إسرائيل، غزة ورِهانات دونالد ترامب

تشير مصادر عديدة إلى أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فرض على الإسرائيليين وقف إطلاق النار مقابل “هدايا” مميزة تمنحها الإدارة الأمريكية الجديدة لإسرائيل. بينما يحيط ترامب، بطل الدبلوماسية “غير التقليدية”، نفسه بفريق عمل متناغم أكثر من أي وقت مضى مع سياسة اليمين الإسرائيلي المتطرف. وماذا عن الفلسطينيين في كل هذا؟ أي فلسطينيين؟

تظهر في الصورة جزء من شخص يرتدي بدلة زرقاء وقميص أبيض مع ربطة عنق حمراء. وقفت الكاميرا بالقرب من الشخص مما يبرز الفم والرقبة، ويظهر أيضًا الميكروفون الذي يتحدث من خلاله. الخلفية زرقاء، مما يشير إلى أن الحدث قد يتم في مكان خارجي.
سوانانوا، كارولاينا الشمالية، 21 تشرين الأول/أكتوبر 2024. يخاطب الرئيس الأمريكي وسائل الإعلام في كارولاينا الشمالية.
جيم واطسون/ وكالة فرانس برس.

في الحروب التي تخوضها إسرائيل من حولها، وخاصة في غزة، لا يمكن الاعتماد على أي توقعات، خاصة وأن التغيرات التي حدثت في المنطقة منذ السابع من أكتوبر، وطبيعة القادة السياسيين الذين يدخلون البيت الأبيض في 20 كانون الثاني/يناير، تجعل أي تنبؤ تخميني وغير مؤكد.

من كان ليعتقد أنه حتى قبل عودته إلى السلطة، سينشر دونالد ترامب على منصته الإلكترونية ”تروث سوشيال“ (“شبكة الحقيقة” بالعربية) في 9 يناير/كانون الثاني، مقطع فيديو للاقتصادي الأمريكي المعروف جيفري ساكس يصف فيه بنيامين نتنياهو على أنه داعية حرب قهري “متلاعب” و“ابن عاهرة” يجب على ترامب الحذر منه تماماً إذا أراد حماية أمريكا؟ في اليوم التالي، أشاد ترامب نفسه علناً برئيس الوزراء الإسرائيلي، وبعد ثلاثة أيام، تجدد الخلاف بين الرجلين، قبل أن يذعن نتنياهو لمطالب دونالد.

نعرف منذ زمن طويل، وقد أثبتت الحرب في غزة ذلك مرة أخرى، أن العلاقة الأميركية الإسرائيلية “حميمة”. بالرغم من ذلك، فإن التوتر بين نتنياهو وترامب كان متجليا في الآونة الأخيرة. يبدو أن المفاوضات حول إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين، مصحوبة بانسحاب القوات الإسرائيلية، تمت على أساسٍ كان قد رفضه نتنياهو بشكل منهجي لمدة 14 شهرًا، ويهدد يمينه المتطرف بالانسحاب من حكومته إذا امتثل لمطالب دونالد. وقد أرجأت الحكومة الإسرائيلية حتى الجمعة 17 يناير/كانون الثاني عقد اجتماع للمصادقة على اتفاق وقف إطلاق النار. لكن من الواضح أن ترامب كان يريد بشدة توقيع اتفاق بين إسرائيل وحماس قبل توليه منصب الرئاسة.

وقد قبل نتنياهو بشكلٍ مسبق، للمرة الأولى منذ تشرين الثاني/نوفمبر 2023، باتفاق إطلاق سراح الرهائن فرضته الولايات المتحدة من الخارج. لكن قبل المواجهة بينه وبين ترامب، كانت الطبقة السياسية الإسرائيلية ومجمّعها الصناعي-العسكري قد غرقت في مستوى من غطرسة القدرة المطلقة لم يسبق لها مثيل في بلادهم. تنتهج إسرائيل سياسة الأمر الواقع، وهي غالباً ما تخفي أهدافها، ولكنها أحياناً تكشفها بوضوح. كان هذا هو حال “خطة الجنرالات” لما ستؤول إليه غزة، التي وُضعت في تشرين الأول/أكتوبر 2024، والتي تقدمت بخطى سريعة حتى اليوم، مع التدمير شبه الكامل للبنايات في شمال القطاع كله، والطرد القسري لعدة مئات الآلاف من سكانه وفرض مجاعة منظمة… دون أن يُعرف ما إذا كانت هذه الإبادة الجماعية نتيجتها إنشاء منطقة عازلة عسكرية واسعة فحسب، أو، كما يطالب الكثيرون بذلك في إسرائيل، سينتقل إليها مستوطنون جدد.

هل يعني التوقيع على وقف إطلاق النار في غزة بين إسرائيل وحماس انسحاب الأولى من كامل أراضي القطاع؟ هذا أمر صعب الاحتمال، فلم يفصح نتنياهو عن نواياه حول عمّا سيفعله بالضبط بعد انتهاء الحرب. في 11 كانون الأول/ديسمبر 2024، نشر المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية خريطة المشروع الإسرائيلي لتقسيم قطاع غزة إلى خمس مناطق منفصلة بإحكام يسيطر عليها الجيش1. ما الذي سيبقى منه بعد التوصل إلى وقف إطلاق النار؟ وبما أن اتفاق وقف إطلاق النار يعني عودة سكان غزة إلى شمال القطاع، فما هي المساحة التي ستطالب إسرائيل بالاحتفاظ بالسيطرة عليها؟

الفرح والتسويق

من السهل أن نفهم مظاهرات فرح الفلسطينيين بعد إعلان الاتفاق على وقف إطلاق النار، وهم يغنون “النصر” على أنقاض غزة، بعد 468 يومًا من المجازر المروعة والدمار. في المقابل نلاحظ أنه، على الجانب الإسرائيلي، كانت ردود فعل عائلات الرهائن أكثر تحفظًا بكثير، لأنهم تعلموا الخوف من دناءة تصرفات نتنياهو. وكذلك لكون شروط تنفيذ إطلاق سراح هؤلاء وأولئك تظل غير مؤكدة. فهي عملية بطيئة ومتعرجة على ثلاث مراحل، من المنتظر أن تدوم لمدة تقرب من ثلاثة أشهر على الأقل إذا لم تحدث أي عقبات. ولم يتم تحديد مدة المرحلة الأخيرة بعد، وهي مرحلة تبادل جثث الإسرائيليين والفلسطينيين الذين ماتوا في رعاية المعسكر المقابل، ولكن يفترض أن تكون قصيرة... بشرط أن تسير الأمور على ما يرام قبل ذلك. كما أن الاتفاق لم يحدد عدد الأشخاص الذين سيتم تبادلهم خلال المرحلة الثانية.

فضلًا عن ذلك، لا تزال الصعوبات في تطبيق الاتفاق كثيرة ومتشعبة، فيمَا يتعلق بوتيرة انسحاب القوات الإسرائيلية ودخول المساعدات الإنسانية إلى غزة، بالإضافة إلى ضرورة بناء المساكن المؤقتة الأولى للفلسطينيين الخ... هنا يُطرح سؤال مهم: هل تسمح إسرائيل لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأوسط (الأونروا) بالعودة إلى غزة؟ هذه مسألة في غاية الأهمية، نظرًا لأن هذه الهيئة الأممية هي الوحيدة التي تملك اللوجستيات اللازمة للاستجابة للمأساة اليومية لسكان غزة. ولكن يبدو أن الاتفاق لم يتناول هذه النقطة، في حين أقر البرلمان الإسرائيلي قانونًا يحظر على ممثلي الوكالة الأممية القيام بأي نشاط في الميدان. وأخيرًا، فإن حاشية نتنياهو، التي اضطرت للقبول بالاتفاق تحت الضغط، تطلق نَغْمَة مفادها أن الاتفاق لن يتجاوز مرحلته الأولى، وأن الحرب ستُستأنف...

وللأسف، ستبقى أهم نقاط الموضوع مخفية بلا شك. ففي حين تُطرح تساؤلات حول تنفيذ وقف إطلاق النار، فإن الأمور السياسية الجانبية لـ“الصفقة” ستظل غير واضحة إلى حد كبير. لكن المعلومات الأولى التي بدأت تتسرب تبعث على القلق الشديد، ففي 14 كانون الثاني/يناير، كشفت صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية اليومية أن الصفقة المبرمة مع نتنياهو تتلخص في فكرة رئيسة هي إجبار إسرائيل على أن تتخلى عن طموحاتها في قطاع غزة، وستحصل في المقابل على “حقيبة من الهدايا” يصعب رفضها. وعلى وجه الخصوص نذكر منها:

 سيكون لإسرائيل الحق في إنهاء وقف إطلاق النار إن رأت ضرورة لذلك ;

 ستستفيد إسرائيل من الموافقة الأمريكية على إطلاق أشغال بناء“واسعة النطاق” في الضفة الغربية ;

 سيرمي البيت الأبيض بكل ثقله لإلغاء العقوبات التي سبق أن فرضتها إدارة بايدن على بعض المستوطنين الذين ارتكبوا أعمالًا إجرامية، وسيشنّ معركة دولية ضد محكمتي الأمم المتحدة اللتين أطلقتا تحقيقات أو ملاحقات قضائية ضد إسرائيل؛ ولا سيما ضد بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت، الذين أصدرت المحكمة الجنائية الدولية بحقهما مذكرات اعتقال بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

يكمن رِّهان هذه المقترحات الأساسيّ في الضفة الغربية، لأن ترامب يعرض على الإسرائيليين إمكانية تحقيق الطموح المحبب لديهم أكثر من أي شيء آخر -أكثر من غزة، أو من الأراضي اللبنانية جَنُوب نهر الليطاني، أو من جبل الشيخ، أو من صحراء سيناء التي احتلوها فعليًا عدة مرات في الماضي- هي الضفة الغربية، تلك الأرض الفلسطينية التي ترى إسرائيل في كل شبر منها الماضي التوراتي، والتي تريد ضمها في أقرب وقت ممكن. وقد جعل ترامب نتنياهو ينحني عندما وعده بها.

مخاوف الفلسطينيين الكبيرة

وفي هذا الجزء من الأراضي الفلسطينية المحتلة، يواصل الجيش والمستوطنون عملية قمع مميتة، يدًا بيد وبنشاط. في 8 كانون الثاني/يناير، نشرت صحيفة “هآرتس” افتتاحية بعنوان “إسرائيل تريد تحويل الضفة الغربية إلى أطلال، كما هو الحال في غزة”. في اليوم السابق، أعرب بتسلئيل سموتريتش، الوزير المسؤول عن الإدارة المدنية للضفة الغربية المجاهر بإيمانه المسيحياني، عن رغبته في رؤية عملية عسكرية واسعة النطاق هناك بهدف “تدمير مخيمات اللاجئين في يهودا والسامرة، في طولكرم وجنين ونابلس وفي أي مكان يهدِّد السكان الإسرائيليين”. وتشير الصحيفة إلى هذا يشمل كل شيء.

تتصور معاهد البحث الفلسطينية في القدس ورام الله فعلًا سيناريوهات تتضمن طرد مئات الآلاف من الفلسطينيين بجعلهم يعبرون نهر الأرْدُنّ. (…) إن تجريد إسرائيل هيئات الأمم المتحدة، ولا سيما الأونروا، من الشرعية، سيؤدي إلى انهيار قضية اللاجئين. كما أن التطبيع التدريجي بين إسرائيل ودول عربية أخرى، مثل المملكة العربية السُّعُودية، سيؤدي إلى عزل الفلسطينيين تمامًا.2

ذلك هو الخوف الذي يعبَّر الأغلبية عنه في الجانب الفلسطيني، ويجب أن يُؤخذ على محمل الجد. فالجناح الأكثر تطرفًا في الصهيونية المسيحانية، وبدعم واسع من الرأي العام الإسرائيلي، يدعو يوميًا إلى تنفيذ نكبة جديدة في الضفة الغربية. في 3 يناير/كانون الثاني، دعا ثمانية برلمانيين إسرائيليين يمثلون أربعة أحزاب يمينية، بما في ذلك حزب الليكود، الحكومة إلى “تدمير جميع موارد الغذاء والطاقة في غزة”.3. ويمكن لإسرائيل أن تباشر في القيام بذلك في أول فرصة تناسبها. في 7 كانون الثاني/يناير 2025، قال بتسلئيل سموتريتش، بعد هجوم دامٍ نفذه فلسطينيون على حافلة مستوطنين : “يجب أن ننتقل من الدفاع إلى الهجوم في الضفة الغربية.” وأوضح أنه وضع “خُطَّة” تجعل مدن “الفندق ونابلس وجنين الفلسطينية تشبه جباليا،“4 التي تمت تسويتها بالأرض شمال قطاع غزة. وها هو ترامب يعرض على الإسرائيليين، وفقا لدبلوماسية”الصفقات"، أن يفعلوا ما يحلو لهم في الضفة الغربية. فمن الذي يمكنه تقديم عرض أفضل من هذا؟

قرب من الساسة الإسرائيليين الأكثر عنصرية

بَنَى نتنياهو استراتيجيته الخاصة كُلََّها منتظرا عودة ترامب إلى السلطة. والآن قد زعزع دونالد استقراره ولو مؤقتًا، ولا يزال ترامب في بداية ولايته الجديدة. فهل يمكن أن نتخيل تحولا يصل إلى درجة أن تغير الإدارة الأميركية موقفها تجاه إسرائيل جذريًا، مما يؤدي إلى أزمة أعمق بكثير؟ لا يشارك هذا الرأي بيتر بينارت، مدير مجلة “جويش كورانت” (“تيارات يهودية” بالعربية)، وهو ناقد راديكالي لما آلت إليه دولة إسرائيل وسياساتها. في نهاية تشرين الثاني/نوفمبر 2024، رد مسبقًا على أولئك الذين يعتقدون أن ترامب يمكن أن يأخذ قرارات مفاجئة:

سيكون ترامب قادرا على انتقاد نتنياهو خلال ولايته الثانية، كما في ولايته الأولى، ولكن نظرًا لجهله وكسله وعدم كفاءته، فإن مستشاريه سيناورون [في كل مرة] لضمان أن تكون إسرائيل طليقة اليدين.5

في واقع الأمر، نعلم أن ترامب أعرب عن شكواه وكانت له خلافات مع نتنياهو في نهاية ولايته الأولى. لكن في كل مرة، كان الأخير يحصل على ما يريده، معتمدًا على الأفراد الذين أحاط دونالد نفسه بهم بخصوص الشرق الأوسط. ولا يترك أحد -من الذين عينتهم الإدارة الجديدة- مجالًا للتفاؤل هذه المرة أيضا. كانت إدارة بايدن تتألف من مؤيدين لإسرائيل بشكل غير مشروط وبعض المؤيدين المترددين بتواضع، انصاع جميعهم بلا تردد للرغبات الإسرائيلية. ولكن لم يحدث من قبل أن كانت إدارة أميركية قريبة إلى هذا الحد من التيار الأكثر عنصرية واستعمارًا في الطيف السياسي الإسرائيلي. وتزايد عدد الإنجيليين من بين المُعينَين لإدارة مِلَفّ الشرق الأوسط بشكل كبير، فعلى سبيل المثال، من المتوقع أن يتوافق السفير الأميركي الجديد لدى إسرائيل مايك هاكابي جيدا مع نظيره الإسرائيلي في واشنطن، يحيئيل لايتر، المستوطن المتشبع بالأيديولوجية المسيحانية الذي عيّنه نتنياهو.

فريق العجائب

ماركو روبيو، وزير الخارجية. سيناتور من فلوريدا ومؤيد غير مشروط لإسرائيل، من دعاة “السلام بالقوة”. أعلن أن “حق إسرائيل في وطنها التاريخي مشروع”، وقارن حرب إسرائيل على غزة بمطاردة أدولف هتلر.

بيت هيجسيث، وزير الدفاع. من قدامى المحاربين في حروب العراق وأفغانستان، ثم أصبح مقدم برامج بارز على قناة فوكس نيوز، وقاد من خلالها حملة للتنديد بـ “المعلومات الكاذبة” التي تحدثت عن الضحايا الفلسطينيين في غزة.

مايكل والتز، وزير الأمن القومي. دعا إسرائيل علنًا إلى “إنهاء العمل” في غزة. وفي أكتوبر/تشرين الأول 2024، أوصاها بضرب جزيرة خرج مركز صادرات النفط الإيرانية.

ستيفن ميلر، نائب رئيس هيئة موظفي ترامب. متعصب معادٍ للمهاجرين، وهو مقرب من المنظمة الصهيونية الأمريكية (ZOA)، التي تدعو إلى طرد جميع الفلسطينيين بين البحر ونهر الأرْدُنّ. في عام 2017، صاغ الأمر التنفيذي الذي أصدره دونالد ترامب بتعليق دخول مواطني ست دول مسلمة إلى الولايات المتحدة.

إليز ستيفانيك، ممثلة في الأمم المتحدة. بَنَت مسيرتها المهنيّة في القطاع العمومي على الدفاع المطلق عن إسرائيل كما قادت الحملة الأمريكية لتشويه دور وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا).

كريستي نويم، وزيرة الأمن الداخلي. حين كانت حاكمة لولاية داكوتا الجنوبية، كانت من أبرز المؤيدين لـ“المعنى الجديد لمعاداة السامية” الذي يسمح باتهام أي شخص ينتقد إسرائيل بمعاداة السامية.

مايك هاكابي، السفير الأمريكي لدى إسرائيل. صرح هذا القس الإنجيلي السابق، الذي أصبح حاكمًا لولاية أركنساس، عدة مرات أنه “لا يوجد فلسطينيون” وأن الضفة الغربية “هي يهودا والسامرة، وهي جزء لا يتجزأ من إسرائيل”. واقترح أن تقدم السُّعُودية ومصر جزءَا من أراضيهما الشاسعة الفارغة للاستيطان الفلسطيني.

آدم بوهلر، المبعوث لشؤون الرهائن. صديق شخصي لجاريد كوشنر، صهر دونالد ترامب ومهندس اتفاقيات إبراهيم.

سيباستيان غوركا، نائب مستشار الرئيس. من أشد المعجبين بإسرائيل، أُتهم في عدة مناسبات بالارتباط باليمين المتطرف المجري المعادي للسامية.

ستيفن ويتكوف، مبعوث خاص للشرق الأوسط. مطور عقاري، من كبار المتبرعين لكل من ترامب والدولة الإسرائيلية. شريك مفضل للرئيس ترامب في لُعْبَة الغولف.

مورغان أورتاغوس، نائبة مبعوثة خاصة للسلام في الشرق الأوسط. مؤيدة غير مشروطة لإسرائيل، نشأت في عائلة إنجيلية قبل أن تعتنق اليهودية.

الأولويات الأميركية في الشرق الأوسط

تأتي عودة دونالد ترامب إلى السلطة في ظرف لم تبلغ فيه القضية الفلسطينية هذا الحد من اليأس منذ عام 1948. فإذا كانت حماس قد وضعت في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 القضية الفلسطينية في قلب قضايا الشرق الأوسط، فإن نتنياهو نجح في إعادة خلط الأوراق في فلسطين والمنطقة بطريقة مذهلة، من خلال تدمير غزة وإضعاف إيران وحزب الله - وبالتالي الدفع، دون قصد، إلى سقوط نظام بشار الأسد و استيلاء جماعة منبثقة عن تيار جهادي، هي هيئة تحرير الشام، على السلطة في سوريا. أما في الولايات المتحدة، فيرى محمد صالح، الباحث في معهد أبحاث السياسة الخارجية، أن إدارة دونالد ترامب الجديدة ستضطر، في مواجهة المنافسة المتزايدة مع الصين، “إلى تعزيز تحالفاتها لإعادة مواءمة المنطقة مع الأولويات الأمريكية”6، على نقيض ميول مؤيديها الانعزاليين إلى عدم التدخل.

فما هي هذه “الأولويات”؟ إذا كان ترامب، كما يفكر صالح، يعتزم التوصل سريعا إلى اتفاق مع إيران بشأن النووي، يمكن أن يقدمه على أنه “أفضل” من اتفاق 2015 الشهير، الذي سحب منه التوقيع الأميركي في 2019، فقد يدخل في صراع صعب مع حليفه الرئيسي إسرائيل. ويشير أيضاً إلى أن فكرة شن هجوم إسرائيلي على إيران لا تفتقر إلى الدعم بين حاشية ترامب. وكتب محمد صالح قائلاً: “قد يشعر نتنياهو بتشجيع لشن ضربة شاملة ضد إيران قبل 20 كانون الثاني/يناير أو بعده بفترة وجيزة.”

ولتفادي هذا الاحتمال القاتم، يرى الباحث أنه على ترامب العمل على إحياء اتفاقيات إبراهيم التي وقعتها إسرائيل مع الإمارات العربية المتحدة والبحرين والمغرب في عام 2020، وخاصة اتفاقية الدفاع الثلاثية المقترحة بين الولايات المتحدة وإسرائيل والمملكة العربية السعودية، والتي أعلن نتنياهو قبيل هجوم 7 أكتوبر أنها ستضع حداً نهائياً للمشكلة الفلسطينية7. ولسوء حظ رئيس الوزراء الإسرائيلي، فإن حماس أعادت فلسطين في ذلك اليوم إلى صدارة القضايا الدولية. والآن بعد حرب غزة، يواجه مثل هذا المشروع “عقبات كبيرة. (...) إذا ثبت أن التوصل إلى اتفاق إسرائيلي-سعودي أمر مستحيل، خاصة بسبب التعنت الإسرائيلي في التعامل مع القضية الفلسطينية، فإن اتفاقاً أمنياً ثنائياً بين السعودية والولايات المتحدة قد يكون البديل الأكثر موثوقية”، دون أن يكون لها البعد الرمزي الذي حلم به الأميركيون سابقاً.

ويبحث “خبراء” أميركيون آخرون عن مسارات أكثر طموحا لواشنطن. قالت سوزان مالوني، المتخصصة في شؤون الشرق الأوسط ومديرة برنامج السياسة الخارجية في معهد بروكينغز، إن إدارة ترامب “ستتبنى على الأرجح نهجا متساهلا تجاه الطموحات الإقليمية الإسرائيلية” وهو تكهن لا يمكن وصفه بـالجريء. وتضيف في مجلة الشؤون الخارجية، الجهاز الإعلامي غير الرسمي لـ“بلوب”- وهو مجتمع غير رسمي يجمع بين كبار المسؤولين في وزارتي الخارجية والدفاع، ومراكز الفكر المتخصصة و“المجمّع الصناعي العسكري”- أنه “من المرجح أن يكون نهج ترامب باعثا للفوضى، خاصة وأن عددًا من أهدافه لا يوافق بعضه البعض”. لكنها تستدرك قائلة بأن: “هذا هو الوقت المثالي للفوضى غير التقليدية وغير المتوقعة، التي يبدو أنها ستكون سيدة الموقف في رئاسة ترامب”، وهو الرجل الذي “تتلاءم طموحاته الكبرى ونهجه التعاملي في السياسة الخارجية بشكل مدهش مع الشرق الأوسط المعاصر” على حد تعبيرها. وأضافت: “هنا يمكن أن تكون تقلبات الرئيس وقسوته بمثابة ورقة لعب غير متوقعة” تسمح في النهاية بـ“صفقة القرن” التي حلم بها ترامب خلال رئاسته الأولى. وتعترف سوزان مالوني بأن “تحقيق هذا سيكون صعباً للغاية”، خاصة وأن “هذه المنطقة المتفجرة لا تفتقر إلى مثيري المشاكل”. لكنها تحاول الإيمان بأن كل شيء يصبح ممكنا إذا ما اصطفت النجوم.

تكشف هذه المقالات عن ميل متكرر لدى نخب “البلوب” إلى النظر إلى الشرق الأوسط بطريقة تتجنب الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي ل“الآخر”، من أجل البحث بشكل منهجي عن أفضل طريقة لفرض سلام أمريكي، ولا يهم ان تم ذلك بـ“التقلب والقسوة”. نعلم أن دونالد ترامب يمكن أن يكون “قاسياً” لكنه أيضًا براغماتي للغاية، فلا ننسى ذلك، كما يؤكد “الترامبولوجويون” (خبراء ترامب). ربما…ولكن في المقالين الطويلين المذكورين أعلاه، على سبيل المثال، لم يتم ذكر مصطلح “الدولة الفلسطينية” في أي مكان. لأن هناك حقيقة لا تقبل الجدل هي أنه لا يراهن أحد من هؤلاء الخبراء على إقامة دولة فلسطينية، ولا حتى على إخلاء الأراضي الفلسطينية المحتلة والمستعمرة منذ أكثر من 57 عاما من قبل إسرائيل. بعبارة أخرى، وعلى الرغم من “الرؤية غير التقليدية” لدونالد، وعلى الرغم من “طموحاته الكبرى” في “الوقت المثالي”، تبقى فكرة الحل مهيمنة كليا على ذهن هؤلاء الخبراء- حتى و إن لم تكن كاملة، تكون على الأقل جديرة بما يكفي لفتح طريق واقعي لإغلاق موضوع القضية الفلسطينية.

وسوف يستمر هؤلاء في بناء سبل ممكنة للخروج من “المأزق الإسرائيلي-الفلسطيني” في حين أنهم يدركون تماما أن ضغطا أميركيا قويا -مثل وقف جذري لإمدادات الأسلحة المجانية الضخمة لإسرائيل- هو الوحيد القادر على تحقيق نتائج ما، لكنهم يتظاهرون بغض النظر عن هذه النقطة. كما أنهم يعرفون، لو أنهم استخلصوا الدرس الذي أدى إلى حدوث 7 أكتوبر، أن القضية الفلسطينية ستظل جرحاً متقيحاً ما دمنا نحاول “حله” بفرض القوة وحدها. وبدلا من ذلك، فإنهم يفضلون دفن رؤوسهم في الرمال كالنعام. في النهاية، تبقى خيارات دونالد في تشكيل فريقه -الذي سيدير السياسة الأميركية في الشرق الأوسط- هي الحاسمة، وتكشف هذه الاختيارات عن أكثر بكثير من توقعات كافة الخبراء.

1هيوغ لوفات ومحمد شحادة، “التعامل مع ترامب وإسرائيل وحماس: الطريق إلى السلام في الشرق الأوسط”، انظر الخريطة تحت عنوان “تجزئة إسرائيل لغزة”، المركز الأوروبي للعلاقات الخارجية . الاتحاد الأوروبي ، 11 كانون الأول/ديسمبر.

2جاك الخوري، “يشتغل ترامب على حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني بمحو طموح الفلسطينيين”، هآرتس، 7 تشرين الثاني/نوفمبر 2024.

3نوح شبيغل، “مشرعون إسرائيليون يطالبون الجيش بتدمير منشآت المياه والطاقة والغذاء في غزة”، هآرتس، 3 كانون الثاني/يناير 2025.

4”إسرائيل تريد إحالة الضفة الغربية إلى غبار مثل ما فعلت بغزة“، هآرتس، 8 كانون الثاني/يناير 2025.

5بيتر بينارت، “غرائز ترامب تجاه إسرائيل لا تهم”، جويش كورانت، 26 تشرين الثاني/نوفمبر 2024.

6محمد أ. صالح، “بين النشاط والانعزالية، ما يمكن توقعه من سياسة ترامب الخارجية”، معهد أبحاث السياسة الخارجية، 15 كانون الأول/ديسمبر 2024.

7ومنذ ذلك الحين، أصبح هذا المشروع بمثابة اتفاق دفاعي أمريكي سعودي، مع احتمال اعتراف السعودية بإسرائيل.