قبل عام ونيف، في 21 سبتمبر/أيلول 2023، نسب موقع Le360.ma المغربي، المقرّب من القصر والمعروف بمقالاته التشهيرية، علاقة مثليّة مزعومة إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وشكّك أيضا في “الهوية الجنسية” لزوجته بريجيت ماكرون.
وقد كانت الأزمة بين باريس والرباط بدأت في يوليو/تموز 2021، عندما اتهمت مجموعة من وسائل الإعلام الدولية في تحقيق لها، المخابرات المغربية باستخدام برنامج “بيغاسوس” الإسرائيلي للتجسس على هاتف الرئيس ماكرون، من بين هواتف محمولة أخرى. وهكذا دخلت العلاقة بين البلدين، التي عُرفت تاريخيا بكونها ممتازة، فترة من البرودة القطبية استمرت لثلاث سنوات.
حاشية جلالته
في 30 يوليو/تموز 2024، لم يتطلب الأمر سوى جملة قصيرة من الرئيس الفرنسي لدعم “سيادة المغرب” على الصحراء الغربية، في إطار مشروع الحكم الذاتي الذي اقترحته المملكة بالفعل، ليصبح عدو البارحة ضيف المغرب المميز اليوم. وخلال زيارته الرسمية التي جرت نهاية أكتوبر/تشرين الأول، استقبلت المملكة إيمانويل ماكرون بكامل هيلمانها. وقد رافق الرئيس الفرنسي وفد كبير من الوزراء ورجال الأعمال والمثقفين والإعلاميين، من بينهم حاشية جلالة الملك الأبدية: الممثل الكوميدي جمال دبوز، والروائية ليلى سليماني، والكاتب الطاهر بن جلون، والفيلسوف برنار هنري ليفي، وحتى جاك لانغ، الرئيس الأبدي لمعهد العالم العربي. من جانبه، بدا الملك وهناً للغاية، يتكئ على عصاه ويمشي بصعوبة، ما أثار للمرة الألف الجدل حول حالته الصحية.
ولئن اعتبرت وسائل الإعلام الفرنسية والمغربية تغيّر الموقف الفرنسي بمثابة انتصار دبلوماسي للملك، فيجب التنويه إلى أن تأثيره على قضية الصحراء الغربية يظل محدودا للغاية، وذلك لسبب وجيه: فمنظمة الأمم المتحدة هي التي تتولى مسؤولية هذا الملف منذ عام 1991، وقد قامت للتو بتمديد ولاية بعثة الأمم المتحدة لتنظيم الاستفتاء في الصحراء الغربية (مينورسو) لمدة عام واحد. ما يعني استمرار الوضع الراهن إلى أجل غير مسمى.
في المقابل، تم توقيع عقود بقيمة 10 مليار أورو بين فرنسا والمغرب، والتي كانت بلا شكّ شرطًا ماليًّا لطي صفحة حادثة “بيغاسوس”، رغم كون المملكة لا تزال تنكر تورطها في هذه القضية.
تُذكّرنا هذه الصفقة بأخرى أُبرمت قبل 19 عاما. ففي 13 ديسمبر/كانون الأول 2005، خلال زيارة الملك محمد السادس إلى باريس، أعرب الأخير لجاك شيراك عن اهتمامه بطائرات ميراج 2000 الفرنسية المقاتلة. لكن بعد عامين، غيّر الملك رأيه وفضّل طائرات إف-16 الأمريكية. ما لم يرق لنيكولا ساركوزي، الذي كان قد أصبح رئيسا للجمهورية الفرنسية في الأثناء، والذي أقسم أمام العاملين معه بأن قدماه “لن تطآ المغرب” ما لم تكن هناك عقود للتوقيع بين البلدين. وفي الأول من فبراير/شباط 2010، زار ساركوزي المملكة لتوقيع عقد تشييد خط القطار فائق السرعة الذي يصل بين طنجة (شمال) والدار البيضاء (320 كيلومترا)، والذي مُنح باتفاق متبادل لمجموعة “ألستوم” الفرنسية، دون طرح عطاءات، ودون المرور بالبرلمان المغربي كما يتطلبه دستور المملكة، وذلك رغم تكلفة المشروع الخيالية: 3 مليارات يورو مدفوعة على أقساط في شكل قروض.
احتجاجات أمام القنصليات الفرنسية
بسبب تطبيع المغرب مع إسرائيل في ديسمبر/كانون الأول 2020، لم يتردد الرئيس الفرنسي، خلال كلمته أمام البرلمان المغربي، في تناول الأحداث الدامية في غزة. وإلى جانب قضية الصحراء الغربية، فإن القضية الفلسطينية هي بلا شك القضية الأكثر أهمية بالنسبة للمغاربة. فكل أسبوع، يتظاهر آلاف الأشخاص في المدن الكبرى في جميع أنحاء البلاد دعمًا لغزة، ولكن أيضًا للمطالبة بإنهاء تطبيع العلاقات مع دولة إسرائيل. أهو جهل أم تجاهل لهذا الواقع السياسي والتاريخي؟ في جميع الأحوال، أعاد الرئيس الفرنسي التأكيد أمام النواب على “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها” وأعلن:
شكّلت أحداث 7 أكتوبر 2023 هجومًا همجيًا فظيعًا بشكل خاص، ارتكبته حماس ضد إسرائيل وشعبها. ولإسرائيل الحق في الدفاع عن شعبها ضد تهديد كهذا. لقد فقدت فرنسا يومها 48 من أبنائها، ولا يزال اثنان من مواطنينا من بين الرهائن المحتجزين في غزة. ولكن لا شيء يمكن أن يبرر الخسائر البشرية الكارثية في غزة والمعاناة التي يعيشها السكان المدنيون. ولهذا السبب، يجب أن يكون هناك وقف لإطلاق النار في غزة.
كانت هذه العبارات كافية لإثارة ردود فعل قوية من قبل بعض الأحزاب السياسية وجزء من السكان، المعاديين بشكل أساسي لموقف فرنسا منذ بداية هذه الحرب. وبعد ساعات فقط من خطاب ماكرون، تظاهر مئات المغاربة أمام القنصلية الفرنسية في طنجة وشفشاون، شمال البلاد. وفي الدار البيضاء، أكبر مدن المغرب، فرّقت الشرطة تجمّعاً كبيراً أمام القنصلية الفرنسية. وردّد المتظاهرون الغاضبون شعارات مثل “فرنسا عدو الشعب الفلسطيني” و“المقاومة ليست إرهاباً” و“ماكرون كاذب”.
“حماس حركة مقاومة”
هذه التصريحات التي أدلى بها الرئيس الفرنسي تغذي الانتقادات القوية بالفعل وسط المجتمع المدني المغربي ضد باريس. وفي رسالة موجهة إلى الرئيس الفرنسي في 27 أكتوبر/تشرين الأول، أي عشية وصوله إلى المغرب، طلبت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، وهي أكبر منظمة غير حكومية في البلاد، من فرنسا “التوقف عن دعمها السياسي والعسكري والاستخباراتي للكيان الصهيوني، الذي يمارس سياسة الإبادة بحق الشعب الفلسطيني المقاوم”.
لكن يبقى رد الفعل الأكثر بروزاً - والأكثر انتهازية - هو رد فعل إسلاميي حزب العدالة والتنمية، والحال أن زعيم الحزب السابق سعد الدين العثماني، الذي كان رئيساً للحكومة في 2020، هو من وقّع على اتفاقيات التطبيع بين الرباط وتل أبيب. لكن في رسالة مفتوحة إلى إيمانويل ماكرون، أعرب حزب العدالة والتنمية عن “استغرابه الشديد” من خطاب الرئيس الفرنسي بشأن “حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل في غزة”:
حماس، ومثل حركة التحرير الوطني في المغرب، والقوات الفرنسية الحرة في فرنسا، وجبهة التحرير الوطني في الجزائر، والعديد من حركات التحرير في العالم… كانت وستظل حركة مقاومة تمارس حقها المشروع والذي يقره القانون الدولي لجميع الشعوب للدفاع عن نفسها وأرضها ضد الاحتلال والإبادة.
وعلى الجانب الآخر من الطيف السياسي، يرى حزب فدرالية اليسار الديمقراطي (والذي يمثل معارضة شديدة الأقلية في البرلمان) في بيان له أن خطاب إيمانويل ماكرون “يكشف عن النفاق الصارخ للدولة الفرنسية التي تدعي الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان بينما تستمر في دعم وتسليح الكيان الصهيوني الذي يمارس أبشع أنواع الإرهاب والجرائم ضد الشعب الفلسطيني”. وهكذا تستمر الفجوة بين السلطة السياسية، المنخرطة بشكل كبير في عملية التطبيع مع تل أبيب، وبين جزء كبير من المجتمع المغربي، في الاتساع.
انتهت زيارة إيمانويل ماكرون الرسمية باعتقال الناشط الحقوقي وعالم الاقتصاد الشهير فؤاد عبد المومني، في 29 تشرين الأول/أكتوبر، بعد دقائق قليلة من إقلاع الطائرة الرئاسية إلى باريس. وقد تم اعتقال عبد المومني في الشارع، بمدينة تِمارة، بالقرب من الرباط، بينما كان على وشك ركوب سيارته، واتُهم بـ “الإبلاغ عن جريمة وهمية يعرف بعدم وجودها” و“نشر العديد من المعلومات الكاذبة”، وذلك بعد أن نشر على صفحته على موقع فيسبوك منشوراً يصف فيه المغرب بالـ“دولة السقيمة”، التي لا تزال متورطة في قضية “بيغاسوس”. وتم وضعه رهن الاحتجاز لدى الشرطة في الدار البيضاء، ثم أُطلق سراحه بعد يومين بعد تعبئة إعلامية قوية. لكن لم يتم إسقاط التهم وتمت مصادرة هاتفه الخلوي.