المملكة العربية السعودية أهم نظام ملكي مطلق في المنطقة، بحاكم أوتوقراطي وسُلطوي، في حين أن اليمن هو الجمهورية الوحيدة، بغض النظر عن تفتته الحالي، أو إخفاقاته العديدة في مساره الديمقراطي لما قبل الحرب. فرق آخر يتمثل في كون 85٪ من سكان المملكة العربية السعودية يعيشون في مناطق حضرية، بينما يعيش 70٪ من اليمنيين في تجمعات ريفية متباعدة.
كذلك، ما لا يقل عن 30٪ من سكان المملكة العربية السعودية مهاجرون أجانب ذوي إقامة مؤقتة، ومن بينهم العديد من اليمنيين، ولا يتمتعون بأدنى حقوق الإنسان الأساسية، ولا بتلك المرتبطة بقانون العمل الدولي. في المقابل، يكاد لا يسكن اليمن سوى اليمنيون. وعلى المستويين المالي والاقتصادي، تعيش المملكة العربية السعودية على عائدات صادراتها النفطية، حيث تنتج ما يقارب 10 ملايين برميل يوميًا، ما يجعل منها لاعباً مهماً على الساحة السياسية العالمية. في حين يعدّ اليمن أفقر دولة في العالم العربي، ولا يمكن اعتباره من بين منتجي النفط، فقد بلغ هذا الإنتاج ذروته بمعدّل 400 ألف برميل في اليوم في عام 2000، وما انفك يتراجع منذ ذلك الحين، وقد عجّلت الحرب ذلك. كما لا يملك اليمن وسائل التأثير على الاستراتيجية الدولية، باستثناء سيطرته على البحر الأحمر المؤدي إلى قناة السويس عبر مضيق باب المندب وسمعته (غير المنصفة) كبؤرة للإرهاب الإسلاموي.
مناهضة “للشيوعيين الملحدين”
تأسست المملكة العربية السعودية عام 1932. وبعد عامين، دخلت في نزاع مسلح مع إمامة صنعاء، انتهى بالاستحواذ على ثلاث محافظات، وهي نجران وجيزان وعسير. تمّ ذلك في الأول بناء على اتفاقيات بمدة عشرين سنة قابلة للتجديد. ولم تشهد العقود التالية التي ظلت خلالها المملكة العربية السعودية بلدا فقيرا تطوّرا هاما في العلاقات مع الإمامة، ولا مع عدن ومحمياتها، الخاضعة لهيمنة البريطانيين.
لم يكن مفاجئا أن تعارض المملكة العربية السعودية إنشاء الجمهورية العربية اليمنية في عام 1962، بل وأن تعارض إنشاء جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، التي كانت الدولة الاشتراكية الوحيدة في العالم العربي. نتحدّث هنا عن عصر كانت فيه النزعة الجمهورية في تصاعد، عصر تمت فيه الإطاحة بأنظمة ملكية أخرى (في العراق ومصر وليبيا)، وتحصّلت فيه المستعمرات في أماكن أخرى من العالم الثالث على استقلالها، لتصبح بدورها جمهوريات. لذا، كان الملوك في الستينيات يرون أنفسهم مهددين بالانقراض. وخلال الحرب الأهلية في الجمهورية العربية اليمنية بين عامي 1962 و1970، دعم النظام السعودي بصفة معلنة الصف الإمامي/الملكي. وفي حين تُقدم الطائفية على أنها السبب الرئيسي للتوترات، يجدر التذكير بأن المملكة العربية السعودية دعمت ملكًا زيديًا (أي شيعيًا) ضد نظام جمهوري سني.
أطلقت المملكة العربية السعودية، خلال هذه الحرب، سياستها المتمثلة في دعم وتقوية زعماء القبائل الزيدية في أقصى شمال اليمن، بما في ذلك الاتحادان القبليان الرئيسيان، حاشد وبكيل. وقد استمرت هذه السياسة بعد هزيمة قوات الإمام، حيث دعم النظام السعودي في الوقت نفسه السلطات المركزية في صنعاء، ليضمن بالتالي بقاء الدولة اليمنية ضعيفة وفي حالة تنافس مع السلطات القبلية المتعارضة المتمركزة في الشمال. نفذت بالتالي المملكة العربية السعودية بشكل فعال سياسة “فرّق تسد” في الجمهورية العربية اليمنية.
خلال السنوات الثلاث والعشرين من وجود جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، كان العداء للنظام “الشيوعي” سمة ثابتة لسياسة المملكة العربية السعودية. وقد دعمت الأخيرة بشكل ملحوظ مجموعات في المنفى دبلوماسياً ومالياً وإعلامياً، لكنها شجعت أيضاً التوغلات المسلحة في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية. وقد خف الوضع قليلا بعد سنة 1976 بعد إقامة علاقات دبلوماسية بين البلدين، لكن المملكة العربية السعودية ظلت إلى حد كبير معادية لنظام جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية.
العلاقات بعد قيام الجمهورية اليمنية
لم ترحب المملكة العربية السعودية بتوحيد اليمن سنة 1990، لأنها ترى في يمن موحد يجمع عدداً كبيراً من السكان تهديدا. وكان هذا أحد الأسباب التي جعلت رئيس الجمهورية العربية اليمنية علي عبد الله صالح، والأمين العام للحزب الاشتراكي اليمني علي سالم البيض، يسارعان في العملية، خشية منهما أن تحاول السعودية والمعارضون في الداخل تقويض مشروع الوحدة.
بعد أربع سنوات فقط من ذلك، خلال الحرب الأهلية لسنة 1994، شجع السعوديون الفصيل الانفصالي في الجنوب على إعادة تأكيد الاستقلال، مع أن المملكة العربية السعودية كانت قد عارضت بشدة قبل ذلك بوقت قريب هذه المجموعة التي كانت تصف أعضاءها آنذاك بـ“الشيوعيين الملحدين”. ومع ذلك لم تعترف العربية السعودية بالدولة الانفصالية التي أعلنها علي سالم البيض في عدن في مايو/أيار 1994. كان من الممكن أن يساعدها الاعتراف الدولي على البقاء، لكن عوض ذلك، هُزم الانفصاليون بقوة في غضون بضعة أسابيع، على يد قوات علي عبد الله صالح.
منذ منتصف التسعينيات وإلى غاية بداية الحرب الحالية سنة 2015، واصل السعوديون لعب دور رئيسي في السياسة اليمنية، ولكنهم قاموا بذلك غالبا بشكل خفي. ولأنهم كانوا دائما ينظرون لليمن على أنه خطر يهدّدهم، تظل استراتيجيتهم متمثلّة في العمل على أن تكون البلاد في نفس الوقت قوية بما يكفي وضعيفة بما يكفي، بحيث لا يمكنها تحدي السعودية بشكل فعال. وإلى غاية 2011، كانت السياسة السعودية تجاه اليمن تحت إدارة الأمير سلطان بن عبد العزيز، الذي كان يرأس المكتب الخاص للشؤون اليمنية، حيث كان يقوم باختيار المستفيدين من الإعانات السعودية. وقد بلغت ميزانيته السنوية 3,5 مليار دولار. لكن خلال السنوات التالية، ومع تعاقب أمراء مختلفين على الملف اليمني، قلّص نظام الملك عبد الله تدخّله في تفاصيل الشؤون اليمنية.
عمل نظام صالح جاهدا للحفاظ على هذه العلاقة الصعبة مع المملكة العربية السعودية، والتي تتراوح بين التبعية المالية ومحاولات الحفاظ على الاستقلال السياسي. كان على عبد الله صالح أن يوازن بين الحاجة إلى الدعم المالي لحكومته، والدعم السعودي لقادة القبائل الأقوياء الذين كانوا يطعنون في سلطته. وقد تجلّى موقف المملكة السعودية الملتبس تجاه صالح بصفة واضحة في 2011، عندما أصيب بجروح بليغة في انفجار قنبلة في مسجد قصره يوم 3 يونيو/حزيران بصنعاء، وتم نقله جوًّا إلى المملكة العربية السعودية للعلاج. ولكن بعد ذلك بشهرين، تمكّن من التسرب من جديد إلى اليمن ليؤكد على سلطته، ويواصل عرقلة جهود المملكة العربية السعودية وبلدان أخرى لوضع اللمسات الأخيرة لاتفاق مجلس التعاون الخليجي، الذي يهدف إلى إخراج اليمن من عهد صالح وضمان الانتقال نحو نظام أكثر قبولا لدى الشعب اليمني.
في الأخير، وبمساعدة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، اضطر صالح إلى التوقيع على الاتفاق والتخلي عن رئاسة البلاد. كان من الممكن للسلطات السعودية أن تتركه يموت في اليمن أو أن تقدم له علاجا غير مجد في الرياض لتسوية مشكلتهم هكذا مع الزعيم اليمني. من المرجح أن التكفل بهذا الضيف كان سيكون مختلفا بعد عام 2015، حيث إن القائد الفعلي للمملكة العربية السعودية، محمد بن سلمان، لم يتردد في سجن سعوديين من الصف العالي في فنادق فاخرة أو تنظيم اغتيال أحدهم في قنصلية البلاد بإسطنبول.
تأثير إيديولوجي
للعلاقات بين المملكة العربية السعودية واليمن جانب شعبي مهم، حيث عاش وعمل ملايين اليمنيين في المملكة على مدى العقود الماضية. تتأثر التصورات الشعبية بآليتين رئيسيتين: أولاً، وإلى وقت قريب جدًا، كان اليمنيون الذين يعيشون في المملكة العربية السعودية (سواء كان ذلك بصفة قانونية أم لا) يعتمدون على دخلهم في معيشتهم ومعيشة عائلاتهم. وبالتالي، صار الاقتصاد اليمني ككل يعتمد على التحويلات المالية لهؤلاء المهاجرين، والتي كانت أعلى بكثير من المساعدات الدولية للتنمية.
على المستوى اليومي، تأثر اليمنيون أيضا إيديولوجيا بالعيش في ظل القيود التي تفرضها الثقافة الوهابية. وقد حصل التأثير الإيديولوجي أيضا، أولا في الجمهورية العربية اليمنية ولاحقا في الجمهورية اليمنية، من خلال تمويل ودعم النظام التعليمي اليمني الذي أشرف عليه مدرسون مصريين وسودانيون. فخلال السبعينيات والثمانينيات، تم توظيف المدرّسين في صفوف جماعة الإخوان المسلمين لهذين البلدين، وكان المطلوب منهم أن ينشروا الثقافة الإسلامية في المدن والقرى حيث كانوا يعملون.
فضلا عن ذلك، عملت كوادر دينية تم تكوينها في الجامعات السعودية في كل ربوع اليمن، ليس فقط في المناطق ذات الأغلبية السنية، بل كذلك في المناطق الزيدية حيث تم إنشاء دار الحديث الشهيرة، وهو معهد تكوين سَلفي أنشئ سنة 1980، ليصبح بعد ذلك مركزا للأصولية السنية في قلب المنطقة الزيدية وأماكن أخرى في اليمن.
مهما كانت التغيرات التي تشهدها الإيديولوجيا السعودية الرسمية، سيتطلب وقتا طويلا حتى تفقد عقود من الترويج للإسلام الأصولي طابعها كعامل سياسي وثقافي مؤثر في اليمن، كما هو الحال في العديد من البلدان الأخرى.
حرب ضد المدنيين
عندما أصبح سلمان ملكا في 2015، لم يكن أي مسؤول سعودي رفيع على دراية بتعقيدات السياسة اليمنية، خاصة في المرتفعات الشمالية. صحيح أنه لم يكن هناك شك بأن المملكة العربية السعودية ستتدخل في النزاع بين نظام هادي والحوثيين، لكن طبيعة هذا التدخل فاجأ الكثيرين. فخلال المراحل السابقة، حرصت المملكة السعودية على العمل في اليمن من خلال وسطاء، بدلا من شن عمليات عسكرية مفتوحة. وقد أظهر تدخلها المحدود في الحرب ضد الحوثيين سنة 2009 نيابة عن نظام علي صالح ضعف السعودية عسكريا، مما عزز الأحكام المسبقة المنتشرة في الخارج بخصوص القدرة الإجمالية لقوات المملكة.
انتهت عقود من التدخل السعودي الخفي في الكواليس في الشؤون اليمنية بشكل مفاجئ في أوائل عام 2015 مع صعود محمد، نجل سلمان الصغير المفضل، إلى السلطة. وقد تزامن ذلك مع استيلاء التحالف بين صالح والحوثي (آنذاك) على العاصمة اليمنية صنعاء بشكل نهائي ورسمي، وهروب الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، واستنجاده بدول مجلس التعاون الخليجي لاستعادة سلطته “الشرعية”.
بكامل التهوّر، أطلق وزير الدفاع الجديد آنذاك -محمد بن سلمان- عملية “عاصفة الحزم” الجوية في مارس/آذار 2015، معتقدا أنه سيحقق نصرا سهلا وسريعا بفضل الأسلحة المتطورة والمكلفة التي تحصلت عليها المملكة العربية السعودية من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا ومن بلدان أخرى. من الواضح أنه لم يعر اهتماما لتحذير جده سنة 1934 بأن اليمن “بلد جبلي وقبلي. لا أحد يستطيع السيطرة عليه.. كانت الدولة العثمانية آخر الغزاة الذين فشلوا. لا أريد توريط نفسي أو شعبي في اليمن..”.
لم يحقق التحالف المناهض للحوثيين، والذي يوصف رسميا بأنه تحت قيادة السعودية، إلا نتائج قليلة جدا خلال ثماني سنوات من وجوده، بل تسبب أساساً في مقتل أكثر من 100 ألف يمني بسبب الحرب مباشرة، و220 ألف آخر بشكل غير مباشر بسبب الحصار الجوي والبحري والأزمة الإنسانية، وتدمير جزء كبير من البنية التحتية الصحية وغيرها في اليمن والتفتت الاجتماعي. كما قتلت الغارات الجوية التي تقودها السعودية المئات من المدنيين خلال السنوات الخمسة الأولى، في هجمات استهدفت المدارس والمستشفيات والأسواق والمناسبات الاجتماعية مثل حفلات الزفاف والجنائز.
وعلى الرغم من انخفاض هذه الهجمات بشكل كبير منذ 2020، حيث صارت تقتصر على الأهداف العسكرية، يبقى هذا القصف حيا في ذاكرة اليمنيين، ولم يتم تحديد أية مسؤولية عن الهجمات ضد المدنيين. كما لم يُتخذ أي عمل جاد لتعويض الضحايا أو أقاربهم، ناهيك عن الاعتراف بهذه الأحداث على أنها جرائم حرب. بل وتم حلّ المراقب المستقل الوحيد لهذه الجرائم، وهو “فريق الخبراء البارزين الدوليين والإقليميين بشأن اليمن” التابع لمجلس حقوق الإنسان للأمم المتحدة، وكان ذلك سنة 2021 نتيجة النفوذ السعودي في المجلس. في حين أتت إحدى التدخلات القليلة من “إدارة المساءلة” التابعة للحكومة الأمريكية لتثير مسألة استخدام الأسلحة والذخيرة الأمريكية من طرف التحالف الذي تقوده السعودية، وبالتالي إثارة قضية مسؤولية الولايات المتحدة عن مقتل المدنيين.
شملت الجبهات الرئيسية للحرب محافظتي صعدة وحجة التي شن منها الحوثيون توغلات في المحافظات الثلاث -عسير ونجران وجيزان- التي ضمتها المملكة العربية السعودية بشكل دائم في الاتفاقية الحدودية النهائية الموقعة في عام 2000. وهي مناطق جبلية، وتشبه ثقافيا الجارة اليمنية، بما في ذلك وجود جماعات إسماعيلية مهمة. ونظرا لتاريخها وتركيبتها الاجتماعية، فضلا عن المستوى المتدني عموما للاستثمارات والخدمات المتوفرة، فقد تكون لشكوك النظام السعودي بخصوص وفاء سكانها بعض الأسس. ومن المرجح أن تساهم الإجراءات التي اتخذها النظام للتعامل مع الوضع -بما في ذلك تهجير السكان من قرى مختلفة ليتم تركيزهم في عدد أقل من التجمعات الكبيرة- في إثارة السخط بدلا من تعزيز التضامن مع النظام السعودي.
الخروج من “المستنقع اليمني”
أصبحت رغبة السعوديين في الخروج مما أصبح مستنقعا يمنيا واضحة منذ فترة قصيرة. فعلى المستوى الداخلي، لم تعد الحرب تحظى بشعبية لأسباب من بينها توغلات الحوثيين البرية بشكل متزايد في المحافظات الجنوبية الغربية، فضلا عن استهدافهم للمنشآت النفطية بالطائرات المسيرة والصواريخ في كثير من مناطق البلاد. وعلى الرغم من أن الميزانية السعودية قد تعززت سنة 2022 بسبب الارتفاع غير العادي لأسعار النفط، يبقى أن التكلفة الشهرية للحرب -والمقدَّرة بين 5 و7 مليارات دولار- تمثل استنزافا هاما لموارد المملكة، خاصة في وقت يحتاج فيه محمد بن سلمان إلى المليارات لتمويل مختلف المشاريع المرموقة التي لا تبدو فوائدها لشعب المملكة جلية.
على الصعيد الدولي، أدى التدخل العسكري السعودي في اليمن إلى الإساءة أكثر إلى سمعة البلاد، والتي أطلق عليها جو بايدن حين كان مرشَّحا لرئاسة الولايات المتحدة لقب “الدولة المنبوذة”، بعد اغتيال المفكّر السعودي جمال خاشقجي، بالقنصلية السعودية بإسطنبول في 2018. واليوم ونحن نكتب هذه الأسطر، وبينما يجري عن أن الرئيس بايدن “سيسحب كلامه” ويشيد بمحمد بن سلمان خلال زيارته المقبلة للمملكة العربية السعودية، يجدر بنا التذكير بموقفه السابق الذي كان يرتكز أكثر على المبادئ.
بعد عدد من الإجراءات المترددة منذ 2020، بدأ النظام السعودي في أبريل/نيسان 2022 في العودة الى استراتيجيته التقليدية المتمثلة في العمل بالكواليس. وتحت غطاء مؤتمر للحوار اليمني نظمه مجلس التعاون الخليجي في الرياض، شهد مئات السياسيين اليمنيين استقالة الرئيس هادي بعد إقالته لنائب الرئيس علي محسن الأحمر، في مشهد يُذكّر باستقالة الوزير الأول اللبناني سعد الحريري في نوفمبر/تشرين الثاني 2017.
تم استخلاف هادي بمجلس رئاسي من ثمانية أعضاء، يتكون في الغالب من أمراء حرب مناهضين للحوثيين، ضاربين عرض الحائط بتاريخ فشل المجالس الرئاسية السابقة في اليمن. ويتضمن تفويضه بصفة صريحة التفاوض على اتفاق سلام مع الحركة الحوثية. وبالتزامن مع الدعم السعودي والدولي للهدنة الأولية التي دامت شهرين والتي نظمها المبعوث الخاص الجديد للأمم المتحدة، تشير هذه الخطوات إلى أنه من المرجح أن يعود النظام السعودي إلى نهج مستتر في اليمن، ولكن أيضا إلى أن لديه نية التحكم في التطور السياسي في البلاد. يبقى أن نرى إن كان سينجح.
مهما يكن الأمر، وعلى أمل إنهاء القتال -إن لم يكن إنهاء التنافس بين الساسة والمجموعات الإقليمية-، تبقى العربية السعودية لاعبا مهما، بل اللاعب الخارجي الأساسي في الحياة السياسية والاقتصادية لليمن. لا يوجد حل بديل لا لليمن ولا للسعودية، فهما بلدان جاران، وتبقى العربية السعودية وجهة العمال اليمنيين مهما كانت القيود التي تفرضها المملكة.
مع تفاقم الأزمة المناخية، والتي تتجلى في اليمن قبل كل شيء من خلال ندرة المياه، من المرجح جدا أن يصبح عدد كبير من اليمنيين مهاجرين مناخيين قصريين خلال العقود القادمة، وستكون وجهتهم المملكة. من غير المرجح أن يكون اليمن قادرا على الاستغناء عن الدعم المالي للمملكة العربية السعودية، حتى وإن كان بالتأكيد أقل بكثير مما يأمله اليمنيون. كما ستؤثر تصورات اليمنيين عن المملكة العربية السعودية في العلاقات بين الدولتين، التي تتراوح بين تبعية الحكومة المعترف بها دوليا، والعداء الواضح والحازم من جانب جماعة الحوثيين. أما على المستوى الشعبي، فستستمر التصورات الملتبسة التي بُنيت على مدى عقود.