منذ رعايتها للمصالحة المدهشة بين إيران والمملكة العربية السعودية في مارس/آذار 2023، صار المعلّقون يرون الصين في كل مكان. بل ذهب بعضهم إلى التصور أنها مستعدة لتحلّ مكان الولايات المتحدة، أو أنها، على الأقل، سترتدي عباءة صانع السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين. تبدو خيبة الأمل اليوم بحجم هذا التوقع المتهور. فبعد مرور قرابة ستة أشهر على 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، صار الوضع قاتما للغاية. تل أبيب تقصف، وبكين تلتزم الصمت. والكل يتساءل: ماذا تفعل الصين؟
“يخلط الغرب بين التخبّط والفعل”، هكذا أجابني دبلوماسي صيني سابق في منظمة اليونسكو، مذكّرا بأن زعماء بلاده نادراً ما يثيرون ضجيجاً قبل تحقيق هدفهم. وفي هذه الحالة، يجب الحصول “أوّلاً على وقف دائم لإطلاق النار”، ثم الاتفاق على “خارطة طريق تؤدي إلى السلام”، وهو برنامج واسع للغاية! يُفترض أن تجعل علاقات بكين الجيدة مع الدول العربية ومع إسرائيل هذا الأمر أسهل. لكن تل أبيب أعلنت أنها تشعر “بخيبة أمل عميقة” حيال التصريحات الأولى للقادة الصينيين.
فبسرعة، صدر في 8 أكتوبر/تشرين الأول 2023 بيان صحفي عن وزارة الخارجية الصينية يبرز خطورة الأحداث ويدعو “الأطراف المعنية إلى إنهاء الأعمال العدائية فورًا من أجل حماية المدنيين وتجنب المزيد من تدهور الوضع”1. وفي اليوم التالي، كانت ماو نينغ، إحدى ناطقات الوزارة، أكثر دقة: “نحن نعارض وندين الأعمال التي تضرّ بالمدنيين”. ولذلك فهي تدين المجازر بشكل لا لُبس فيه، لكنها لا تذكر حماس، في وقت كان فيه العالم كله مُطالَباً بإدانة “المنظمة الإرهابية”. وقد حرصت خاصة على وضع هذه الجرائم في سياق التاريخ الطويل للصراع الفلسطيني مع إسرائيل، حيث ذكرت خلال نفس المؤتمر الصحفي: “كلّ هذا يدلّ مرة أخرى أن الجمود الذي طال أمده في عملية السلام لا يمكن أن يستمر”. وهو كلام لا يُغتفر.
لكن هذا التحليل يلتقي مع رؤية معظم دول المنطقة، باستثناء الهند والدول الآسيوية “الغربية” مثل كوريا الجنوبية واليابان التي وقفت إلى جانب إسرائيل - مع بعض الفروق بالنسبة لطوكيو التي رفضت وصف حماس بالـ“منظمة إرهابية” ولم تشأ “الانضمام إلى الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا وإيطاليا في إصدار بيان مشترك [في 9 أكتوبر/تشرين الأول] (...) تتعهد فيه بدعم موحد لإسرائيل”. ولا تتوانى الصين في التأكيد على أنها ليست معزولة، بل تتفق مع العديد من دول الجنوب. ويتضح ذلك من خلال التصويت في مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث تقف واشنطن وتل أبيب وحدهما2.
سابقة ماو تسي تونغ
ليس هناك أي انتهازية في الموقف الصيني. دعمها للفلسطينيين راسخ في التاريخ، وكان منذ البداية بدفع من ماو تسي تونغ، على الرغم من أن إسرائيل كانت من أول الدول التي اعترفت بجمهورية الصين الشعبية في عام 1950 (على سبيل المقارنة، قامت فرنسا بذلك في 1964 والولايات المتحدة في 1972). ووفقاً لمبادئ عدم الانحياز التي تُعتبر السلطة الصينية طرفاً فيها، فقد دعم “قائد الدفة العظيم” – كما كان يُلقّب - علنيًّا كل حركة تحرير ونضال ضد الاستعمار، ويشمل ذلك على سبيل المثال مصر جمال عبد الناصر. كان هذا التضامن ثابتًا بالتأكيد، ولكنه كان سياسيًا أكثر منه ماليًا أو عسكريًا.
وفي عام 1988، اعترفت بكين بالدولة الفلسطينية، ولم تكن حينها تتمتّع بثقل سياسي. ومنذ ذلك الحين، تطوّر وزن الصين في الشرق الأوسط بشكل ملحوظ، وإن ظلّت جد حذرة. فبمزجها بمهارة بين التجارة والسياسة، أقامت علاقات مع الدول الاثنين والعشرين الأعضاء في جامعة الدول العربية في بداية التسعينيات، وطالبتها في المقابل بقطع العلاقات الدبلوماسية مع تايوان.
في البداية، دخلت الصين دوامة الشرق الأوسط من الباب الصغير، وهو باب تجارة الطاقة. وقد دفعها تعطشها للنفط والغاز إلى تطوير علاقاتها مع دول الخليج، ثم مع إيران بشكل أبطأ. وصار هؤلاء الشركاء في بداية سنوات الألفين يؤمّنون ما يقرب من ثلثي إمداداتها. ومع ذلك، تظلّ بكين حذرة، وتحرص جاهدة على تنويع مصادرها، حيث لا تتجاوز مشترياتها من الطاقة من المنطقة حاليًا 46٪ من إجمالي وارداتها في هذا المجال. وفي الوقت نفسه، تزداد الشركات الصينية ثراءً من خلال بيع سلعها، كما بدأت الاستثمارات الصينية فى الانطلاق. إلى جانب ذلك تشهد التجارة مع إسرائيل، التي تم الاعتراف بها رسميا في عام 1992، نموا سريعا.
كانت الصين آنذاك في خضم عملية تطبيع. وفي هذا العالم الذي يخضع للنفوذ الأميركي - وبالتالي لا يمكن المساس به - حافظت على ما تعتبره واجبها الدولي: الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني. وقد تبنى القادة في 1997 خطة سلام متكوّنة من أربع نقاط دافعوا عنها في الأمم المتحدة وفي اجتماعاتهم الثنائية، دون أن يجعلوا منها أولوية3.
سياسة عربية متأخرة
ومع ذلك، وجب انتظار سنوات الألفين لنشهد تغييراً في الاستراتيجيا الدبلوماسية في الشرق الأوسط، حثّت عليه عدة أسباب. حيث تشترط سياسة التصدير الشامل والتواجد العالمي تأمين العلاقات، لأن أكثر ما تخشاه بكين هو عدم الاستقرار. وفي عام 2002، عيّنت الصين مبعوثاً خاصاً للشرق الأوسط مكلّفاً بالقيام بجولات في المنطقة، على الرغم من أن رادارات معظم المراقبين لم ترصده. بعد ذلك بعامين، أنشأت الصين منتدى التعاون مع الدول العربية الذي يضم بلدان جامعة الدول العربية. وقد ازدادت أهمية المنتدى مع إطلاق “طريق الحرير الجديد” (مبادرة الحزام والطريق) التي توزعت على عدة محاور، وتناولت مجموعة من القضايا، إن كانت اقتصادية (مع وعود باستثمارات بقيمة 10 مليارات دولار في 2023)، أو سياسية، أو جيو استراتيجية وعسكرية.
بكين مهووسة بتهديدين. الأول هو الحركات الاستقلالية للأويغور المسلمين في سنجان، خاصة بعد انتفاضات عام 2009، وفي هذا المجال، تعوّل الصين على تضامن الدول العربية. علاوة على ذلك، فهي تخشى في حال نشوب صراع أن تغلق الولايات المتحدة الأمريكية مواطن الاختناق المتمثلة في مضيق هرمز وقناة السويس ومضيق باب المندب. وهو ما يفسر التقارب مع مصر، التي زارها الرئيس شي جين بينغ مرتين منذ وصوله إلى السلطة، والاستثمار في البنية التحتية للموانئ.
إسرائيل، شريك تحت التأثير
العرقلة الأمريكية المحتملة ليست مجرد ضرب من الخيال. ففي تموز/يوليو 2000، وتحت ضغط من الولايات المتحدة، ألغت الحكومة الإسرائيلية عقدًا شراء لأربع طائرات عسكرية من طراز فالكون، وتبع ذلك حظر آخر. إذا كانت مبيعات الأسلحة الإسرائيلية إلى بكين وصلت إلى 323 مليار دولار بين عامي 1990 و2000، فقد هوت إلى الصفر في عام 2002، وفقًا لبيانات معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI). وحلّت الهند، الجارة المكروهة، محلّ الصين التي كانت تحتل المرتبة الثالثة لمشتري المعدات العسكرية الإسرائيلية. لا عجب إذا في كون بكين لا تعتبر تل أبيب شريكًا استراتيجيًا موثوقًا به فعلاً.
لكن بما أن على الأعمال أن تستمر، فقد طوّرت الشركات الصينية العامة والخاصة استثماراتها في إسرائيل في مجالات الغذاء والاتصالات والأبحاث (مثل هواوي)، والأمن السيبراني والبنية التحتية (الترام والميناء). وهنا مرة أخرى، وجدت الشركة الصينية التي كانت تدير جزءًا من ميناء حيفا الجديد نفسها مهمشة، نتيجة تدخل من واشنطن، التي رأت فيها تهديدًا للقاعدة التي تستخدمها كمحطة توقف لغواصاتها، والواقعة بمقربة من الميناء. ومرة أخرى، كانت مجموعة “أداني” الهندية هي الفائزة في العملية، ما من شأنه تعزيز الشكوك الصينية، على الرغم من كون الصين تحتلّ المرتبة الثالثة في سجلّ المصدّرين لإسرائيل، بعد الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. لذلك فهي تحافظ على الحوار، معوّلة - لكن دون وهم - على المستقبل. فعلى المدى القصير، ليس لدى الصين أدنى نفوذ للدفع باتجاه المفاوضات. وفي حين أن البعض يتهمها بعدم الاكتراث لمصير نوا أرغاماني، الرهينة الصينية-الإسرائيلية التي تم اختطافها في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، فإنهم ينسون أن السلطات الصينية لا تعترف بالجنسية المزدوجة، وتعتبر هذه المرأة إسرائيلية فقط، كما ذكّر بذلك السفير في تل أبيب، معلنًا أنه يبالي بمصير “جميع” الرهائن.
تجذّر متين، مع أدنى حدّ من الإشهار
من خلال التعامل مع كل حكومة بمهارة في العلاقات الثنائية، والتدخل في إطار المنظمات متعددة الأطراف والتبادلات التجارية، عزّزت الصين وجودها في الشرق الأوسط، وأصبحت الشريك التجاري الرئيسي للمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وإيران، التي تسدّد لها الصين ثمن مشترياتها النفطية باليوان (العملة الصينية) بدلاً من الدولار. ما يعطي فكرة عن ثقة القادة العرب في الاقتصاد الصيني، وعن عدم ثقة مملكات النفط بالولايات المتحدة القادرة على تجميد أصولها في أي وقت، كما أظهرت واشنطن ذلك مع روسيا. ومما يزيد من قوة هذا النجاح أن القادة الصينيين، وفاءً لمبدأ عدم التدخل، يحرصون على عدم الخوض مطلقاً في النزاعات الإقليمية (إيران ضد المملكة العربية السعودية، وقطر والإمارات العربية المتحدة، والحوثيين واليمن والسعودية).
يلخّص الوزير الأول الأسترالي السابق كيفن رود هذا الموقف ببلاغة قائلاً:
كان هذا الحضور الاستراتيجي المتنامي سريعًا وملحوظًا. ومرة أخرى، كانت قدرة الصين على تنفيذ استراتيجيتها بأقل قدر من الإشهار تعتمد على نفوذها الاقتصادي الهائل في كل عاصمة، وقدرتها على تقليل خطر الوقوع في شبكة معقدة من التوترات الإقليمية. ومن خلال عدم الانحياز لأي طرف، أقامت الصين صداقات مع جميع الأطراف المتحاربة في المنطقة، وطورتها وحافظت عليها، كما وازنت بعناية بين علاقاتها مع إيران والدول العربية وإسرائيل.
في الواقع، كثّفت الصين اتصالاتها ومباحثاتها. فبعد لقاء السفير الإسرائيلي في بكين في 17 أكتوبر/تشرين الأول 2023، ذهب مبعوثها الخاص للشرق الأوسط تشاي جون في سلسلة من الرحلات، أولها إلى قطر، حيث كان يجري التفاوض بشأن مصير بعض رهائن حماس في 19 و20 أكتوبر/تشرين الأول، وبعدها إلى مصر في اليوم التالي للمشاركة في قمة القاهرة للسلام، فالإمارات العربية المتحدة في 24 أكتوبر/تشرين الأول، ثم إلى الأردن وتركيا.
علامة من علامات العصر: في 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، بدأ وفد مكوّن من وزراء خارجية الدول الأعضاء في الجامعة العربية (المملكة العربية السعودية، مصر، الأردن، قطر، دولة فلسطين) ومن منظمة التعاون الإسلامي (إندونيسيا، نيجيريا، تركيا) جولته الدولية لصالح السلام من بكين وليس من واشنطن أو باريس. وفي اليوم التالي، عُقد اجتماع مجموعة البريكس + (البرازيل وروسيا والصين وجنوب أفريقيا، والذي انضمت إليها منذ بداية العام إثيوبيا وإيران والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية) خصّص بالكامل لهذه الحرب. وبعد ذلك بيومين، تم التوصل إلى أول وقف مؤقت لإطلاق النار وأول تبادل للرهائن. وقد رأى بعض المراقبين في ذلك دليلًا على فعالية الصين.. لكن ذلك الاستنتاج كان متسرّعًا بعض الشيء.
لا مجال للوقوع في الفخ الأمريكي
منذ ذلك الحين، لا تقدّم يُذكر. وينتقد القادة الغربيون - وعلى رأسهم الأمريكيون - إمبراطورية الوسط لعدم تدخلها لوقف هجمات الحوثيين التي تستهدف السفن المرتبطة بإسرائيل في البحر الأحمر، كما يتهمونها بعدم الضغط على إيران. من جانبها، تؤكد بكين أنها طالبت بـ“وضع حدّ لهذه الهجمات”، التي تضُر بِصادراتها، وينطبق هذا بشكل خاص على شركة “كوسكو” العملاقة للشحن البحري، التي اضطرت إلى اللجوء إلى طريق أطول وبالتالي إلى تكلفة أكبر. لكن تبقى وسائل التحرك المتاحة للصين محدودة. تُنتقد الصين على وجه الخصوص لعدم مشاركتها في التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة الذي يقصف مواقع الحوثيين في اليمن، في حين أنها انضمت في 2008 إلى الجبهة الغربية لمحاربة القراصنة الذين يهاجمون سفن الحاويات. لكن السفير السابق يذكّر: “لسنا شرطة العالم، نحن نحترم القانون الدولي”. وبالفعل كان هناك، في 2008، تفويض من الأمم المتحدة، على عكس ما هو الحال عليه اليوم، وذلك لسبب وجيه، حيث لن تستطيع واشنطن الحصول على ضوء أخضر دون إجبار إسرائيل على قبول وقف فوري لإطلاق النار.
لنكون أكثر دقّة، لا تريد الصين أن تضع إصبعاً واحداً في هذا “المستنقع”، الذي ترى أن الولايات المتحدة هي التي صنعته وغذّته. هذا ما عبر عنه وانغ يي، وزير الخارجية الصيني، بعد اجتماعه مع نظرائه من المملكة العربية السعودية والبحرين والكويت وعمان وإيران وتركيا في يناير/كانون الثاني 2022 قائلاً: “للشرق الأوسط تاريخ طويل وثقافات فريدة وموارد طبيعية وفيرة، لكن المنطقة تعاني منذ فترة طويلة من الاضطرابات والصراعات بسبب التدخلات الأجنبية.” وأضاف دعماً لوجهة نظره: “مشاريع الشرق الأوسط الكبير التي تقترحها الولايات المتحدة لها عواقب وخيمة”. كما ذكر على غرار الرئيس شي جين بينغ بأنه “لا يمكن أن يكون هناك أمن في المنطقة دون حلّ عادل لقضية فلسطين”، مضيفاً:
نحن نعتقد أن شعوب الشرق الأوسط هم أسياد المنطقة، وليسوا بحاجة إلى نظام أبوي (…) بعض الساسة وأعضاء النخبة الأمريكية يأملون في أن نعيد أخطاءهم ونملأ “فراغ القوة” الذي يخلفونه وراءهم. لكن الصين لن تقع في هذا الفخ (...) إنها لا تسعى إلى أن تحلّ محلّ الولايات المتحدة.
على الولايات المتحدة إذن أن تتعامل مع الفوضى التي خلقتها! في الوقت الراهن، تسجّل الصين نقاط العجز الأميركي وتترك العالم يعي بالمعايير الغربية المزدوجة في الدفاع عن حقوق الإنسان. وقد ردّ وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي بحدة على ممثل الرئيس جو بايدن، عاكساً رأي العديد من القادة وقائلاً: “لو أن أي دولة أخرى في العالم فعلت جزءًا مما فعلته إسرائيل لواجهت عقوبات من كل أركان العالم”.
نشر السفير الصيني في فرنسا لو شاي، الذي لا يتّسم بالكثير من المهارة، على موقع X (تويتر سابقاً) صورة للقصف على غزة إلى جانب صورة حقول سنجان المزروعة، كما لو أن المجازر التي يتعرض لها البعض يمكن أن تبرّر البعض الآخر. من المؤكد أن بكين لا يمكنها أن تبنيَ سلطتها الدولية فقط على حساب إفلاس المعسكر الغربي. لكن لا يمكنها اليوم سوى مضاعفة المبادرات الدبلوماسية للحوار واللقاءات، في حين أن واشنطن تتمتع بورقة رابحة مضمونة لإرضاخ تل أبيب، وهي وقف تسليم الأسلحة.
الإرهاب والكفاح المسلح كما تراه بكين
تم الاستماع في 22 فبراير/شباط 2024 إلى ما شين مين، ممثل الصين لدى محكمة العدل الدولية، الذي دافع أمام المؤسسة القضائية التابعة للأمم المتحدة عن حق الفلسطينيين في إقامة دولة، وميّز بين “الإرهاب” و“الكفاح المسلح” من أجل الاستقلال. وفيما يلي مقتطف من خطابه:
“في سعيه لتحقيق حق تقرير المصير، فإن استخدام الشعب الفلسطيني للقوة لمقاومة الاضطهاد الأجنبي واستكمال إنشاء دولة مستقلة هو حق غير قابل للتصرف، ومبني على القانون الدولي. وقد لجأت إليه بعد الحرب العالمية الثانية شعوب مختلفة للحصول على استقلالها. وتعترف العديد من قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة، مثل القرار 3070 لعام 1973، بـ”شرعية نضال الشعوب من أجل التحرر من الهيمنة الاستعمارية والاحتلال الأجنبي بكل الوسائل المتاحة، بما في ذلك الكفاح المسلح".
وينعكس ذلك أيضًا في الاتفاقيات الدولية. على سبيل المثال، تؤكد الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب لعام 1998 على “حق الشعوب في مكافحة الاحتلال والعدوان الأجنبي بكافة الوسائل، بما في ذلك الكفاح المسلح، من أجل تحرير أراضيها وضمان حقها في تقرير المصير والاستقلال”. ومن ثم فإن الكفاح المسلح يستند إلى القانون الدولي ويختلف عن الأعمال الإرهابية.
وهذا التمييز معترف به في العديد من الاتفاقيات الدولية. على سبيل المثال، تنص المادة 3 من اتفاقية منظمة الوحدة الإفريقية للوقاية ومكافحة الإرهاب لعام 1999 على أنه“لا يجوز اعتبار الكفاح الذي تخوضه الشعوب وفقا لمبادئ القانون الدولي من أجل التحرر أو تقرير المصير، بما في ذلك الكفاح المسلح ضد الاستعمار، والاحتلال والعدوان والسيطرة من قبل القوات الأجنبية، أعمالاً إرهابية”.
وفي المقابل، فإن استخدام القوة من قبل أي كيان أو فرد باسم “الحق في تقرير المصير” خارج سياق الهيمنة الاستعمارية أو الاحتلال الأجنبي ليس أمراً مشروعاً. علاوة على ذلك، وأثناء الكفاح المسلح المشروع للشعوب، يتعيّن على جميع الأطراف احترام القانون الإنساني الدولي، وعلى وجه الخصوص الامتناع عن ارتكاب أعمال إرهابية تنتهك القانون الإنساني الدولي."
1“الصين تدعو فلسطين وإسرائيل إلى الوقف الفوري للأعمال العدائية لحماية المدنيين”، القناة العربية لشبكة تلفزيون الصين الدولية، 8 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
2في المرة الوحيدة التي لم تصوّت فيها الولايات المتحدة لصالح إسرائيل خلال اجتماع مجلس الأمن في 25 مارس/آذار، اكتفت بالامتناع، ولم تصوّت أبداً ضد إسرائيل.
3تتضمن هذه الخطة إنهاء الاحتلال، وسيادة كاملة لدولة فلسطينية على حدود عام 1967 عاصمتها القدس الشرقية، وضمانات دولية. وقد تم في الأعوام 2003 و2013 و2021 تحسين الخطة وإثرائها بنقطة خامسة تتعلق بالتنمية الاقتصادية لفلسطين.