“أرضي وارضك مش للبيع، تسقط علاقات التطبيع”. بهذا الشعار وغيره من الشعارات الغاضبة المماثلة تحرك الشعب في مظاهرات لا مثيل لها في شوارع الأردن. قبل السابع من أكتوبر، اقتصرت التحركات الاجتماعية والسياسية القليلة في الأردن حول القضية الفلسطينية بما يتعلق باتفاقيات الكهرباء والغاز بين الأردن وإسرائيل. إذ تم توقيع اتفاقية استيراد الغاز من إسرائيل عام 2016 وبدأ الضخ المباشر مع بداية عام 2020 بالرغم من الاعتراضات الشعبية ومطالبة أعضاء البرلمان بإلغاء هذه الاتفاقية. حملت العديد من المظاهرات على مدى السنين شعار “غاز العدو احتلال”، تنديدًا بشراء الغاز الإسرائيلي من حقل “ليفياثان” البحري والذي يعتبره المتظاهرون غازًا مسروقًا من فلسطين، يشترى بأموال أردنية لتوفير الرفاه الإسرائيلي.
أما اليوم، تشهد الشوارع هتافات بتحرير فلسطين وإنهاء الاحتلال كما لم تشهد مسبقًا من خلال المظاهرات الأسبوعية والمقاطعة وأيام الإضراب الشامل عن العمل، أولها كان يوم الاثنين 11 ديسمبر/ كانون الأول. يتم تنظيم المظاهرات بشكل دوري منذ شهرين: في وسط البلد كل جمعة بعد الانتهاء من الصلاة، وتكون هذه المظاهرات الأكبر في عمان، بالإضافة إلى مظاهرات أمام السفارة الإسرائيلية في منطقة “الرابية” في العاصمة أيضا، والتي تبعد ما يقارب 20 دقيقة عن وسط البلد. كما اشتد عزم حملة المقاطعة بطريقة غير معهودة مسبقًا، وزيادة عدد المتطوعين مع حملة BDS في العاصمة عمان. فمنذ بدأ حرب الإبادة على غزة، خلت فروع “ستاربكس” و“ماكدونالدز” وغيرها من العلامات التجارية المستهدفة بشكل مباشر من قبل المقاطعة من جميع الزبائن، وامتلأت الإعلانات والدعايات في الشوارع بصور المنتجات الوطنية البديلة للمنتجات المستهدفة أيضا. وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي لوائح بأسماء جميع الشركات والمنتجات التي يجب مقاطعتها، والتي تنتجها أي شركة معروفة بدعمها لإسرائيل وأي شركة لها فروع ومحلات في الأراضي المحتلة. هذه الشركات هي الهدف الأساسي لحملات المقاطعة، بينما ينادي البعض بمقاطعة المنتجات الأمريكية والأوروبية أيضًا، والالتزام بشراء ما يتوفر من المنتجات الوطنية. انتشرت أيضًا فيديوهات لأطفال في الدكاكين تستفسر عن مصدر لوح شوكولاتة أو عصير معين قبل اشترائه.
تبقى الأردن منفردة بوضعها فيما يتعلق بالبعد الشعبي والجغرافي والثقافي بالنسبة لفلسطين. فمنذ نكبة 1948 وحتى الآن، تبقى نسبة الفلسطينيين (الحاملين وغير الحاملين للجنسية الأردنية) في هذا البلد الأكبر في العالم. لا توجد إحصائيات دقيقة لهذا العدد حيث إن التعداد السكاني للأردنيين يشمل حاملي الجنسية الأردنية من أصل فلسطيني، لكن تقدّر نسبة الفلسطينيين بحوالي 60% من المجتمع. وقد كان للأردن الحصة الأكبر من أعداد اللاجئين بعد النكبة، ومجددًا بعد النكسة، وتم إنشاء 13 مخيمًا للاجئين في خمس محافظات مختلفة لا تزال قائمة حتى الآن.
تجنيس الفلسطينيين، استثناء أردني
يبلغ عدد مخيمات اللاجئين الفلسطينيين “الرسمية” ثلاثة عشر مخيمًا حسب دائرة الشؤون الفلسطينية. تقدم الأونروا خدمات اجتماعية وتعليمية وصحية في عشرة منها، لكنها لا تدير أو تراقب الأمن، حيث تقع مسؤولية ذلك على عاتق السلطات المضيفة. ومن أشهر هذه المخيمات:
مخيم الزرقاء، وهو أول مخيم للاجئين الفلسطينيين في الأردن، من ضمن أربع مخيمات أنشئت بعد النكبة، تم إنشاؤه من قبل اللجنة الدولية للصليب الأحمر عام 1949 ويحوي 4 مدارس تابعة لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، وهو يقع في ثان أكبر المدن الأردنية، مدينة الزرقاء، شمال شرق العاصمة عمان.
مخيم جبل الحسين، تم إنشاؤه عام 1952 في عمان. تبلغ مساحته 420 متر مربع ويعيش فيه حوالي 29 ألف لاجئ، لذلك يعاني من اكتظاظ شديد “ولا توجد هناك أية مساحة لإضافة المزيد من المباني”، حسب الأونروا. يحتوي هذا المخيم على أربع مدارس تابعة للأردن.
مخيم البقعة، وهو أكبر المخيمات الفلسطينية، مساحته 104 كم مربع، وهو أحد مخيمات “الطوارئ” الستة التي تم تأسيسها عام 1968 حسب وكالة الغوث، ويحوي 16 مدرسة تابعة للأونروا.
مخيم جرش (يعرف باسم مخيم غزة)، هو كذلك إحدى مخيمات “الطوارئ” الستة تأسس عام 1968، وتبلغ مساحته 750 متر مربع. يحتوي على أربعة مدارس في مبنيين، تعملان على نظام الفترتين (نظام الفترتين هو الطريقة المتبعة من قبل الأونروا للزيادة من عدد الطلاب التي يمكن احتواؤها في المدارس في ظل المنشآت التعليمية القليلة والاكتظاظ السكاني في المخيمات. ينقسم اليوم الدراسي إلى “فترتين”، تمتد الفترة الصباحية من الساعة السادسة و45 دق إلى الساعة 11 و45 دقيقة، والمسائية من الساعة 12 ظهرا إلى الساعة الخامسة عصرا. كل “فترة” تمثل مدرسة منفصلة عن الأخرى، ويتم تبديل الفترات بشكل شهري.
يتم تقدير عدد الفلسطينيين المسجلين كلاجئين في المخيمات في الأردن بما يقارب 2,2 مليون فلسطيني بحسب معطيات الأونروا لعام 2023. وتشهد جميع المخيمات مشاكل عديدة تعدّدها وكالة الغوث على موقعها، منها الفقر، والمستوى التعليمي المتهالك، ومعدلات البطالة العالية، وانتشار الزواج والطلاق المبكرين. وتعتبر دائرة الشؤون الفلسطينية أنه
كان الأردن - ولا يزال - الدولة العربية الوحيدة التي تعاملت مع اللاجئين الفلسطينيين واستقبلتهم على أراضيها كمواطنين أصيلين فيها، فقد منحتهم الجنسية الأردنية، وأتاحت لهم الاندماج في المجتمع الأردني والتأثير والتأثر بالوضع الاقتصادي والاجتماعي به دون دفعهم إلى التخلي عن هويتهم الوطنية.
بالرغم من صدق النصف الأول من هذه العبارة، إلا أن النصف الثاني موضع شك كما ظهر خلال المقابلات التي أجريناها. إذ يعيش فلسطينيو الأردن في مفارقة دائمة ما بين جهود التوطين واعتبارهم كما “المواطنين الأصليين” وبين التذكير الدائم بفكرة “الوطن المضيف”.
منعرج أوسلو
يظهر من خلال المقابلات التي أجريناها مع قاطنين في المخيمات ومعلمين ومعلمات في مدارس الأونروا أن لما يجري في غزة من مجازر بحق المدنيين والأطفال ومشاهد الإبادة الجماعية والنزوح التي تسترجع مشاهد النكبة نتيجتين أساسيتين فيما يتعلق بفلسطينيي المخيمات: أولا، تفجير الذاكرة والهوية الفلسطينية في الأردن بشكل كبير. فقد كانت القضية قد غابت، بشكل أو بآخر، عن الاهتمامات والأحاديث اليومية حتى ضمن الفلسطينيين أنفسهم الذين انخرطوا في المجتمع الأردني وأصبحوا كما المواطنين الأردنيين إلى حد كبير. ثانيا: زيادة في مساحة الحديث عن القضية وتنظيم الأنشطة السياسية بعد أن كانت هذه المساحة تتعرض لتضييق متزايد مع مرور السنين. إلا أن هذه النتائج لا تخلو من المخاوف، وأهمها الخوف من كون هذا الحراك الشعبي (الفلسطيني والأردني) مجرد حراك عرضي، أو “ترند” كما تمت الإشارة إليه من قبل أكثر من شخص تحدثنا معه، أو من كون زيادة مساحة الحديث والتعبير من قبل الحكومة كنوع من سياسة “تنفيس الغضب”: “بتقدرو تتظاهروا بالشارع، بس هاد آخركم” قالت ذكرى سلامة، وهي عضو فاعل في أحد المراكز النسائية والشبابية في مخيم الزرقاء.
في إحدى المقابلات تحدثنا مع الأستاذ “نجم توفيق”، وهو مدير سابق لإحدى مدارس وكالة الغوث في مخيم الزرقاء، قام بالإشارة إلى التضييقات العديدة على الفلسطينيين في المخيمات ومدارس الوكالة، والتي ازدادت بشكل ملحوظ بعد اتفاقية أوسلو عام 1993 ولاحقا اتفاقية وادي عربة، وهي بداية التطبيع الرسمي ومعاهدات “السلام” بين الأردن وإسرائيل عام 1994. يسمّي الأستاذ نجم هذه الفترة بـ“مرحلة الردة”، حيث يعتبر أن مدارس الوكالة كانت “مراكز لتصدير الرواية الفلسطينية” فيما سبق لكنها لم تعد كذلك. “صار فيه ما يسموه “بالحيادية” في وكالة الغوث. انه إسرائيل دولة موجودة في الإقليم لا يجوز تحرض ضدها”.
كان قمع الصوت الفلسطيني في وجع الاعتراف بإسرائيل خطوة مهمة في توطين اللاجئين الفلسطينيين. فقد هدفت هذه الخطوة إلى تحويل شكل العلاقة (ولو سطحيا) ما بين اللاجئ الفلسطيني وإسرائيل (أي بين مستعمَر ومستعمِر) إلى علاقة بين أردني وإحدى دول الجوار المعترف بها كدولة ضمن الأمم المتحدة. وبذلك تم بدء اعتبار الفلسطينيين، وخصوصًا حاملي الجنسية الأردنية، كمواطنين أردنيين وليس كلاجئين فلسطينيين. “ما في الا ما يقارب 500 ألف فلسطيني (المعظم من أصول غزاوية) بدون أية جنسية، الباقيين اندمجوا بالمجتمع”.
أما سحر ماجد، وهي معلمة تاريخ في إحدى مدارس وكالة الغوث، فترى أن أهم مظاهر التوطين هذه هي إلغاء مادة القضية الفلسطينية والكتاب المخصّص لها، والتي كانت جزءًا من المنهاج الأردني الرسمي في المدارس الحكومية ومدارس وكالة الغوث حتى عام ١٩٩٤، بالتزامن مع اتفاقية “وادي عربة”. “صار في مساحة فقيرة جدًا للتعليم عن القضية” على حسب قولها. “تخيلي انه في البلد اللي معظم سكانه من أصول فلسطينية ما في تعليم عن بلدهم وقضيتهم اللي هي المفروض قضية الأردن كمان، متل ما بقولو احنا شعب واحد، المفروض.”
“الوطن المضيف”
في بعض الحالات تكون الوالدة أردنية الجنسية، فيتم إصدار هويات خاصة للأبناء صفراء اللون (خلافا للهويات الأردنية الزرقاء) تسمّى “هوية أبناء الأردنيات” والتي تعطيهم “ميزات” معينة، لكن لا يمكن للمرأة الأردنية إعطاء الجنسية لأولادها. هذه “الميزات” لا تعني إعطاء حقوق كاملة، فلا يزال للفلسطيني معاملة خاصة في عدة أمور، مثل المنع من الالتحاق بأي عمل حكومي، دفع رسوم جامعية أكبر قيمة من الأردني في الجامعات الخاصة - حيث يعامل الفلسطيني كالطالب “الأجنبي” ولهم رسوم جامعة أكبر -، تجديد رخصة السواقة كل عام، بينما الأردني يجددها كل عشرة أعوام، وغيرها.
“إذا ما معك رقم وطني بتفرق كتير” تؤكّد ريما المصري، وهي طالبة جامعية درست في مدارس الأونروا وتحمل جوازاً أردنيّاً مؤقّتاً دون رقم وطني:
الإجراءات الحكومية غير وبتاخد وقت أطول، ممكن تحتاجي موافقة أمنية من المخابرات بس عشان تطلعي رخصة سواقة. حتى تجديد جواز السفر بكلف 200 دينار أردني (258 يورو) النا، بينما بكلف 50 دينار أردني (64 يورو) للأردني. واحنا دايما نجدد الجواز عالوقت، مش لانه بنسافر أصلا معظمنا معهوش مصاري يسافر، بس عشان نستعمل جواز السفر كهوية بدل هوية أبناء الأردنيات اللي مش كل حدا في البلد بعرفها أو فاهم صلاحياتها منيح. كل معاملة حكومية بتذكرك إنك مش بنت بلد.
يعيش الفلسطينيون في الأردن، وبالتحديد ذوو الجوازات المؤقتة، في حالة عالقة ما بين التوطين والتذكير الدائم بأنهم في وطن مضيف. يؤكد نجم أنه في معظم الأوقات لا فرق بين الفلسطيني والأردني في الأردن، وأن معاملة الفلسطيني في الأردن هي الأفضل بين دول الجوار، خصوصًا لبنان. حيث إن لا فرق بين الأردني والفلسطيني حامل الجنسية الأردنية في أمور الحياة اليومية، برأيه. إلا أن تلك الأقلية التي تعاني من جميع العقبات المصاحبة للجواز المؤقت ليست بالهينة. وأنه بالرغم من قلة عدد الفلسطينيين ذوي الجوازات المؤقتة، إلا أن لوجودهم ثقل اجتماعي يذكر بهوية اللاجئ دائما. وبينما يعتبر نجم الأردن وفلسطين بلداً واحداً وضفتين لنفس النهر، لا تشاطره سحر ماجد الرأي: “ما أظنش إحنا بلد واحد. وقت اللزوم كل واحد بلزم اهله”، مشيرة الى أنه وقت الشدة، أو حين تتعرض مظاهرة لفلسطين لنوع من القمع على سبيل المثال، سيفر من يفر من أهل البلد وسيبقى صاحب القضية في وجه المدفع.
بيد أن الشعور بعدم الانتماء متبادل بين العديد ممن التقينا بهم. أضافت سلامة أن “فكرة انك تعيشي في مكان حاسة حالك فيه ضيفة مش لطيفة. احنا العنصر الاخر جوا بلدنا.” وحين الاستفسار عما قصدته بالعنصر الآخر، أفادت سلامة بأن هذا الشعور بكونها “ضيفة” في الأردن يغذي شعورها بالخوف من أن تكون “ضيفة” في فلسطين في يوم من الأيام، كونها عاشت في الشتات طيلة حياتها.
“المنهاج الخفي”
تتبع المدارس الحكومية ومدارس الأونروا المنهاج ذاته، بحكم أن الأخيرة تتبع مناهج “البلد المضيف” دائمًا. وفي ظل التضييق الشديد منذ فترة أوسلو على المساحة التعليمية المتاحة للتعليم عن فلسطين وتاريخها تحت الاحتلال والجرائم المستمرة منذ النكبة، تم خلق ما أطلقت عليه سحر ماجد “المنهاج الخفي” بهدف “إغناء المنهاج” المفروض من قبل الدولة. إلا أن لهذا المنهاج مساحاته المحدودة وتحدياته أيضا.
تجتمع مجموعة من التلاميذ يبلغ عمرهم بين 10 و16 سنة في أحد المراكز الشبابية في مخيم البقعة. بعضهم يدرس في مدارس الأونروا وانتقل البعض الآخر إلى مدارس حكومية، لكون مدارس الأونروا تستقبل التلاميذ حتى الصف العاشر فقط. خلال النقاش حول تجربتهم التعليمية، أكد هؤلاء أن مساحة الحديث عن القضية أكبر في مدارس وكالة الغوث من المدارس الحكومية، لكنها تعتمد على المجهود الشخصي للمعلمين والمعلمات الذين/اللواتي يختارو/ن الحديث عن فلسطين في حصصهم المختلفة. لكن تبين أن الحديث عن تاريخ فلسطين وحاضرها في مدارس الحكومة بدأ بشكل ملحوظ بعد السابع من أكتوبر الحالي. وعبّر أحمد (16 عاماً) عن استيائه من كتب التاريخ التي درس بها والتي “ما فيها كلمة واحدة عن فلسطين أو عن النكبة أو القرى المهجرة. بس بنفس الوقت بنتعلم عن الثورة الفرنسية. شو راح أستفيد من هاد الدرس إذا ما بتعلم عن تاريخي؟”
بالرغم من المجهود الشخصي للمعلمين والمعلمات في التعليم عن القضية، إلا أن لذلك تحديات بسبب الوقت المحدود للحصص. وقت الحصة الواحدة في مدارس وكالة الغوث (35 دقيقة) أقصر من الحصص في المدارس الحكومية (45 دقيقة) بسبب نظام دوام الفترتين. بالنسبة لسحر ماجد، يشكّل وقت الحصة حاجزاً كبيراً أمام تخصيص وقت للحديث عن فلسطين، بينما تحاول المعلمات الانتهاء من المنهاج المقرر قبل موعد الامتحانات في نهاية كل فصل. “بصير في جزء كبير من المسؤولية على الأهل انهم يعلمو أولادهم عن فلسطين، لكن لما أسأل طالبة شو الفرق بين لاجىء ونازح، أو شو بتعرفي عن الخليل مثلا وما تكون بتعرف ما بستغرب”. هذا “التغييب الكامل” عن المنهاج، بوصف سحر ماجد، خلق فجوة تعليمية كبيرة ما بين الأجيال الفلسطينية في الأردن وما بين الأفراد، حيث يعتمد مدى معرفة وارتباط كل فرد بالقضية على مدى توفير كل عائلة لتربية وبيئة مسيسة وتعليمية حول فلسطين في البيوت. وهكذا يتبيّن أن هناك “تجهيلا” مقصوداً حول تاريخ جزء كبير من المجتمع العالق ما بين مشروع التوطين ومشاعر الوطن المضيف.
أما بالنسبة للمراكز النسائية والشبابية في المخيمات، والتي تعتني بتوفير أنشطة تعليمية أو رياضية للطلاب وورشات عمل تثقيفية واجتماعية للنساء، فلها وضعها الخاص. ففي حال كان المركز تابعاً أو مدعوماً من الأونروا أو غيرها من المنظمات العالمية، تكون جميع الأنشطة السياسية ممنوعة منعًا باتًّا. وإن كانت هذه المراكز محلية، فتكون تحت رقابة دائمة. تحدثت سلامة عن مجهودها هي وبعض زميلاتها في المركز النسائي في مخيم الزرقاء في تنظيم الأنشطة والاحتفالات البسيطة، إلا أنه وفي كل نشاط أو احتفال كان يتطلب دعوة مسؤول ما من المحافظة أو البلدية و“إضافة شيء للوطن المضيف” في الفعاليات. “مسيطر عليكي دايما والمخابرات بكل مكان”، أضافت، “بس الوضع تغير بعد 7 أكتوبر. صار فيه مساحة أكبر للتنظيم والحديث السياسي”. إلا أن المخاوف بان هذه المساحة ما هي إلا جزء من “سياسة تنفيس الغضب” دائما حاضرة في أذهان سلامة وزميلاتها، فهل ستكون هناك عودة إلى الوضع السابق بعد انتهاء العدوان على غزة؟