الرهان الناجح على صناعة السيارات في المغرب

أصبحت السيارات خلال سنوات قليلة أهم صادرات المغرب متقدمة على المواد التقليدية مثل الفوسفات والمنتوجات الزراعية الغذائية. ويعود هذا الإنجاز إلى استراتيجية انطلقت سنة 1959 بالدار البيضاء وأصبحت آثارها تمتد سنة بعد أخرى على مدى نصف قرن لتصل، في سنة 2007، إلى إبرام الاتفاق التاريخي بين المملكة ومجموعة رونو لبناء مصنع تجميع كبير بطنجة. لم تعد صناعة السيارات بالمغرب تزود السوق المحلية فحسب، بل أصبحت تصدر معظم إنتاجها، على خلاف جيرانها، وفرضت نفسها كأكبر منتج للسيارات الخاصة في العالم العربي.

محطة مصنع رينو-طنجة-المتوسط في مرفأ طنجة

في يوم 25 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي جرى لقاء غير عادي بمراكش بين ملك المغرب محمد السادس ورئيس مجموعة رونو ـ نيسان ـ ميتسوبيشي (3,5 مليون سيارة) كارلوس غصن. لم يتبع ذلك تصريح علني بل مجرد صورة وتعليق مقتضب لوزير الصناعة المغربي مولاي حفيظ العلمي: سيتم مضاعفة إنتاج الشركة المغربية لصناعة السيارات (صوماكا) المتواجدة بجنوب الدار البيضاء في حدود 2022.

صوماكا شركة شهدت صعوبات كثيرة في الماضي. تم إطلاقها سنة 1959 من قبل حكومة يسيطر عليها اليسار حيث كانت تشترك فيها مؤسسة حكومية مع شركة فيات قصد تركيب السيارات في عين المكان، في مرحلة أولى، من 6 آلاف إلى 8 ألاف سيارة خاصة في السنة توجه للسوق المحلية. ووصل الإنتاج فيما بعد إلى ما بين 20 ألف و40 ألف وحدة في السنة وقد مر المصنع على أياد عديدة (فيات، سيمكا، بيجو ورونو). ثم شهد المصنع حالة ركود في العقود التالية قبل أن تتم خصخصته سنة 2003 لصالح مجموعة رونو. كان ذلك بمثابة اختيار استراتيجي. لم يعد الأمر محصورا فقط في تركيب سيارات موجهة إلى السوق المغربية المتواضعة (168 ألف سيارة في 2017) بل يخص التصدير المكثف للجزء الأكبر من الإنتاج نحو أوروبا، وهو ما يدل مبدئياً على النوعية الرفيعة.

وقد كان رأس المال في البداية متواضعاً: بالكاد 10 ملايين أورو لشراء الأسهم العائدة للدولة و لشركة فيات، و20 مليون أخرى لرفع طاقة إنتاج المصنع إلى 70 ألف سيارة في السنة. وقد استفاد المشروع من مِنَحٍ ضريبية كبيرة: الإعفاء من الرسوم الجمركية وضريبة لا تكاد تذكر على الاستيراد وضريبة القيمة المضافة ب7% عوض 20%.

مصنع ضخم قرب طنجة

ووقع كارلوس غصن، الذي كان راضيا عن هذه التجربة المغربية الأولى، بعدها بأربع سنوات وبنفس الشروط على عملية أكثر طموحا متمثلة في بناء مصنع من الصفر، وعلى بعد 30 كلم من طنجة، يسمح بتجميع أكثر من 300 ألف سيارة من موديلات لودجي ـ سانديرو ودوكير الموجهة للتصدير. وذلك من خلال شركة رونو ـ طنجة المتوسط عبر سلسلتي إنتاج.

وقد تم أخذ شركة صوماكا، التي جرت خصخصتها، كنموذج ولكن بحجم أكبر بخمسة أضعاف. ومن ميزات المشروع الأخرى أنه يتمتع بالحجم الضروري لبروز صناعة سيارات محلية بكل معنى الكلمة. تكلفة الاستثمار: 1,1 مليار أورو.

وبعد 5 سنوات، وعلى الرغم من الأزمة المالية العالمية في سنة 2008، خرجت أول سيارة من سلاسل التركيب. وفي 6 أفريل/نيسان 2012 حمل أول قطار سيارات لودجي نحو ميناء طنجة الجديد الموجود على بعد 30 كلم. وقد تم في غضون 5 سنوات تركيب مليون سيارة بمنطقة ملوسة.

ونتيجة للجاذبية التي خلقها وجود مصنع يوظف 8000 عامل فلقد هرعت الى المغرب كبريات الشركات العالمية في مجال الصناعة من الباطن. وقد أقام أكثر من 20 ممونا هاما (سنوب، فاليو، تاكاتا، سيلينكس، تريفس، جي أم دي، سان غوبان، دينسو، فيستيون…) بالدار البيضاء وطنجة والقنيطرة، حيث تنوي مجموعة بيجو في السنة المقبلة تدشين مصنع ذي قدرة إنتاجية ب100 ألف سيارة خاصة. وينتظر أن يتضاعف مع حلول 2023. وقد تبعتها عشرات الشركات الصغيرة والمتوسطة المغربية أو الأجنبية التي ترافق أصحاب الطلبيات، وهي تزود المصنع حاليا بحواف العجلات المصنوعة من الألمنيوم ولوحات القيادة وممتصات الصدمات.

صناعة محلية

ويعتبر تجميع قطع غيار يتم إنتاجها في أماكن أخرى أكثر كلفة مما لو كانت السيارة مصنوعة بالكامل ويتم استيرادها جاهزة. وهكذا أصبحت صناعة معظم العناصر المشكلة للسيارة طموح مئات المهنيين الذين يعملون في عين المكان حول صناعة السيارات. وقد انتظموا في جمعية لاميكا النشطة للغاية (الجمعية المغربية لصناعة وتسويق السيارات)/ التي تمت إعادة تسميتها في 2017 لتصبح الجمعية المغربية لصناعة وتركيب السيارات.

ولا تبدو غالبية عمليات التركيب سوى احتيال على الزبون الذي يدفع مبلغ أكبر مقابل نفس السيارة: فالسانديرو التي تباع في الجزائر يفوق سعرها 3 آلاف أورو عن تلك التي تباع في المغرب.

ولا يتجاوز حاليا معدل نسبة الاندماج المحلي، أي نسبة العناصر المنتجة في عين المكان، ال40%. فالمحرك يأتي من مصنع رونو بإشبيلية، كما تأتي قاعدة وصندوق السيارة من الخارج هي الأخرى. ومن أجل الوصول إلى نسبة إدماج محلي ب65% أطلقت الدولة بدعم من لاميكا مخططا كبيرا “للتعاقد من الباطن”. ويهدف المخطط إلى تحقيق رقم أعمال يقدر ب24 مليار درهم (أي حوالي 2,2 مليار أورو) وإنشاء 90 ألف فرصة عمل مقابل أقل من 12 ألف حاليا.

وهناك 5 قطاعات فرعية هي قيد الانطلاق:

ـ “الكابلات”: ينتظر خلق أكثر من 20 ألف فرصة عمل والوصول إلى 10 ملايير درهم من التصدير. وهو القطاع الفرعي الأكثر تقدما اليوم. ـ “تصاميم داخلية للسيارات/ والمقاعد”: ينتظر خلق أكثر من 13500 فرصة عمل و5,2 مليار درهم من التصدير. ـ “البطاريات”: ينتظر خلق 1500 فرصة عمل. ـ “تشكيل الألواح المعدنية”: 5000 فرصة عمل منتظرة و4,5 مليار درهم من التصدير. ـ “مجموعة التحريك (باور تران)”: تم إطلاقه في مارس/آذار 2015 وهو يخص المحركات وعلب السرعة، وهي أنبل أجزاء السيارة.

كما التزمت رونو في 2016 بمضاعفة مشترياتها المحلية من 750 مليون إلى 1500 مليون أورو. وأكدت على هدف بلوغ اندماج الإنتاج في رونو ـ طنجة للسيارات نسبة 65%. وينتظر أن يتم بناء 26 مصنعا قريبا واستثمار أكثر من مليار أورو.

كلفة انتاج لا مثيل لها

ويتمتع المغرب فضلا عن شبكة المقاولين من الباطن المحليين الذين تكونوا حول شركة صوماكا، ثم رونو ـ طنجة، في مناطق صناعية متخصصة بأربع مزايا رئيسية: الوضعية الملائمة لمنطقة طنجة القريبة من أوروبا حيث توجد الأسواق والإمدادات، ووجود ميناء طنجة العصري القريب ذو المياه العميقة واتفاقيات للتجارة الحرة مع الاتحاد الأوروبي التي تضمن انتظاما في التجارة. ولكن الأهم هو توفر المغرب على تكاليف إنتاج لا تضاهى، خاصة في مجال اليد العاملة التي تصل تكلفتها إلى 10 مرات أقل من فرنسا. وفي بلد يبقى فيه المعدل الرسمي للبطالة معلقا لمدة سنوات حول 10% من القوى العاملة، يعد ذلك شيء لا يستهان به، خاصة وأن أجور شركة رونو طنجة تتراوح بين 370 و460 أورو أي أعلى بكثير من الأجر الأدنى المحدد بما يعادل 218 أورو.

تعد شركة رونو ـ طنجة مصنعا رئيسيا لإنتاج سيارة داسيا الأكثر رواجا للمجموعة وهي تتجاوز بكثير موطنها الأصلي رومانيا أو حتى تركيا. ومن المحتمل أن تقوم رونو في المستقبل بإنتاج أكبر عدد من السيارات في المغرب (حول 500 ألف سنة 2022) منها في فرنسا (أقل من 780 ألف سيارة في السنة الماضية).

إخفاق في الجزائر وفي تونس

اختارت المملكة المغربية الانفتاح على الخارج وقبلت المشاركة بحصة غالبة للرساميل الأجنبية في مصانعها (مايقارب 80% في صوماكا و52,4 % في شركة رونو ـ طنجة) وقلصت إلى أدنى حد مطالبها الضريبية واستفادت من مساعدة القوة الاستعمارية السابقة في بنياتها التحتية؛ فقد قدمت لها الوكالة الفرنسية للتنمية في سبتمبر 2010 قرضا ب20 مليون أورو لإنشاء 4 معاهد للتكوين المهني المتخصص في صناعة السيارات. وفي المقابل كان هناك تصدير كبير لمنتوج صناعي لم يكن موجودا في النظام الإنتاجي التقليدي.

بالمقابل قام جاراها المغاربيان الإثنان باختيار معاكس: مصانع تركيب ذات حجم صغير موجه فقط لتلبية السوق المحلية تحتفظ فيها الدولة - أو مجموعات وطنية خاصة في الجزائر - بالأغلبية مع إعفاءات ضريبية مماثلة وأسعار عند البيع أكثر ارتفاعا.

قامت الجزائر بصفة فعلية بحظر استيراد السيارات الجديدة منذ 2017، مجبرة الصناعيين الأجانب على إنجاز ورشات تركيب محلية مع وعد بنسبة إدماج الانتاج لن يتحقق على الأرجح أبدا. وهو أمر لا يراقب حتى من طرف المصالح العمومية التي هي في الغالب فاشلة.

أما تونس فقد أقامت من جانبها مصنعا لإنتاج 3500 بي كاب (سيارات نفعية) سنويا، ويخلق عددا قليلا من فرص العمل (أقل من 400) وهو أكثر تكلفة من نماذج أحدث ولا يأتي بشيء يذكر لاقتصاد البلاد (أقل من 10 ملايين أورو تم استثمارها).

لا يمكن نفي التقدم المغربي. ولكن هل هو قابل للديمومة؟ إذا تطور المغرب وارتفعت الأجور ستزول ميزته المقارنة ويتعين من دون شك الدخول في مرحلة جديدة أرقى في المجال التقني ونوعية الإنتاج أو حتى توسيعها إلى فروع جديدة، كما هو الحال بالنسبة لصناعة الطيران التي بدأت أيضاً انطلاقتها.