أسُسُ السياسةِ الإيرانيّة في سوريّا

تبقى طهرانُ الحليفَ الأوَّل لدمشق في وقتِ الذي يزدادُ فيه التدخُّلُ الروسي في سوريا. ماذا تريدُ الدولةُ الإسلاميّةُ من ذلك الدعمِ غيرِ المشروطِ لنظام بشار الأسد؟

حسن روحاني
مجتبه سليمي، 7نيسان/ أبيرل 2007

دعمَت طهران نظامَ الأسد، ممّا سمحَ له بالبقاء. وقد أظهرَ فيَلق القدس بقيادةِ الجنرال غسان سليماني، عن قدرتِه العسكريّة على التصدّي لتنظيمِ الدولة الإسلامية على الأرض. فماذا تريدُ إيران؟ أن تدافعَ عن قدراتِها الميدانيّة ضِدَّ إسرائيل وذلك بحمايةِ شبكتِها السياسيّة والعسكرية لصالحِ حزب الله اللبناني؟ أن تقوّي الجماعات الشيعيّة من أجلِ تشكيلِ شبكةٍ سياسيّةٍ وعسكريَّةٍ إمبرياليّة قويّة، ومحورٍ شيعيٍّ قادرٍ على مواجهةِ الدولِ السنِّيَّة وخاصّةً الممْلكة العربيّة السعودية؟ أن تستغلَّ الفوضى والأزماتِ في الشرق الأوسط – من أفغانِستان إلى ليبيا – كي تفرضَ نفسَها على الساحة الدوليّة على أنّها الدولةُ والقوميّةُ الوحيدة في المنطقةِ القادرةِ على حفظِ على الأمنِ الإقليمي؟

لكلٍّ رأيٌ يقدِّمه، مشبعٌ غالباً بإيديولوجيَّة الخطابات حولَ “الخطرِ الإيراني” الذي سيجْتاحُ مِنطقة الشرق الأوسط بإسلامِها الثوريِّ ثمَّ بقنبلتِها النوَوِيَّة. وبحكمِها تنقُل الخطابَ الإسرائيليَّ وخطابَ الجمهوريّين الأميركيين، تُثبِّت هذه الآراءُ صورةَ إيران كـ “مِحوَرِ الشرّ” في ذهنِ عددٍ من السفاراتِ الغربيّة والمحلِّلين الذين لا يجِدون تفسيراً سوى الحيِّزِ الدينيِّ من السياسة الإيرانية (الأولويّة لحزبِ الله)، على حسابِ الحيِّز الوطني الذي يحظى على إجماعٍ في طهران1.

حِلفٌ يعودُ إلى الحرب العراقية – الإيرانية

تجدُ كثيرٌ من الأجوبةِ لقراءةِ الأزمات الحاليّة في الشرق الأوسط جذورَها في الحرب العراقيّة الإيرانيّة، التي اندلَعَت خلالَ الحرب الباردةِ والتي تلَت انهيارَ نظامِ الشاه الموالي للولايات المتحدة. حافظَت إيران دائماً على علاقاتٍ مع شيعةِ لبنان2 والحركةِ الأصوليّة الإسلاميّة للشيرازيّين الذين استَقرّوا على مقربةٍ من دمشق في محيطِ قبرِ الست زينب، بنتِ الإمام الحسين3. وبحكمِ العداءِ الذي واجهَته في الأغلبيّة الساحِقة في العالم العربي، رأت إيران في نظامِ حافظِ الأسد حليفاُ عربيّاً قادراً على فتحِ جبهةٍ في غربِ العراق وأخرى أكثرَ أهميّة في لبنان لمواجهةِ الغرب الذي كانَ داعِماً لصدام حسين. كان الجانبُ الإيديولوجيُّ الشيعي، المعادي لإسرائيل هامّاً في التقارُبِ السوري -الإيراني، إلّا أنَّ الصراعَ الأساسيَّ كان حينَها على الجبهة العراقية.

وتثبَّت الحلفُ العسكري الذي تشكَّلَ في فترةِ الحرب من خلالِ حلفٍ سياسيٍّ مستدامِ يضمنُ لإيران توازناً أكبر في القوى لمواجهةِ مجلسِ التعاونِ الخليجيِّ وفي وجهِ العراق الذي لم يستقرَّ بعد (اتِّفاق دفاعٍ وُقِّع عام 2007). يأتي تنفُّذُ إيران في سوريا في سياقِ ذلك الحلفِ القديم والمستدام والثمينِ لأمنِها الوطني. على أنَّ ذلك الحلفَ ليس محايداً، كما أن إدارتَه صعبةٌ، لأنَّهُ يمسُّ بجبهةِ الممانعةِ ضدَّ اسرائيل، وبالشبكات الأصوليَّة الشيعية، وخاصةً بسياسةِ النظام السوري الذي يبيدُ شعبَه. وكلُّها مُعطَياتٌ تذهبُ في عكسِ مسارِ السياسةِ الحاليّة للرئيس حسن روحاني الذي تمَّ انتخابُه في 2013.

لم يَعدْ مُمكِناً تصديرُ الثورة

بعد أن حسمَت إيران ملفَّها النووي من ناحيةِ المبدأ، أصبحَت الأولويّةُ تطبيعَ علاقاتِها الخارجيّة بشكلٍ دائم، وتأمينَ الاستقرارِ السياسي للجمهوريّة الإسلاميّة. من هنا، يبدو الصراعُ السوريُّ مجازفةً من شأنِها أن تعيقَ أو تصدَّ “عودة إيران”. فعلى الصعيدِ الداخلي، ما زال الحلفُ السوري واللبناني يحملان دمغةَ ماضٍ مكوَّن من حروب، وعمليّات إرهابيّة، وشبكاتٍ سريّة، وخطاباتٍ ثوريّةٍ يسيْطِر عليها الجناحُ الأكثر تشدداً في النظام الإيراني، والمعادي لمواقف رفسنجاني العمليّة، ولمواقف محمد خاتمي الإصلاحيّة، والذي يُعادي اليوم الإجماعَ العام الذي توصَّل إلى تحقيقِه روحاني.

لقد تمَّ التخلُّص من تلكَ الحركة ِالأصولية المؤيِّدة لتصديرِ الثورة عام 1988، حين تمَّ تحييدُ آيةَ الله علي منتظري بعدَ إعدامِ مهدي هاشمي الذي كانَ ناشطاً يُحيِي تيّاراً ثوريّاً إسلامياً. إلّا أنّه تمَّ الحفاظُ على الإرثيْن اللبناني والسوري، وبطريقةٍ سلميّة، بعدَ معركةِ قادَها الإصلاحيّون أمثالُ خاتمي أو مديرُ مكتبِه الأسبق محمد علي أبتاحي الذي يجيدُ العربيّة بطلاقة مميَّزة، والذي كانت أولويَّتَه تحسينُ العلاقات مع العالم العربي أكثرَ منها المجابهةُ العدائيّة مع إسرائيل.

كما أنَّه تمَّ الترويجُ لهذا الإرث من قِبلِ “حُماةِ الثورة” الذين حارَبوا في لبنان، وحافَظوا على علاقاتٍ مع سوريا، وقاموا باستِثمارات عديدةٍ (فنادق، عقارات) تتعلَّقُ مُعظمُها بتطوُّر الحجِّ إلى مقامِ الست زينب، الذي أعادَت إيران ترميمَه بفخامةٍ4 والذي يجذبُ (أو بالأحرى كانَ يجذبُ) أكثرَ من مليونِ شخص يأتون بالباص أو بالقطار. فبالنسبة لإيران، باتَت سوريا مركزاً سياحياًّ شعبياً ومُربِحاً. من هنا، فإن دورَ دمشق كمركزِ لقاءٍ بينَ رجالِ الدين الشيعة والإيرانيّين، أو بين مُناضِلي حزب الله اللبناني والمناضلين الإيرانيين الذين وضعوا نصبَ أعينِهم الصراعَ ضدَّ إسرائيل، قد تهمَّش إنَّما دونَ أن ينتَهي بفعلِ تلكَ الحركةِ الاقتصاديَّة والدينيَّة الشعبِيّة.

كان الجنرالُ غسان سليماني، قائدُ فيلقِ القدس من أهمِّ الفاعلين في ذلك الحلفِ القديم مع سوريا. وقد أصبحَ بحكمِ تجربتِه من أقوى الرجالِ وأكثرهم كفاءةَ على الساحتين العسكرية والسياسيّة في العراق وإيران ولبنان. فقد أظهرَ جهوزيّة عمليّاتية مباشرةً حين اندلعَت الحربُ في سوريا ضدَّ الجهاديين. وهو معروفٌ داخلَ إيران على أنَّه بطلُ الصراع ضدَّ “الإرهابيّين الكفَرة” الذين تدعمُهم المملكةُ العربيّة السعودية، بقدرِ ما هو معروفٌ – خاصةً خارجَ إيران – على أنَّه الداعمُ الأساسيُّ للنظامِ السوري الذي يرتكِبُ الجرائمَ بحقِّ شعبِه.

“سوريا هي إقليمُنا الاستراتيجي”: هذا ما صرَّح به مهدي طائب، أحدُ مهندسي “فوزِ” محمود أحمدي نجاد عام 20095. هذا واقعُ الحال. إلّا أنّ “تشييعَ” أو “فرسنة” سوريا يبقى محدوداً ومُحدَّداً. لم يعدْ ذلك هدفاً بحدِّ ذاته، بل جزءاً وأداةً في خدمةِ السياسةِ الإيرانية، لتحقيقِ الأهدافِ التي باتَت أولويّة: الأمنُ القومي، التطوُّرُ الاقتصادي، وهذان الهدفان ضروريّان لضمانِ استقرار طزيل المدى للجمهوريّة الإسلامية.

بالتالي، فإن إدارةَ الرأسمال العسكري والسياسي، والإيديولوجي الإيراني في سوريا صعبةٌ على الحكومةِ الإيرانيّةِ الحاليّة، لأنَّ ذلك “الكائن السياسي” الذي يذكّر ببدايةِ الثورة الإيرانية يقوّي الفئاتِ الأصوليَّةَ التي تناهِضُ تطبيعَ العلاقاتِ الدولية. ولكنَّ هذه الفئاتِ – كما كان حالُ البرنامج النووي - في واقعِ الأمر، أداةُ ضغطٍ لدى النظامِ الإيراني لدفعِ دولِ المنطقةِ والدولِ العظمى للتصدّي لسببِ الحرب الأساسي: وهو الصراعُ السياسيُّ بين جمهوريَّةِ إيران الإسلامية منذُ نشأتِها والمملكة العربية السعودية.

ساحة معركة بين الفرس والعرب؟

للصراع في العراق وسوريا أسبابٌ محليّةٌ معروفةٌ (الغزو الأميركي عام 2003، سياسةُ نوري المالكي الطائفيّة، همجيّةُ بشّار الأسد)، إلا أنّه ما كان لتلك الحروبِ أن تندلعَ، أو أن تأخذَ ذلك المنحى المأساويَّ، لو لم تأتِ في سياقِ النزاعِ بين جمهوريّة إيران الإسلامية والمملكة العربية السعودية.

ليس هذا النزاعُ بجديد6، إلا أنَّه أخذ بعداً جديداً بعد أن اكتسبَت دولُ الخليج قوّةً سياسية وعسكريّةً من الصف الأوَّل، لا سيَّما على إثر تكوينِ مجلس التعاون الخليجي. فالشبكات الدينية التي تموِّلها المملكة العربية السعودية لمُناهَضة “الإسلام الثوري الإيراني” أو لمحاربة الاجتِياحِ السوفييتي في أفغانستان باَتت تهيمِنُ على العالم الإسلامي. وقد أسفرَت بالتالي عن تكوينِ حركاتٍ جهاديّةٍ خرجَت عن سيطرةِ المملكةِ العربية السعودية ولكنها تصبُّ على المدى القصيرِ في مصلحتِها، بمقاومتِها الصريحة للشيعة ولإيران التي تشعرُ بالتهميش وبأنها مُحاصرةٌ بالإسلام الوهّابي.

إذا نظرْنا للأمورِ من مَنظورِ المملكةِ العربية السعودية، فإن تسليمَ السلطة للأغلبيَّة الشيعية في العراق أكَّد وجهةَ النظر التي تفيدُ بأنَّ الولايات المتحدة تحاولُ مُوازنةَ القوى في المنطقةِ بعد هجومِ الـ 11 من أيلول/ سبتمبر 2001، وذلك عن طريقِ تحفيزِ “عودة إيران”. بناءً على ذلك، لم يكنْ من شأنِ الاتفاقِ على النووي إلّا أن أكَّدَ هذا التحليل، فأصبحَ ضرورياً على المملكةِ ان “تكسرَ القوسَ الشيعي”، وذلك بإسقاطِ حليفِ إيران بشار الأسد، وذلك بأسرعِ وقت.

أدّى قمعُ المظاهرات في درعا في 18 آذار 2011 إلى بلبلةٍ في الدوائر الديبلوماسيّة، لا سيّما الفرنسيّة منها، والتي أرادَت أن تتَفادى أخطاءَ مصر والشام، معتبِرةً منذُ البداية أن بضعةَ أسابيع كافيةٌ لتنحّي الأسد7 .كانَ هناك سلطةٌ شاغِرةٌ في الشام. رأت المملكةُ العربيّةُ السعوديّةُ ودولُ الخليج الأخرى في ذلك فرصةً لا تعوَّضُ للتدخُّل، فدعَمت مؤيِّديها، لا بل أرسلَت إلى سوريا المحاربين الجهاديّين المتمرِّسين الذين قاتلوا في أفغانستان والجزائر وبوسنيا أو الشيشان. نعرفُ كيف استطاعَت القوى الإسلاميّة الأصوليّة والمتمرِّسة من تهميشِ قوى المعارضةِ على الأرض. بعد ذلك أتت من العراق موجةُ “الدولة الإسلامية”. لم يعدْ بإمكانِ إيران أن تبقى مكتوفةَ الأيدي.

منذ عام 2011، اتَّصلَت طهران بجهاتٍ من التنظيمات المعارِضةِ لتتأكَّدَ أنَّ النظامَ “القادم” في دمشق سيكونُ مستقِلّاً عن المملكةِ العربية السعودية وسيفسَح لإيران مكاناً. إلا أنَّه سرعانَ ما تبيّنَ أنّ القوى القادرةَ على أسقاطِ النظام السوري هيَ التي تتلقَّى الدعمَ من الدولِ النفطية. بدا واضحاً لإيران أن التدخُّل السعودي لا يهدِفُ إلى إسقاط طاغيةٍ بقدرِ ما يهدِفُ إلى مُحاصرةِ الجمهورية الإسلامية. أكثرَ ما تخشاه إيران كانَ أن يؤدّي سقوطُ الشام إلى سقوطِ بغداد. وقد أثبتَ صعودُ تنظيمِ الدولةِ لاحقاً أن ذلك التخوُّفَ كانَ صائباً. فبالنسبة لطهران وكلِّ الطبقةِ السياسية الإيرانية التي عاشَت ثماني سنوات من الحربِ ضدَّ العراق، إن فرضيَّة حكومةٍ عراقيّةٍ تسيطرُ عليها المملكةُ السعوديّةُ الوهابيّة المواليّة للولايات المتحدةِ الأميركيّة غير مَقبولة. ودخلت القوى السياسيّةُ الإيرانية بمجمَعِها، تحتَ رئاسة أحمدي نجاد ثمَّ تحتَ رئاسةِ روحاني، في الحربِ في سوريا ضدَّ “التكفيريّين”، هؤلاء “المهرطقين المُعيبين للإسلامِ الحقيقي”. استُحضِرَت كلُّ مكوِّنات الأداةِ الإيرانيّة في سوريا ولبنان، من حزبِ الله إلى المستشارين العسكريين (وأحياناً المُحاربين) في فيلقِ القدس، لتُضافَ إلى تمويلِ وتسليحِ حكومةِ دمشق. ليسَ الهدفُ الدفاعَ عن مواقعَ إيران في مواجهةِ إسرائيل، إنّما ضمانَ أمنِ الحدودِ الوطنيّة، التي تغزوها باستمرارٍ في بوشستان قوى جهاديّةٌ آتِيَةٌ من باكستان، والتي تهدِّدُه عودةٌ محتمَلةٌ للطالبان في أفغانستان.

في اجتِماعات مجموعاتِ البحوث think tanks في الشاتام هاوس Chatham House، والتي تحكُمها قاعدةُ التحفُّظ، يُصِرُّ الرسميّون الإيرانيّون أنّهم يدعَمون “حكومة دمشق” إذ إن انهيارَها سيؤدّي إلى كارثةٍ كما في ليبيا، ولكنّهم لا يدعَمون “نظام” بشار، والذي يبقى على أيِّ الحكمَ المُعتَرفَ به لدى الأمم المتحدة، والذي يقرِّرُ مستقبلُه السوريّون وحدُهم. تعرفُ طهران أنَّ “بشار قد انتهى”، ولكنها تريدُ إيجادَ حلٍّ سياسيٍّ مقبولٍ كي تكونَ “حكومة دمشق” مستقِلَّةً وممثِّلة للتنوُّع السوري.

في هذه الأثناء، مع تدهوُرِ الوضعِ على الأرض، تُثبِّت طهران إنجازَها، بدعمٍ من موسكو. في خطابِه إبّان عيد الجيش، أكّد روحاني أن إيران “ستدعمُ كلَّ دولةٍ ستتعرَّضُ لقوى إرهابيّة كما حدثَ للعراق وسوريا”، وأنّه يَجِبْ عدمُ التعويلِ على الدول العظمى"8 . بعدَ أن تحرَّرَت من أغلالِ الإشكالِ النووي، تبحثُ إيران اليوم عن حيِّزٍ في الأمن الإقليمي لا مكانَ فيه للقوى العظمى، والذي يشكِّل التعايشُ السلمي مع المملكةِ العربيّة السعودية سبيلاً له. ولم تنفكّ حكومةُ روحاني الذي جعلَ من هذا الملفِّ ثاني أولوياتِه بعدَ الملف النووي، عن دعوةِ جارتِها إلى النقاش، إلّا أنَّ الملك عبد الله ثمَّ الملك سلمان من بعدِه رَفضا حتى اليوم أيَّ اتِّصالٍ رسمي، وحتى زيارةَ نائبِ وزيرِ الخارجية محمد جواد ظريف.

أجبرَت مأساةُ اللاجئين والخطرُ الإرهابي في أوروبا الدولَ العظمى على أخذِ زمامِ المبادرةِ على الأرض: تدخُّلٌ عسكريٌّ فرنسيّ، تكثيفُ الدعمِ الروسي لدمشق. إلا أن الضغوطاتِ ليَست كافيةً لكي تبحثَ القوى العُظمى عن حلٍّ سياسي على الأرض بين مختلفِ الفاعلين الإقليميين، كما حدثَ فيما يخصُّ الملفَّ النووي. ربما ستأتي الواقعيَّة من ضغطِ الشركات، التي تأخذُ إيران اليومَ محملَ الجدِّ، كما أخذَت دولَ الخليج محملَ الجدِّ قبيلَ ثلاثين سنة. ولقد أدّت مجموعاتُ ضغط رجالِ الأعمال الأميركيين الكونغرس إلى عدمِ إعاقةِ الاتِّفاقِ على النووي. وقد تلعبُ زيارةُ وزيريْن فرنسيّين وحركةُ شرِكات فرنسا (MEDEF) في 21 أيلول/ سبتمبر الماضي إلى طهران، وبشكلٍ عامٍّ حراكُ أوساط ِالأعمال في العالم، دوراً مفيداً وإن غيرَ مقصودٍ في توازنِ القوى في المِنطقة، دوراً قد يكونُ أهمَّ من التدخُّل الفرنسي العسكري.

1من باب اللياقة، لن نذكر اسم الشخصيات السياسية والجامعية التي تعتبر دونَ مفارقةٍ أن سياسةَ إيران تقتصِرُ على الدفاع عن حلفائهم بشار الأسد وحزب الله.

2Houchang Chehab (éd.), Distant relations. Iran and Lebanon in the last 300 years, Tauris, 2006.

3Laurence Louër, Chiisme et politique au Moyen-Orient, Autrement, 2008, p. 55.

4Sabrina Mervin, « Sayyida Zaynab, Banlieue de Damas ou nouvelle ville sainte chiite ? », Cahiers d’études sur la Méditerranée orientale et le monde turco-iranien (Cemoti), 1996.

5iranwire.com, 16 juin 2014.

6في السبعينات، سعَت سياسةُ ريشار نيكسون إلى جعلِ الدولَتيْن“ركيزتي الأمن الإقليمي”، إّلّا أن الشاه فرضَ نفسَه كـ “دركي الخليج”. أدّى انهيارُ الامبراطوريّة الإيرانية عام 1979 لتحلَّ محلّها جمهوريّة، إلى زعزعةِ المملكة السعودية، وإلى نهوضِ معارضةٍ عبَّرت عنها، بشكلٍ غير مباشر، الحربُ العراقية الإيرانية ثمَّ إنشاءُ مجلسُ تعاونِ الخليج. راجع Furtig, Iran’s Rivalry with Saudi Arabia between Gulf wars, Ithaca, 2002.

7أُغلِقت قنصلِيَّتا حلب واللاذقية في 17 تشرين الثاني/ نوفمبر 2011، تلاهما إغلاقُ السفارة الفرنسية. في 23 تشرين الثاني/ نوفمبر، اعترفَ وزيرُ الخارجيّة ألان جوبيه“بشرعية” المجلس الوطني السوري الذي كان يرأسُه الأكاديميُّ برهان غليون.

8Agence IRNA, 22 septembre 2015.