنسانية.
ترهيب السكان من خلال عمليات خطف جماعي
في يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط 1957، خلال قمع الإضراب الذي نظمته جبهة التحرير الوطني، استندت الموجة الأولى من الاعتقالات - وهي عمليات الاختطاف من وجهة نظر الجزائريين، وكذلك من وجهة نظر القانون - على ملفات الشرطة المتضمنة لمعلومات حول الآراء السياسية والانتماءات إلى مختلف المنظمات المحظورة أو التي تعتبرها تخريبية: جبهة التحرير الوطني، الحركة الوطنية الجزائرية، الحزب الشيوعي الجزائري، الاتحاد العام للعمال الجزائريين، الاتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين، جمعية العلماء المسلمين.
على الرغم من الرعب، كان إضراب جبهة التحرير الوطني ناجحًا، لكنه حدد للجيش مشتبهين جدد للاستنطاق في صفوف المضربين. سرعان ما استهدفت عمليات الاختطاف الأنشطة الإنسانية مثل المراكز الاجتماعية التي أنشأتها جيرمان تييون. وعادت بقوة من جديد خلال صيف وخريف 1957، عندما اتضح أن جبهة التحرير الجزائرية لم تمُت، على الرغم من إخلاء قيادتها للمدينة، حيث كانت لا تزال لديها القدرة على الرد بهجمات جديدة.
تعرّضت كل الأحياء “المسلمة” - وليس القصبة فقط - لمداهمات وعمليات خطف مستهدفة، تتم في أغلب الأحيان ليلاً وبوحشية متفاخرة. غالبًا ما تحتفظ العائلات التي أدلت بشهادتها بذكرى تلك العمليات: الأبواب المحطمة، السرقات، العنف ضد الأقرباء، وأقوال تقشعر لها الأبدان حول المصير المشؤوم الذي ينتظر الشخص الذي ألقي به في شاحنة مغطاة، غالبًا ما يكون على متنها مخبر ملثّم، يلقّبه الشهود بـ “بوشكارة”1.
يتم الاختطاف أيضًا على الطريق العام أو في مكان العمل، ولا يستثنى منه المراهقون وكبار السن. تأثرت جميع طبقات السكان المستَعمَرين بهذه العمليات، وبلغ عدد حالات الاختطاف عشرات الآلاف خلال عام واحد. زُجّ بمعظم هؤلاء “المشتبه بهم” - والذين لم يحاكموا قط - في المعسكرات. لن يخرج بعضهم منها حتى عام 1962، بعد أن تم نقلهم عدة مرات من مكان إلى آخر من نظام معسكرات الاعتقال الواسع، لا سيما عندما كان يجب كسر مقاومة السجناء وتفريقهم.
كفاح الأُسر
طالت ممارسات الجيش جميع فئات الجزائريين، الذين ترغب فرنسا في ثنيهم عن تأثير القومية. فهو لا يقوم بتحييد “المشتبه بهم” المخطوفين فحسب، بل يُرعب عائلاتهم، وبتأثير تصاعدي كل سكان أحيائهم. فسرعان ما يعي الناس أن أولئك الذين يتم إلقاء القبض عليهم معرَّضون لخطر التعذيب وحتى الموت، في عشرات المراكز المنتشرة في العاصمة وحولها حيث يتم استنطاق الناس: الثكنات والفيلات والمدارس والمزارع الاستعمارية.. حيثما يعزل الجنود الناس عن الخارج، يقومون بالتعذيب. وعلى الرغم من ميلهم للأقبية، إلا أن صرخات التعذيب كانت تُسمع أحيانًا في الجوار. وقد قام مشروع “ألف آخرون” أيضًا بـإحصاء هذه المراكز ورسم خريطة الرعب في الجزائر العاصمة ومحيطها.
تروي العديد من الشهادات التي تم جمعها اليوم كيف جابت الزوجات والأمهات المدينة بحثًا عن سجينهن-المفقود، وأحيانًا يتوقفن لساعات أمام تلك الأماكن، على أمل رؤيته أو الحصول على معلومات. ينجحن أحيانًا، لكن يحدث أيضًا أن يتم طردهن بعيدًا أو أن يخبرهن جندي بقسوة أنه لم يعد هناك أمل. يمكن للمحتجزين المفرَج عنهم تقديم معلومات. وفي بعض الأحيان، تتلقى العائلات رسائل من أقاربها، وقد يزورونهم في أحد المعسكرات لفترة من الوقت، ثم فجأة تنقطع الأخبار. وبالنسبة للعديد من العائلات، لم يتبدّد الأمل في ظهور المفقود إلاّ بعد وقف إطلاق النار في 19 مارس/آذار 1962، عندما أفرجت المعسكرات عن الآلاف من السجناء.. ولم يعد المختفون.
كتبت العائلات كثيرًا، بمساعدة كاتب عمومي في أغلب الأحيان: إلى المحافظة، إلى الوزير لاكوست، إلى الجنرالات سالان وماسو، وإلى سوزان ماسو2، وإلى رئيس أساقفة الجزائر العاصمة، وإلى جميع السلطات في العاصمة الفرنسية. وسواء كانت تتوسل أو تطلب أخبارًا، نادراً ما كانت رسائلها - الموزعة اليوم في الأرشيفات المدنية أو العسكرية – تتلقّى ردًا.
ابتداء من مايو/ أيار 1957، تلقّت لجنة حماية الحقوق والحريات الفردية التي أنشأها غي موليه للتحقيق في “الانتهاكات المحتملة” في الجزائر العاصمة - وفق تعبيره - العديد من هذه الطلبات. وكانت تكتفي بتحويل الإجابات التي تحصل عليها من الجيش. غالبًا ما يدّعي هذا الأخير أنه “أطلق سراح” الشخص3، حيث كان لا يشعر بالحاجة، في حالتهم، إلى بناء سيناريو كاذب، كما فعل في يونيو/حزيران 1957 بخصوص “الهارب” موريس أودان. وعندما يطلب أحد أعضاء هذه اللجنة الاطلاع على ملف “المختفين” الذي سمع بوجوده، ترفض له المحافظة ذلك.
كان لابدّ من أن يبقى حجم انتشار الرعب سرًّا. كان بإمكان تحقيق يتم بُناء على هذا الملف أن يكشف أن بعض المطلوبين اختفوا جسدًا وروحًا أثناء اعتقالهم. إلى اليوم، تم تحديد حوالي 400 حالة اختفاء نهائي، من أصل تقريبًا 1200 حالة، تم الإعلان عنها على موقع “ألف آخرون”، حيث يتم أخيرًا إجراء هذا التحقيق الذي بقي لمدة طويلة مستحيلاً. مع أن الأمر يتعلّق بمجرّد عيّنة، حيث لم تتصل سوى بعض العائلات المعنيّة بالمحافظة. وقد نجحت عمليّات الإخفاء جيّدًا، إلى درجة أن لا أحد يعرف اليوم العدد الإجمالي “للمختفين في معركة الجزائر”. ولا يمثل تقدير بول تيتغن الشهير (3024 حالة اختفاء) سوى ترتيب حجمي محتمل.
محاربة الإرهاب كتبرير للرّعب
في 1957، التزم الجيش صمتًا مطلقًا بشأن عمليات الاختطاف الجماعية، لكنّه تواصل بكثرة حول الأسلحة والقنابل المصادرة. تم عرض أعضاء “شبكة القنابل” الموقوفين أمام الصحافة وتقديمهم – في هذه الحالة - أمام القضاة. وهكذا، طوّر الجيش سرديّة مفادها أن “معركة الجزائر” هي مواجهة بين الجيش الفرنسي وجبهة التحرير الوطني التي تم ربطها بـ “الإرهاب”، حيث اختُزلت - أو تكاد - في “زارعي القنابل”.
نُشرت هذه السردية في ربيع 1957، خلال حملة مناهضة التعذيب التي نشأت في فرنسا. وقد عزّزها بعد الحرب خطاب ماسو وضبّاطه سيما من خلال مذكّرات نالت نجاحًا كبيرًا، كانت ردًّا على الاتهامات الموجّهة إليهم بارتكاب انتهاكات4. ووفق ما جاء في دفاعهم عن أنفسهم، فإن الحاجة لوضع حدّ للهجمات بالسعي العاجل للحصول على معلومات عن المفجرين يفسّر ويبرّر استخدام أساليب “استثنائية”.
هذا التبرير للرعب بحجة حرب ضرورية ضد الإرهاب ترسّخ في الخيال الجماعي بعد 1962، من خلال أدبيات غزيرة ممجّدة للمظليين، وكذلك من خلال السينما. حتى الفيلم الشهير الذي أخرجه جيلو بونتيكورفو “معركة الجزائر” يعطي حيّزًا واسعًا لهذا الجانب من الأشياء، حتى وإن كان بهدف التنديد به.
لو أقررنا بهذا الإطار لقراءة تلك الأحداث - والذي يحجب الرعب السياسي للعملية -، فإن مقتل آخر أعضاء “شبكة القنابل” في أكتوبر/تشرين الأول 1957 (بما في ذلك مقتل علي لابوانت) من شأنه، منطقيا، أن يضع حدًّا لعملية “مكافحة الإرهاب” التي بدأت في يناير/كانون الثاني. ولا يزال هذا التقسيم الزمني لـ“معركة الجزائر”، الذي يحمل تأويلاً للحقائق، سائدًا على نطاق واسع اليوم.
غير أن الأرشيفات وكذلك الشهادات التي تم تحليلها في مشروع “ألف آخرون” تؤدي، على الأقل، إلى التشكيك في هذه القراءة. في الواقع، بينما تم القضاء بالفعل على شبكة القنابل في أكتوبر/تشرين الأول، استمرّ القمع السياسي في الجزائر العاصمة بنفس الطريقة، حيث ظلّت التقارير عن حالات الاختفاء القسري كثيرة حتى ديسمبر/كانون الأول 1957، واستمرت في عام 1958. بل أصبحت هذه الممارسة، التي أقرّتها الحكومة الفرنسية، منتشرة في جميع أنحاء الجزائر حتى عام 1961 على الأقل.
جريمة مخفية إلى حدّ كبير
تم تحليل جريمة الاختفاء القسري وتحديدها قانونيًا في وقت متأخر جدًا، ويرجع الفضل في ذلك في المقام الأول إلى تعبئة أسر الضحايا، لا سيما من الأرجنتين. لم يحصل ذلك أبدًا بخصوص استعمالها خلال حرب تحرير الجزائر. في فرنسا، حتى وإن سمحت قضية موريس أودان لبيار فيدال ناكي بوصف نظام الاختفاء القسري منذ عام 1958، فإن استخدام التعذيب هو الذي مكّن من تعبئة جزء من الرأي العام، أكثر من مسألة الاختفاء القسري. وقبل 1962، وعلى الرغم من الجهود المبذولة، لم يكن بمقدور العائلات الجزائرية التي كانت ضحية لهذه الممارسة أن تُسمع صوتها. أما بعد 1962، فقد حظي المفقودون، مثل كل القتلى الآخرين، بصفة “شهيد”. وفي الأخير، ألغى مرسوم العفو الذاتي، الذي أصدرته فرنسا في نهاية الحرب، الشكاوى المقدمة، ومنع أي استحضار لهذه الحقائق وسماع الضحايا والشهود أمام المحاكم والرأي العام.
في 2018، اعترفت الجمهورية الفرنسية رسميًّا بمسؤوليتها عن اختطاف وتعذيب واغتيال موريس أودان، وهو جامعي من أصل أوروبي. وفي 2020، فعَلَت بالمثل بخصوص المحامي علي بومنجل، الذي ندّد رجل القانون الفرنسي الشهير، ريني كابيتان، باغتياله المموّه في صورة انتحار. كما تم الاعتراف بـوجود “نظام” يسمح بهذه الجرائم. لكن هناك الآلاف من أودان وبومنجل، الذين لم يشكّل اختفاؤهم قضية في فرنسا، ولا مكان لهم إلى اليوم في كتب التاريخ. غالبًا ما يعبّر الجزائريات والجزائريون الذين تم الالتقاء بهم خلال تحقيق “ألف آخرون” عن تأثرهم برؤية تاريخهم مستعادًا ومرئيًا للعالم بأسره على موقع إلكتروني. لكنهم مع ذلك، لا يزالون يعانون من ألم الجهل بما حدث لمفقودهم، وعدم وجود قبر ليترحّموا عليه.
1أي “أبو كيس”، في إشارة إلى الكيس الذي يوضع على رأس المخبر حتى لا يتم التعرف عليه.
2ملاحظة من هيئة التحرير: سوزان ماسو كانت مقاومة فرنسية ضد النازية اقترنت في زواج ثان مع الجنرال ماسو.
3“ربما قد أعود”. اختطاف سليمان عسلة، مليكة رحّال، 20 أكتوبر/تشرين الأول 2022.
4لا سيما في كتاب “معركة الجزائر الحقيقية” لجاك ماسو -La Vraie Bataille d’Alger، 1972.