إيران. انتخابات خطرة لنظام يائس

لن تكون الانتخابات الرئاسية المبكرة ليوم الجمعة 28 يونيو/حزيران إجراءً شكلياً. ففي سياق الحرب على غزة، وإعادة تركيب المنطقة بأكملها، والانتفاضة التي تواجهها السلطة الدينية المحافظة والقمعية، لا يخفى عن جمهورية إيران الإسلامية أنها في خطر. ويأمل النظام في أن يكون الإقبال على الانتخابات قويًّا لاستعادة الدعم الشعبي المفقود منذ فترة طويلة، في حين أن مسألة خلافة المرشد الأعلى علي خامنئي، البالغ من العمر 85 عاما، ما زالت في أذهان الجميع.

إيران، 19 يونيو/حزيران 2017. آية الله علي خامنئي قبل التصويت في الانتخابات الرئاسية لعام 2017.

في مرحلة أولى، لا شيء سيتغير أياً كان المرشح المنتخب. يريد الإيرانيون فعلا الأمن وتجنب الصراعات التي تعصف بالدول المجاورة من لبنان إلى أفغانستان. كما يقوم أيضا جميع الإيرانيين بتقييم 45 عاماً من الإسلام السياسي، بعضهم بغرض تحسينه، وبعضهم الآخر بهدف طي صفحته. النقاش ليس جديدًا، غير أن القضية الفلسطينية والحرب على غزة تضفي اليوم طابعاً دراميًّا على الوضع وتعجل الحاجة إلى اتخاذ قرارات. يمثل الهجوم الإيراني بالطائرات المسيرة والصواريخ على إسرائيل في 14 نيسان/أبريل تاريخاً فارقاً، فقد أظهرت إيران أنها قوة إقليمية لا يستهان بها. وبغض النظر عن الثوابت الداخلية والدولية المعروفة داخل الدولة الإيرانية، فإن السياسة التي سيتبعها الرئيس القادم ستكون حاسمة بالنسبة للمجتمع الإيراني كما لفلسطين والمنطقة.

الرهان الأول: بقاء الجمهورية الإسلامية

إن الطبيعة القمعية للنظام الإسلامي وحدود الانتخابات التي يتم فيها اختيار المرشحين “الصالحين” مسبقًا من قبل مجلس صيانة الدستور لم تعد تخفى على أحد، لكن التاريخ أظهر ثغرات النظام وسمح أحيانًا للإيرانيين باغتنام فتات الديمقراطية التي لا تزال متاحة لتأكيد مطالبهم وتفضيل المرشحين المؤيدين للإصلاحات التي تجعل الحياة أقل صعوبة. في 1997، أوصلت التعبئة القوية جدًا للناخبين محمد خاتمي إلى السلطة، مما أدى إلى انفتاح ثقافي حقيقي. وفي 2015، وقّع حسن روحاني، بتناغم مع الرئيس الأمريكي باراك أوباما، وبموافقة المرشد الأعلى علي خامنئي، على خطة العمل المشتركة الشاملة، وهي اتفاق حول النووي وإنهاء العقوبات الاقتصادية فاتحة لآفاق اقتصادية وسياسية. وقد مزق دونالد ترامب الاتفاق في 2018، مما أغرق إيران في أزمة اقتصادية وسياسية ذات أبعاد غير مسبوقة.

أكدت انتفاضة النساء والشباب في 2022 حجم القطيعة وطبيعتها النهائية، بين الغالبية العظمى من السكان، ونظام سياسي قائم منذ 45 عامًا استنفد قوته، ، يهيمن عليه رجال الدين الشيعة والشبكة السياسية، البوليسية، الاقتصادية والعسكرية القوية المشكلة من قدامى المحاربين في الحرب العراقية الإيرانية، والتي يسيطر عليها الحرس الثوري. “يسقط الدكتاتور”، كان شعار المتظاهرين والشتات الإيراني، لكن لم يتم إيجاد بديل أو عملية سياسية لتغيير النظام الذي أدرك مع ذلك بوضوح أنه في خطر.

الثورة التي أطاحت بنظام الشاه عام 1979 كانت - هي الأخرى - شعبية، وتمكنت الجمهورية الإسلامية لفترة طويلة من ترسيخ شرعيتها بفضل دعم عدد كبير من المؤيدين. لكن من الواضح أن تلك الأيام قد ولّت. فقد كانت نسبة الامتناع عن التصويت هائلة (52% و14% من الأصوات البيضاء) عند انتخاب إبراهيم رئيسي في 2021، بل وكانت أكبر خلال الانتخابات التشريعية في ربيع 2024. لم يعد القمع كافياً. ولكي تضمن بقاءها، تحتاج الجمهورية الإسلامية لاستعادة حد أدنى من الدعم الشعبي. وبالتالي فإن المسألة الرئيسية في الانتخابات المقبلة ليست اختيار الرئيس، بقدر ما هي نسبة المشاركة في الانتخابات.

لذلك اختار مجلس صيانة الدستور ستة مرشحين “صالحين” من بين 81 شخصًا (منهم 4 نساء) تقدموا بطلبات ترشيح. ثلاثة منهم من المحافظين الراديكاليين، وأشهرهم سعيد جليلي، المقرب جداً من المرشد الأعلى، واثنان “معتدلان” أو براغماتيان، أحدهما محمد باقر قاليباف، الذي سبق وأن ترشح بالفعل ثلاث مرات. وهو جنرال سابق في الحرس الثوري أثناء الحرب، وكان قائداً للشرطة الوطنية، ومدير “خاتم الأنبياء”، صندوق الحرس الثوري الثري جدً، وعمدة طهران (2005-2017)، ثم رئيس البرلمان منذ 2020.

في مواجهة هؤلاء المحافظين الخمس، اخْتير مرشح إصلاحي واحد في محاولة لإقناع الإيرانيين بأن الانتخابات مفتوحة، وحثهم على التصويت. مسعود بيشيكيان، طبيب، وهو نائب تبريز ووزير سابق للصحة في حكم الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي. يحظى هذا الرجل النزيه وغير المعروف بسمعة ممتازة وقد تحصل على دعم غير مشروط من قبل الصحافة المعتدلة والقادة السياسيين الإصلاحيين الذين يدعون الجميع للمشاركة في التصويت بهدف دعمه.

يبدو أن عملية “الانفتاح المضبوط” قد نجحت، إذا صدقنا الاستطلاع الذي أنجزته وكالة أنباء الطلبة الإيرانية في 19 يونيو/ حزيران، والذي قدر أن 42,5% من الناخبين سيذهبون بالتأكيد للتصويت، و7,7 % “من المرجح أن يصوتوا” و16,1 % “قد يصوتون”. يمكن أن ترتفع نسبة المشاركة أيضا، حيث بدا أن الحملة الانتخابية تجذب اهتمام الجمهور ووسائل الإعلام مع تنظيم خمس مناظرات تلفزيونية مباشرة مع المرشحين الستة.

قد تكون هذه المشاركة الجيدة المحتملة بمثابة نصر باهظ الثمن، لأن التعبئة تبدو لصالح المرشح الذي يدافع عن الانفتاح الاجتماعي والسياسي والدولي. ويحلم بعضهم بالفعل بموجة شعبية عارمة كما حدث في 1997، تكون هذه المرة دون رجعة، ولكنه احتمال بعيد. ولكي يحصل ذلك يجب أن يتوجه ملايين الإيرانيين الذين دعموا في 2022 حركة “امرأة، حياة، حرية” إلى التصويت بكثافة في حين أنهم كانوا ينادون بالمقاطعة وإسقاط نظام سياسي قمعي لا يحترم أبسط قواعد الديمقراطية.

تهويل الرهانات

ليست الانتخابات الرئاسية الإيرانية المقبلة – للأسف - مجرّد مشكل سياسي داخلي بسيط بين المحافظين والإصلاحيين، وخاص بالجمهورية الإسلامية. لقد بلغت حدة الأزمات الداخلية مستوى جعل الجماعات المحافظة في السلطة تدرك كلها الآن أن الجمهورية الإسلامية في خطر، مما يفرض تغييرات عميقة. يفاقم هذا الإدراك بصفة منطقية الانقسامات بين الفصائل المتعددة التي توالت على السلطة ويلقي كل منها اللوم على الآخر في المأزق الحالي. يبحث كل فرد وكل فصيل عن الوسائل لإنقاذ سلطته ومصالحه. فالانقسامات عميقة بين هؤلاء “أصدقاء 45 سنة” الذين يشتركون مع ذلك في مصالح اقتصادية تم اكتسابها من خلال فساد واسع النطاق.

لقد فقد الإسلام - الذي وفر إجماعاً معينا لثورة 1979 - من مصداقيته منذ أن أصبحت هيئة رجال الدين منخرطة بكثافة في تسيير الدولة. وبالمثل، لم تعد قومية أبطال الحرب العراقية الإيرانية تحظى بتقدير الحرس الثوري وأتباعه الذين هم بالطبع أكثر براغماتية، ولكن أكثر راديكالية أيضا، بأجهزة شرطتهم ومخابراتهم ذات الكفاءة العالية.

وتعطي اتفاقيات أبراهام لعام 2020، ثم الحرب على غزة، بعدا دراماتيكيا ومستعجلا للنّقاشات الداخلية حول العلاقات الدولية التي كانت ترتكز حتى ذلك الحين على العلاقة مع الولايات المتحدة ورفع العقوبات الاقتصادية. ما هو على المحك الآن هو مكانة إيران المستقبلية كقوة كاملة في إعادة التشكيل الحالي للشرق الأوسط. ويحظى الاستقلال الوطني بالإجماع، وهو ما يعني رفض هيمنة أمريكية جديدة عبر إسرائيل. وقد أصبح تطبيع العلاقات مع المملكة العربية السعودية استراتيجية دائمة لتوطيد سلطة “دركييّ” المنطقة، لكن تبقى الخلافات كبيرة بين المملكة، حليفة الولايات المتحدة، والتي ستعترف عاجلاً أم آجلاً بإسرائيل، وبين إيران المتمسكة بدورها في “محور المقاومة” والباحثة عن تحالفات جديدة في إطار مجموعة “البريكس”.

لقد عطلت الحرب في غزة هذه التحركات الديبلوماسية وأجبرت إيران على تأكيد مواقفها بوضوح. وقد كان أول عمل عسكري، وسياسي على وجه الخصوص، هو الهجوم في 14 أبريل/نيسان 2024، الذي استهدف إسرائيل مباشرة من التراب الوطني الإيراني بمئات الطائرات المسيرة والصواريخ. لم يرد أحد. غير أنه يتعين على الرئيس الإيراني القادم، في مواجهة المرشد الأعلى، أن يتدخل ويقوم بخيارات “المقاومة”، أو الاستقلال أو تحالفات جديدة.

تندرج الحملة الانتخابية بوضوح في هذا السياق، مع تعبئة الرأي العام حول تطبيع العلاقات الدولية والتفاوض على اتفاق نووي جديد ورفع العقوبات. وقد واصلت حكومة رئيسي دون هوادة المحادثات - غير المباشرة - مع الولايات المتحدة، لكن تبقى الخلافات الداخلية قوية مع وجود منظرين إيديولوجيين للمؤسسة الدينية، أو بعض الحرس الثوري المترددين في الوصول إلى تسوية، وفصائل أخرى أكثر براغماتية مستعدة لفعل أي شيء لإنقاذ النظام الإسلامي، أو على الأقل ضمان الاستقرار الداخلي، وبالتالي مصالحهم.

بالنسبة لمسعود بيشيكيان، وهو المرشح الإصلاحي الوحيد، فإن مسألة الانفتاح الدولي - أي تجاه الغرب – يمثّل قلب سياسته. وهنا يكمن جوهر التغييرات، مع ما يترتب على ذلك من آثار على المجتمع الإيراني والاقتصاد والعلاقات مع الدول المجاورة، وبالطبع العلاقات مع إسرائيل وفلسطين. إذ لن تتخلى إيران عن تقاليدها في الاستقلال وعن طموحاتها وتحالفاتها، ولكنها تسعى لكي تصبح محاوراً بأتم معنى الكلمة بخصوص مستقبل المنطقة.

على الرغم من الرقابة، تظل الأسئلة الحقيقية مطروحة

دائماً ما كانت الحملات الانتخابية لحظات قصيرة، ولكن مكثفة من النقاشات السياسية، على الرغم من الإقصاء المسبق لمرشحي المعارضة. ويمتهن الإيرانيون، من وراء خطابات الولاء للمرشد والإسلام والوعود بالرخاء والعدالة الاجتماعية، فكّ الرموز وفهم الرهانات الحقيقية وتصور الآفاق المعروضة. يتمثل الأمر في القيام باختيارات أو إيجاد توازن بين الإسلام، الذي يظل محترما على الرغم من فشل الإسلام السياسي المطبق من طرف رجال الدين، وبين الانفتاح الاقتصادي الدولي وأيضا الثقافي والاجتماعي، والذي يتوافق مع مجتمع متعلم ومُعَولم بصفة واسعة. وقد يكمن الحل الوسطي والتوافقي في تأكيد الهوية الوطنية الإيرانية، أي باختصار احترام شعار الجمهورية الإسلامية الذي هو “استقلال، حرية، جمهورية إسلامية”..

يمثل الجناح الراديكالي للمحافظين في هذه الانتخابات مرشحان صوريان: عمدة طهران، علي رضا زكاني، الذي اشتهر ببرنامج يقتصر على بناء المساجد في الحدائق العامة. وأمير حسين غازي زاده - هاشمي، المتصرّف باسم مؤسسات دينية تموّل رجال الدين. ومن المحتمل أن ينسحبا في اللحظة الأخيرة في محاولة لتمرير سعيد جليلي في الدورة الأولى.

قد يستفيد هذا المفاوض النووي السابق في عهد محمود أحمدي نجاد، والمدافع القطعي عن السياسة الإسلامية التقليدية من الدعم “التقني” لجهاز الدولة، ولكن من المرجح أن تبقى ذكرى الاحتجاجات الشعبية ضد التزوير الذي سمح في 2009 بإعادة انتخاب أحمدي نجاد، رادعاً ضد أي محاولة كبيرة في هذا الاتجاه. لكنه يحظى مع ذلك بقاعدة شعبية متينة أكّدت على الدوام تمسكها بالنظام الإسلامي.

سيعني انتخابه تشديد القيود الثقافية، خاصة ضد النساء، وانسداد المحادثات مع الولايات المتحدة. كما أن عداءه لإسرائيل سيزيد دون شك من خطر اندلاع مواجهة مباشرة أو عبر حزب الله، مما سيؤدي إلى تفاقم الوضع المأساوي أصلا للفلسطينيين، والذين لا يبدو أنهم يمثلون أولوية لهذه الفصائل الإسلامية.

ولتجنب انتخاب هذه الشخصية الراديكالية التي يمكن أن تتسبب في انتفاضات أكثر عنفا وتهمش إيران من جديد في مواجهة السعودية، يدعو جزء من الصحافة المحافظة جميع المرشحين المحافظين، بمن فيهم مصطفى بور - محمدي، وهو عضو في الهيئة الدينية كان نشطا في القمع في السابق لكنه يعتبر “معتدلاً”، للالتفاف حول محمد باقر قاليباف، الذي أعيد انتخابه مؤخّراً رئيساً للبرلمان، بدعم من جزء من النواب الأكثر راديكالية.

يتباهى هذا الجنرال السابق في الحرس الثوري، والوفي للمرشد والذي يتمتع بدعم شعبي حقيقي للبراغماتية التي أظهرها عندما أعاد تنظيم الشرطة الوطنية أو قاد بلدية طهران أيضا، يتباهى بأنه هو الذي أطلق برنامج الصواريخ الوطني بشكل حاسم. وبعد أن أصبح أستاذاً للجغرافيا في جامعة طهران، وصف نفسه بأنه “رضا شاه إسلامي”، وهو يصف نفسه اليوم بأنه “محافظ جديد”، متمسك بالإسلام القومي، وله من القوة ما يكفي لإيجاد تسويات مع الدول المجاورة وحتى مع الولايات المتحدة لرفع العقوبات الاقتصادية. ويُنتظر في حالة حصول نسبة مشاركة منخفضة في الانتخابات أن يكون قاليباف المرشح الأوفر حظًا، حيث سيُنتخب في الجولة الأولى بدعم من الذين يرون أنه أهون الشرور، على الرغم من الاتهامات بالفساد التي تطاله، وسلوكه التسلطي غالباً.

مهمة المرشح الوحيد للإصلاحيين ليست سهلة. فبعد أن أعلن وفاءه للمرشد وزيارته لآيات الله العظمى في قم لإظهار رغبته في الجمع بين الناس، سرعان ما ظهر كمرشح مناضل يحمل أفكاراً واضحة لصالح الانفتاح الدولي الذي يطالب به. يمكن أن تؤدي المشاركة الجد نشطة والتي تحظى بتغطية إعلامية مهمة لجواد ظريف، وزير الخارجية السابق ومهندس خطة العمل الشاملة المشتركة، إلى إيقاظ الآراء الانهزامية والممتنعين عن التصويت وإحباط التوقعات التي كانت ترى في هذه الانتخابات مجرد إجراء إداري شكلي داخل السلطة الدينية التي يسيطر عليها المرشد الأعلى. فهو يذكّر بالحماسة التي أثارها النجاح الدبلوماسي في 2015 وآفاق التشغيل والازدهار والانفتاح السياسي والثقافي التي وفرتها خطة العمل المشتركة الشاملة، والتي وافقت حكومة رئيسي في الأخير على إعادة التفاوض بشأنها، ولكن دون جدوى بسبب الصراعات الداخلية مع الفصائل الأكثر تشدّداً. وبالتالي، قد يسمح انتخاب بيشيكيان بالاشتراك مع ظريف بحلّ الانسدادات وإضفاء نسبية على الانفتاح على الصين وروسيا الذي يدعمه المحافظون، ولكنه لا يحظى بتأييد جماهيري. لكن هل ستكون مثل هذه الآمال والخطب كافية لكسب ملايين الأصوات في 28 يونيو/ حزيران؟ قد يبدو الأمر بعيد المنال.

نقاط استفهام حول الدور الثاني المحتمل

أكد استطلاع أجرته وكالة أنباء الطلبة الإيرانية أن الناخبين يركزون دعمهم بالتساوي تقريبا بين المرشحين الثلاث الرئيسيين: جليلي 26,2%، بيشيكيان 19,8%، قاليباف 19%، وهذا يمهد الطريق لجولة ثانية محتملة في 5 يوليو/تموز بين المرشحين الأولين، مما لا يسمح بالحسم حول نتيجة الانتخابات. وإذا واجه جليلي قاليباف، يمكن أن نتصور أن “الأغلبية الصامتة” الوفية للإسلام والراغبة في السلم الاجتماعي ستُفضل البراغماتية السلطوية لرئيس بلدية طهران السابق الذي أكد على الدوام ولاءه للمعسكر المحافظ، على إيديولوجي مقرّب بصفة مفرطة من المؤسسة الدينية.

وإن واجه بيشيكيان جليلي، يمكن أن نفترض أن كل شبكة نفوذ الدولة ورجال الدين والقوميين المحافظين المعادين بشكل عميق للنفوذ الأمريكي - الغربي سوف يدعمون جليلي. في المقابل فإن المرشح الإصلاحي غير متأكد على الإطلاق من قدرته على تعبئة الممتنعين المحبطين ولا نشطاء حركة “امرأة، حياة، حرية”. في هذه الحالة ستكون نتيجة التصويت بين أيدي منتخبي قاليباف والحرس الثوري، الذين يرون أن تهميش المنظرين الإيديولوجيين لرجال الدين أمر ضروري لضمان بقاء النظام الإسلامي.

وإذا واجه قاليباف بيشيكيان فإن فوز هذا الأخير مرتبط فقط بوجود موجة عارمة من التصويت من قبل “أنصار الانفتاح”، ولكن أيضا من قبل السكان المفقرين والمهمشين في الضواحي والذين قمعت انتفاضتهم بعنف في 2019.

ماذا عن المرشد؟

من العادي القول إن المرشد الأعلى هو من يتحكم في كامل الحياة السياسية الإيرانية، ويقرّر في كل شيء مع مستشاريه الكثُر. لكن هذا التحليل التبسيطي لن يكون صالحاً في حال وفاة علي خامنئي البالغ من العمر 85 عاما، وسيُلاحظ عندها بأنه كان آخر مرشد أعلى للجمهورية الإسلامية. بالفعل، لم يعد يوجد في إيران رجل دين يتمتع بخبرته وسلطته لفرض إرادته على سديم ديني وثوري واقتصادي، قسمته 45 سنة من السلطة. ولا يهم آنذاك الاسم الذي سيختاره مجلس الخبراء، لأن رئيس الجمهورية الجديد الذي سينتخبه الإيرانيون سيكون حينها السياسي الوحيد الذي يتمتع بحد أدنى من الشرعية لقيادة البلاد.