ما جدوى منظمة الأوبك اليوم؟

منظمة دون مستقبل · بين عقوبات الإدارة الأمريكية والارتباك السعودي إثر اغتيال الصحفي جمال خاشقجي، يتأقلم المشهد النفطي الدولي ببطء مع النهضة البترولية في الولايات المتحدة وبروز القوى العظمى الثلاث التي أصبحت تنسق فيما بينها الى هذا الحد أو ذاك سعياً لتفادي تكرار الكابوس المتمثل بحرب الأسعار. لم تعد اليوم واشنطن وموسكو والرياض بحاجة فعلية لمنظمة الأوبك

مبنى منظمة الأوبك في فيينا

بعد يومين من مفاوضات متوترة، توصلت 25 دولة منتجة للنفط الخام، تنتمي 14 منها إلى منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) و11 إلى مجموعة تقودها روسيا إلى اتفاق وصفته الصحافة الرسمية الجزائرية ب“المُنقِذ”. وهو اتفاق يقضي بتخفيض الإنتاج ب 1.2 مليون برميل يوميا من النفط الخام اعتبارا من 1 يناير 2019، على أن يقوم بالتخفيض أعضاء أوبك (0.8 مليون برميل يوميا) وشركاؤهم (0.4 مليون برميل يوميا).

ويمثل هذا التخفيض 1 ٪ من الإنتاج العالمي وهو جد بعيد عن التخفيض الذي تقرر في ديسمبر 2016 ب 1,8 مليون برميل يوميا والذي سمح بارتفاع ملفت في الأسعار. كما جاء هذا التخفيض دون آمال الذين كانوا يطالبون بأن يكون ما بين 1.2 و 1.5 مليون برميل يوميا. ومع ذلك رحبت الأسواق في يوم الجمعة 7 ديسمبر/ كانون الأول، بالاتفاق وارتفع سعر النفط الخام بنسبة 5٪، قبل أن تُراجع الأسواق تقييمها وتخفض سعر البرميل بدولار واحد يوم الاثنين 10 ديسمبر.

ويُطرح السؤال فيما إذا كان الاتفاق سيتم تنفيذه في العام المقبل؟ فحتى داخل الأوبك هناك أعضاء ليسوا ملزمين بشيء. وتُعد فنزويلا مثلاً وإيران التي تعرضت الى عقوبات بدرجات متفاوتة من إدارة ترامب، من ضمن هؤلاء. وقد خاضت طهران معركة خلال يوم كامل قبل أن يتم إعفاؤها من أي التزام. وهناك من تم إعفاؤهم بسبب “الظروف” كما هو الحال بالنسبة إلى ليبيا حيث تتصارع المليشيات للتحكم في المستودعات النفطية. وهناك أخيراً قطر التي انسحبت رسميا من منظمة الأوبك التي كانت عضوا فيها منذ تأسيسها سنة 1960. والسبب المقدم لتبرير هذه الخطوة هو أن قطر بلد منتج للغاز أساساً الآن ولم تعد تصدر البترول.

وفي الواقع توجد قطر في حالة نزاع مفتوح مع السعودية وهي تخشى نزاعا مقبلا بين منظمة الأوبك والكونغرس الأمريكي المتحمس لمعاقبة “الأشرار” المنخرطين في ما يعتبره احتكاراً بغيضاً. وتعطي قطر بمغادرتها المنظمة إشارة إلى منتجين صغار آخرين قد يتخلوا بدورهم عن عضويتهم تفاديا للمشاكل.

تراجع نفوذ المنظمة يتأكد

ويبقى الاتفاق المبرم غامضا فيما يتعلق بتوزيع المليون برميل التي يتعين إلغاؤها. قد تأخذ العربية السعودية على عاتقها 40٪ على الأقل وروسيا بالكاد 15٪ والعراق 10٪… ويبقى ثلث الكمية، تستوجب التوزيع. وقد حذر وزير الطاقة الروسي، الكسندر نوفاك، بأن التخفيض الموعود ب 228000 برميل يومياً قد يستغرق شهورا لكي ينفذ وسيبدأ في يناير/كانون الثاني بتخفيض 50000 برميل يومياً. أما بغداد التى تعيش أوضاعاً سياسية معقدة وهي بين فكي كماشة واشنطن وطهران، فهي ليست متأكدة من أي شيء. ومن البديهي أن تمديد تنفيذ الاتفاق لعدة أشهر لا يضمن أي تأثير على أسواق لندن ونيويورك.

ومن اتفاق لآخر، أصبحت منظمة الأوبك تخسر مكانتها في اللعبة النفطية الكبرى. ما أبعدنا عن سياق 1973 حيث كان بإمكان شاه إيران، من قصره في نيافاران، أن يضاعف خمس مرات سعر النفط بمجرد حركة منه ليُدخل العالم في أول أزمة كبرى له بعد الحرب العالمية الثانية. أو عن بداية الثمانينيات حيث التهبت الأسعار من جديد بسبب الفوضى الناجمة عن ثورة آية الله الخميني والحرب بين العراق وإيران. أو بعد عام 2003، عند سقوط نظام العراق البعثي ثم خلال العقوبات المفروضة على طهران التي رفعت الأسعار إلى ما فوق 100 دولار لعدة سنوات.

وتعود آخر محاولة للأوبك لاستعادة سلطتها في مجال الطاقة إلى يونيو/حزيران 2014. بإيعاز من وزير الطاقة السعودي، علي النعيمي، اتخذ القرار بترك الأسعار تسير بشكل تلقائي دون ، تدخل أو دعم من المنظمة. وكان الهدف هو ضرب المنتجين الأمريكيين الجدد للنفط الصخري الذين بدأوا يبرزون في الساحة.

وقد انخفض على إثر ذلك سعر البرميل إلى أقل من 40 دولاراً، وتراجعت الاستثمارات الأمريكية بحدة في مجال الطاقة حيث انخفضت بنسبة 25٪ في عام 2015 ، ثم مجدداً بنسبة 25٪ في عام 2016. أما المنتجون الآخرون فكانوا يحتجون ويطالبون أكثر فأكثر بمراجعة السياسة. ثم تغيّر الملك في الرياض وكذلك الوزير وتغيرت السياسة المتبعة أيضا. وقد اقتنعت الرياض، بتأثير من موسكو خاصة، في ديسمبر 2016 بضرورة تقليص الإنتاج. ونجحت العملية. وكان الارتفاع الذي سُجل مذهلا: 45 دولارًا للبرميل في نوفمبر/ تشرين الثاني 2016 ، 70 دولارًا في يناير/ جانفي 2018 ثم 80 دولارًا أو أكثر قبل أن يشهد انخفاضًا كبيراً في أكتوبر ونوفمبر/تشرين الأول والثاني 2018.

حين يفيض المغطس النفطي

خلال الاجتماع السداسي للبلدان البترولية في يونيو/ حزيران خشي الروس والسعوديون من ارتفاع الأسعار حيث كان المحللون الأكثر تفاؤلا يتنبأون ببرميل ب 100 دولار مع نهاية السنة. فقد تراجع إنتاج كل من فنزويلا وأنغولا بشدة، كما أعلن الرئيس ترامب عقوبات ضد زبائن إيران، على الخصوص الآسيويين منهم (3,6 مليون برميل يومياً). ولم يكن من مصلحة أي أحد أن تطرأ زيادة مفرطة في الأسعار.

وفي أكتوبر/ تشرين الأول، وهي مرحلة الذروة في إنتاجهم، قام الروس والسعوديون معا بزيادة الإنتاج بأكثر من مليون برميل يومياً. هل كان ذلك خطأ في التقدير أم مجاملة دبلوماسية؟ فلقد أثّر ذلك على كميات البترول المتوفرة في العالم والتي تشكل ما يسمى بالمغطس المشترك، الذي ينجم عنه سعر شبه موحّد للنفط في العالم بأسره، مع الإمكانية المتروكة طبعاً للحكومات الأعضاء ال193 في الأمم المتحدة بأن تثقله بالضرائب أو تخففه بالدعم المالي، فلقد شهد هذا المغطس فائضاً كبيراً. أصبح البترول الخام يتدفق من كل صوب وانخفضت الأسعار ب 20 ٪ خلال شهرين، خاصة وأن واشنطن أبدت نوعا من التسامح تجاه طهران حيث تم تجنيب ثلثي زبائنها العقوبات حتى أبريل 2019. وكانت الحال نفسها بالنسبة لميناء شاباهار في الطرف الغربي من الجمهورية الاسلامية، بحجة عدم تعريض تموين آسيا الوسطى للخطر حيث يتمركز عشرات الآلاف من الجنود الأمريكيين.

والأهم هو أن الإنتاج الأمريكي استمر في الارتفاع بفضل وفرة النفط الصخري. في تشرين الثاني/ نوفمبر، وللمرة الأولى منذ 45 سنة، قامت الولايات المتحدة بتصدير كمية من النفط أكبر من التي استوردتها، وفقا للتقرير الأسبوعي لوكالة معلومات الطاقة الأمريكية (IEA) الذي نشر يوم الخميس 6 ديسمبر/ كانون الأول. وفي أكتوبر/ تشرين الأول، كانت الولايات المتحدة أكبر منتج للنفط الخام في العالم (13 مليون برميل يومياً) قبل روسيا (12 مليون برميل يومياً) والمملكة العربية السعودية (10.7 مليون برميل يومياً ).

ويعود هذا الإنجاز إلى حوض /بيرميان/ (200 ألف كيلومتر مربع) الذي يمتد من غرب تكساس إلى جنوب شرق نيو مكسيكو. ويمثل حالياً 45 ٪ من الإنتاج الأمريكي مقارنة مع الإنتاج شبه المعدوم في عام 2008. ووفقًا للوكالة الدولية للطاقة، ومقرها باريس، من المتوقع أن يتضاعف الإنتاج في أقل من عقد من الزمن وبإمكانه لوحده تلبية الارتفاع المتوقع في الطلب العالمي.

لعبة بين ثلاثة لاعبين

هذا ما يفسر التقارب بين موسكو والرياض، بغض النظر عن تعارضهما بخصوص سوريا وإيران أو اليمن. أصبحت اللعبة تدور بين ثلاثة أطراف، ثلاثة من كبار المنتجين يوفرون وحدهم ثلث الطلب العالمي، وسوف تزيد هذه النسبة لا شك في المستقبل. وهذه ليست مباراة يتنازع فيها طرفان ضد ثالث، بل محاولة للتوصل إلى اتفاق حول نطاق الأسعار لا يضر أيًا من اللاعبين الثلاثة. وهو سعر يدور حول 60 دولارا للبرميل، يتراوح بين 55 و65 دولاراً، وفقاً لفلاديمير بوتين، الشخصية الوحيدة التي تحدثت علناً في الموضوع. لكل واحد من الثلاثة ـ بما له من نقاط ضعف وقوة ـ مصلحة في وجود حد أدنى من الاتفاق لتجنب حرب أسعار تكون باهظة الثمن على الجميع.

إذا كان الرئيس ترامب يتظاهر بالحرص على الوصول إلى أقل سعر ممكن لصالح ناخبيه، فإن صناعة الاستخراج الأمريكية تحتاج إلى سعر“مقبول” نظرًا لارتفاع تكاليف الإنتاج. وإذا كانت هذه التكاليف قد انخفضت كثيرا في السنوات الثلاث الماضية، فإنها لا تزال أعلى ب 3 إلى 5 مرات من تلك الموجودة في المملكة العربية السعودية. ووفقا لشركة دراسات أمريكية، ر. س.اينرجي غروب، ومن أجل تحقيق ربح بنسبة 1% لإحدى الآبار البترولية لا بد أن يكون سعر التوازن 36 دولارًا في حوض /بيرميان/ و45 دولارًا في حوض /الباكن/.

وفي المحصلة، مع إضافة التكاليف الثابتة وإيجار الأراضي الذي قد يكون باهظا أحياناً، تحتاج صناعة النفط الصخري لسعر برميل يتراوح بين 50 و65 دولارًا. وهناك أيضا ضغوط البنوك التي تريد أن يتم تسديد الديون بصفة أسرع من الماضي، و ضغوط من المساهمين الذين قبلوا بالعديد من الزيادات في رأس المال ويتطلعون لرؤية عوائد استثمارهم

وتخشى روسيا من ارتفاع كبير لسعر البرميل الذي من شأنه أن يهدد توازناتها المالية. ففي هذه الحالة، يتعين على الخزينة العامة دعم المستهلكين الروس، وهو أمر مكلف للغاية ومن شأنه تقويض الخزينة العمومية. وفضلا عن ذلك، تعتزم موسكو تنويع اقتصادها. فهي قوة عظمى في مجال الحبوب وثاني مصدر للأسلحة في العالم، ولكن ذلك يتطلب قيمة للروبل لا ترتفع بصفة مفرطة في حال ارتفاع كبير لأسعار النفط. وأخيراً، فإن كون روسيا بلد يعتمد على إنتاج الغاز قبل أي شيء آخر يتأكد سنة بعد أخرى، فالإنتاج يشهد ارتفاعاً وكذلك الصادرات. والحال ليست كذلك بالنسبة للنفط.

السعودية هي الحلقة الأضعف

وتعد اليوم المملكة العربية السعودية الحلقة الأضعف في الثلاثي حيث أن الأسعار الحالية للنفط (70 إلى 80 دولار) بعيدة عن تلبية احتياجاتها وتسبب لها صعوبات في الميزانية. لكن ضعفها يتجلى في الحقل الدبلوماسي أساساً بسبب تورط ولي العهد محمد بن سلمان في اغتيال جمال أحمد خاشقجي. ويعتمد بقاؤه السياسي على آخر دعم أجنبي له أي ذاك المتمثل بالرئيس ترامب الذي يبذل الجهد الجهيد في إنكار الحقيقة الساطعة. وتحرص الرياض على عدم إغضاب محاميها الأخير. وقد نزل وزير الطاقة الأمريكي ريك بيري إلى السعودية بعد فترة وجيزة من مؤتمر الأوبك في فيينا للتشاور معها حول الخطوات القادمة.

لن يشهد العالم هذا الشتاء أي شح في النفط، فالسوق متخمة. وإن لم يتفاقم تباطؤ السوق بسبب الظروف الاقتصادية الدولية فسوف تستقر الأوضاع عند هذا الحد. الى حين تاريخ 6 أبريل، موعد مراجعة العقوبات الأمريكية ضد زبائن إيران، وفي انتظار ما قد تسفر عنه قضية الخاشقجي.