حظر الإخوان المسلمين في الأردن

غالباً ما توصف المملكة الأردنية بأنها قطب استقرار في الشرق الأوسط: فهي حليف تاريخي للولايات المتحدة، وموقعة على اتفاقية سلام مع إسرائيل. لكن السلطة تواجه في الوقت نفسه معارضة قديمة متجذّرة إلى حد كبير في القضية الفلسطينية. ويؤكد حظر الإخوان المسلمين الذي أعلنته الحكومة في أبريل/نيسان 2025 أهمية الديناميكيات الإقليمية على السياسة الداخلية لمملكة مهووسة بدورها في الاستقرار الإقليمي.

تظهر الصورة مظاهرة حاشدة تحمل الأعلام واللافتات، تعبر عن دعم للقضية الفلسطينية.
عمان، 27 يناير/كانون الثاني 2023. متظاهرون يحملون الأعلام الوطنية والفلسطينية، بالإضافة إلى أعلام جماعة الإخوان المسلمين، خلال مظاهرة دعماً للفلسطينيين.
خليل المزرعاوي/ فرانس برس

في 23 أبريل/نيسان 2025، أعلن وزير الداخلية الأردني مازن الفراية حظر جميع أنشطة الإخوان المسلمين في البلاد. جاء هذا القرار في أعقاب تصريحات السلطات في الأسبوع السابق عن “مؤامرة” تم إحباطها بعد اعتقال 16 شخصاً كانوا يحضرون لعمليات إرهابية على الأراضي الأردنية. وإذا كانت الشرطة قد أكدت أن المشتبه بهم أعضاء في جماعة الإخوان المسلمين، فإن هؤلاء نفوا أي ضلوع لهم في المؤامرة المزعومة. ويُشتبه في أن الأفراد المعتقلين تدربوا في لبنان بالتنسيق مع أعضاء من “حماس”.

منذ الهجوم الإسرائيلي على غزة بعد 7 أكتوبر 2023، عززت الجماعة من ترسخها السياسي في البلاد. فقد تصدرت ذراعها السياسية، “جبهة العمل الإسلامي”، الانتخابات التشريعية لعام 2024، محرزة 20% من مقاعد البرلمان. هذا التقدم داخل الجسم الانتخابي يشهد على أهمية القضية الفلسطينية لدى جزء كبير من الأردنيين، الذي ينحدر أكثر من نصفهم من أصول فلسطينية، كما يُظهر استمرار قدرة التعبئة الخاصة بالحركات الإسلامية.

وإذا كانت القضية تبدو محسومة وتحيل إلى نقاش عالمي حول حظر الإخوان يتجاوز الأردن، بل والشرق الأوسط أيضاً، فإن الحالة الأردنية ملتبسة في الواقع. فحظر الحركة لا يعني حظر حزب ظل، كما هو الحال في أماكن أخرى من العالم العربي، يحافظ على علاقة منفصلة نسبيا مع الجماعة ذاتها. وتعتمد التداعيات طويلة المدى للقرار الأردني إذن على التعريف الذي تسنده له السلطات، سواء كان مقيداً أم على العكس موسعاً.

ولاء للنظام

تأسست جماعة الإخوان المسلمين في مصر عام 1928 على يد حسن البنا، وكانت في الأصل مؤسسة خيرية. تطورت تدريجياً إلى حزب، داعية إلى إيديولوجيا تجعل من الإسلام أساس نشاطها السياسي. وإذا كان إنشاؤها قد استجاب في البداية لمعايير داخلية للمجتمع المصري في فترة ما بين الحربين، فإن الحركة تطورت إقليمياً تحت تأثير مزدوج: من جهة النفي القسري لأعضائها نتيجة لقمع الرئيس المصري جمال عبد الناصر، ومن الأخرى عملية تسييس الطبقات الوسطى العربية، خاصة حول القضية الفلسطينية والنضال ضد الهيمنة الغربية. ثم انطلاقا من الخمسينيات، انتشرت الجماعة وترسخت في أطر وطنية مختلفة - خاصة فلسطين وسوريا والعراق واليمن.

أما في الأردن، فقد ترسخت الحركة منذ عام 1945. وتمحور تطورها في المجال السياسي أساساً حول القضية الفلسطينية. فالقضية تحتل مكانة مركزية في خطاب الإخوان الذين يربطون الدولة الإسرائيلية بالاستعمار الغربي الذي تندد به الحركة منذ بدايتها. وسمح طرد اللاجئين الفلسطينيين أثناء نكبة 1948 - ثم ضم الضفة الغربية عام 1950 من قبل الأردن - للجماعة بتوسيع قاعدتها الاجتماعية. في أعقاب هزيمة البلدان العربية عام 1967، أدى صعود الجماعات المسلحة الفلسطينية إلى إضعاف الملكية الأردنية ودفع الجماعة إلى أخذ المسافة من هذه الجماعات الثورية لتجنب القمع. هذا الولاء للنظام سمح لها بالتطور في قطاعي التعليم والنقابات، حتى دخولها رسمياً الساحة السياسية في 1989 بدعم مباشر - عبر جمعيتها وبينما كانت الأحزاب السياسية ما تزال محظورة رسمياً - لمرشحين في أول انتخابات تشريعية حرة في البلاد . وحصلوا على ربع المقاعد.

مقاطعة انتخابات 1993

تشكل هذه الحلقة قطيعة في علاقتها بالدولة. فبقدر ما كانوا يشكلون قوة معارضة منظمة للنظام الهاشمي، كان تاريخ الإخوان المسلمين مشوب بالقمع السياسي. اعتبر الملك حسين انتصار 1989 تهديداً، وقرر تعديل القانون الانتخابي لتحديد وزن “جبهة العمل الإسلامي”، الذراع السياسية للحركة المُنشأة في 1992، والتي قررت مقاطعة انتخابات 1993. وتفاقمت هذه المواجهة السياسية مع السلطات في 1994 مع توقيع معاهدة السلام بين الأردن وإسرائيل.

وخلال السنوات الأولى من حكم الملك عبد الله الثاني، الذي تولى العرش في 1999 ومارس سياسة معادية للجماعة، شهدت الحركة نقاشات داخلية حادة حول إعادة التمركز حول إشكاليات وطنية حصرياً. في 2015، أدت التجاذبات إلى انشقاق تسارع بفعل السلطات الأردنية التي حاولت كبح صعودها، في سياق ما بعد الانتفاضات العربية من قمع تجاه الإخوان المسلمين في معظم بلدان المنطقة.

في انتخابات 2016، شكل أنصار الخط الأكثر “قومية” - “تحالف الإصلاح” - المؤلف من أعضاء جبهة العمل الإسلامي ومستقلين وشخصيات من اليسار القومي. شعار الحزب “الإسلام هو الحل”. تم التخلي عنه لصالح “نهضة للوطن، كرامة للمواطنين”. وأصبح الائتلاف أول كتلة معارضة في البرلمان، بـ15 مقعداً من أصل 130، بينما لم يحصل فرع الجماعة الذي انشق سوى على 3 مقاعد. لكن هذه الانتخابات كشفت ما بدا حينها خسارة شعبية مؤكدة لدى سكان المخيمات الفلسطينية. وبالتوازي، واصلت السلطات الأردنية سياستها القمعية، مستخدمة خاصة أزمة كورونا كذريعة لتقييد التظاهرات والتجمعات السياسية، حتى الحل الرسمي للجماعة في يوليو/تموز 2020، في سياق شهدت فيه المنطقة كلها أزمة وضغطاً سياسياً وأمنياً على الإخوان المسلمين كبنية. لكن الذراع السياسي للإخوان المسلمين صمد وإن كان مضعفا، حيث خسر 5 مقاعد في انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني 2020.

لكن قدرة الإخوان المسلمين على التعبئة حول القضية الفلسطينية تجلت مؤخراً في انتصارهم التاريخي في الانتخابات التشريعية لعام 2024، بـ31 مقعداً من أصل 138. وشكلت الوضعية خلال الحملة الانتخابية في غزة قضية مركزية. فمنذ 7 أكتوبر 2023، شاركت جبهة العمل الإسلامي في تنظيم تظاهرات متعددة دعماً للفلسطينيين، منددة مراراً بالعلاقات التي تحافظ عليها المملكة مع إسرائيل. على سبيل المثال، فقد دعم أعضاء الجماعة علنا عمل ماهر الجازي، السائق الذي قتل ثلاثة جنود إسرائيليين على الحدود، قبل أن يُقتل قبل أيام قليلة من الاقتراع.

في هذا السياق، يظهر الحظر الأخير للجماعة، المُبرر من قبل السلطات بمحاولة القيام بعمل إرهابي ما تزال معالمها غامضة، ليس فقط تواصل عدم ثقة النظام تجاه الحركة، ولكن أيضاً الطريقة التي تحيي بها الديناميكيات الإقليمية - خاصة الصراع في غزة - التوترات الداخلية وتضعف التوازن السياسي الأردني. كما تحيل إلى رغبة المملكة في تأكيد إعادة ترتيبها الإقليمي من خلال سياسة أكثر قمعية تجاه التنظيم.

الأردن على محك السياق الإقليمي

الأردن مهووس بسعيه للاستقرار، على غرار الأنظمة الملكية في المنطقة. إلى جانب الموقف المتخذ تجاه الإخوان المسلمين، يرتبط هذا السعي أيضاً بالحركات الاجتماعية الإقليمية، التي تراها السلطة كمحرك لعدم الاستقرار الداخلي. منذ اندلاع التعبئة الشعبية للانتفاضات العربية في 2011، وضع الملك عبد الله الثاني بالتوالي ثلاثة إصلاحات انتخابية (في 2013، 2016 و2022) هدفت إلى إضعاف قوى المعارضة. كما شكل السقوط المتسارع للنظام السوري في ديسمبر/كانون الأول 2024 - الذي أوصل إلى السلطة قوى قريبة من الإسلام السياسي - مصدر قلق محتمل، خاصة أن المملكة تستضيف قرابة 1.4 مليون لاجئ سوري.

بالنسبة للسلطة، تبقى القضية الفلسطينية مصدر عدم استقرار. تبقى صدمة من أحداث “أيلول الأسود” في 1970 التي اتسمت بمواجهات عنيفة بين الجيش الأردني والجماعات المسلحة الفلسطينية في أعقاب محاولات اغتيال ضد الملك حسين. بالتالي، ترى السلطات الأردنية كمصدر قلق كبير عودة ظهور القوى الفلسطينية المزودة بقدرات عسكرية منذ 7 أكتوبر 2023 على الساحة الإقليمية. تفاقم هذا القلق بسبب العنف الذي مارسته إسرائيل منذ ذلك الحين، تجاه غزة والضفة الغربية، ولكن أيضاً تجاه دولها الحدودية لبنان وسوريا. بالتالي، فوجود حركات قريبة، بل منتسبة، لجماعات تنوي إسرائيل استئصالها في المنطقة على أراضيها، يمكن أن تستدعيه الأخيرة كذريعة حرب. بينما تمكن الأردن، بحد ذاته، من البقاء بعيداً عن المواجهات.

في أعقاب تفكيك الخلايا المزعومة المرتبطة بالإخوان المسلمين، أشارت السلطات الأردنية بإصبع الاتهام إلى ضلوع “حماس” و“حزب الله” اللبناني. وفي اعترافات مصورة، أكد ثلاثة مشتبه بهم زيارة لبنان - حيث توجد خلايا “حماس” - في إطار تحضير الهجوم الذي تم إحباطه.

رغم أن “حماس” هي في الأصل الفرع الفلسطيني للإخوان المسلمين، فإن روابطها مع الفرع الأردني كانت أحياناً ملتبسة. لدى اعتقال مؤسسها أحمد ياسين في 1989، نُفي المكتب السياسي لحماس مؤقتاً في الأردن. لكن تحت ضغط السلطات الأردنية والأمريكية، وبينما كان الإخوان المسلمون يواصلون عملية مأسسة في الأردن، اضطرت “حماس” لمغادرة البلاد في 1999. وأكملت إبعاد حماس عن الصورة الشقوق الداخلية داخل جبهة العمل الإسلامي بين تيار “قومي” وتيار أكثر “فلسطينية”.

علاوة على ذلك، يسبب الموقف الذي تبنته الإدارة الأمريكية الجديدة حول الملف الإسرائيلي الفلسطيني مصدر قلق جديد للمملكة. حيث أن خطة “الريفييرا” التي أعلنها دونالد ترامب في 5 فبراير/شباط 2025 والتي اقترحت الأردن ومصر كأراضي استقبال، أثارت رفضاً قاطعاً من قبل الملك عبد الله الثاني. علاوة على ذلك، ربط الرئيس الأمريكي حينها صراحة المساعدة الأمريكية للأردن بقبول هذه الخطة. ذلك أن مساعدة واشنطن تبقى أساسية، وتمثل 2 مليار دولار سنوياً لمشاريع اجتماعية اقتصادية، و450 مليون للقطاع العسكري. ووفقاً لتقرير S&P Global في مارس/آذار 2025، الذي قيّم ائتمان الأردن في مارس/آذار، فإن إغلاق USAID - الذي أعلنته إدارة ترامب في 28 مارس/آذار 2025 - قد هدّد وحده حوالي 300 مليون دولار من الصرف للمملكة.

يندرج قرار السلطات الأردنية بحظر الجماعة ضمن ديناميكية إقليمية أوسع. فعمان تسير على خطى الرياض وأبو ظبي والقاهرة التي حظرت جميعها الإخوان المسلمين في أعقاب الثورات العربية. وتم إعلان حظر الجماعة بينما كان الملك عبد الله الثاني يقوم بزيارة مفاجئة للسعودية. وفي انتظار توضيح المعلومات حول الخلية المفككة، يوحي توقيت القرار الأردني بإعادة تعديل موقفه الاستراتيجي الإقليمي. يبقى أن الإعلان، بقدر ما يتعلق بتنظيم مُحل أصلاً ولا يؤثر مباشرة على الحزب الذي يمثله، يمكن أن يكون له مدى تصريحي أولاً، يهدف إلى توضيح انحياز الأردن إلى معيار إقليمي أكثر فأكثر قمعية.