كيف تستفيد قطر من الأزمة مع جيرانها؟

حذّرت السعودية، حسب مصادر دبلوماسية عديدة، من أنها ستتدخل عسكريا في قطر إذا أقدمت الأخيرة على شراء صواريخ S-400 روسية الصنع. من جانبه صرح الشيخ سيف بن حمد آل ثاني مدير مكتب الاتصال الحكومي في قطر أنه لو انصاعت بلاده لمطالب جيرانها “لشكّل ذلك تهديدا على مسار محاربة الإرهاب، وأدّى إلى الغياب الكامل لوسائل إعلام حرة في المنطقة”. بعد عام من اندلاعها، لا تبدو أزمة الخليج في طريقها إلى حل قريب.

الدوحة

أصدرت السلطات القطرية نهاية شهر مايو (أيار) الماضي قرارا يمنع استيراد المنتجات الغذائية والبضائع من الدول الأربع المقاطعة للدوحة منذ عام، (السعودية والإمارات والبحرين ومصر). وبذلك أصبحت جميع المتاجر والمحلات في البلاد مجبرة على إزالة البضائع والمنتجات التي صُنعت في هذه الدول مهددة بأن مفتشي الوحدات الإدارية التابعة لقطاع شؤون المستهلك في وزارة التجارة سيقومون بالمرور على جميع منافذ البيع والمجمعات الاستهلاكية العاملة بالدولة للتأكد من إزالة ورفع البضائع المذكورة.

يأتي ذلك في أعقاب تقرير لصندوق النقد الدولي،في مارس (آذار) الماضي يؤكد فيه تلاشي التأثير المالي والاقتصادي الذي تتعرض له قطر جراء الأزمة الدبلوماسية، ”في الوقت الذي تأثرت فيه النشاطات الاقتصادية بقطر كان غالب الأمر انتقاليا وأسست خطوط تجارية جديدة، والنظام البنكي في البلاد تأقلم“ حسب التقرير. كما أكد التقرير أنه وبعد الأزمة تراجع التمويل الأجنبي بقيمة 40 مليار دولار، إلا أن ذلك عولج عبر ضخ سيولة من قبل البنك المركزي القطري والصناديق السيادية الحكومية وبالأخص من قبل سلطة الاستثمار القطرية.

حظر قناة الجزيرة

يأتي القرار القطري مع اقتراب الذكرى الأولى لإعلان الدول الأربع (السعودية والإمارات والبحرين ومصر) مقاطعتها بشكل مفاجئ، وحصارها برا وجوا، فجر الخامس من يونيو (حزيران) ٢٠١٧ متبوعا بحملة شعواء ضد النظام القطري متهمة إياه بدعم الإرهاب، والتآمر على دول الجوار، وسحب السفراء، ومطالبة مواطنيها بمغادرة قطر، كما طلبت من المواطنين القطريين مغادرة أراضيها، ومنع وحظر جميع وسائل الإعلام القطرية.

الدول الخليجية الثلاث كالت الاتهامات لقطر ورمتها بتهم الإرتماء في أحضان الأعداء ”إيران وتركيا“، ووضعت لها ١٣ شرطا للعودة إلى الحاضنة الخليجية. كان من بين الشروط إغلاق قناة الجزيرة وإغلاق القاعدة العسكرية التركية وقطع العلاقات مع إيران، وقطع العلاقات مع “المنظمات الإرهابية”، مثل جماعة “الإخوان المسلمين”، ودفع تعويضات لدول الخليج الأخرى عن “الخسائر في الأرواح” و“الخسائر المالية الأخرى” الناجمة عن سياسات قطر. خلال عام من الأزمة فتحت قطر شاشات قنوات الجزيرة وصحفها المختلفة للمعارضين الإماراتيين والسعوديين والبحرينيين كما لم تفعل من قبل، كما سلطت الضوء على قضايا الفساد وانتهاكات حقوق الإنسان والقمع في كل من هذه الدول.

على الصعيد السياسي والدبلوماسي بين الدول الخليجية الثلاث وقطر، وبعد مرور عام على الأزمة أعلنت الدول المقاطعة عن تمسكها بمطالبها من قطر، فيما تبدو قطر صامدة في وجه المقاطعة، مصعدة خطابها الدبلوماسي والإعلامي ضد الدول المقاطعة. فقد وصف وزير الخارجية السعودي عادل الجبير في أحد تصريحاته قطر والأزمة القطرية بأنها ”صغيرة جدا وليست بالمسألة المهمة، لدينا قضايا أكبر نهتم بها كالاستقرار في العراق وسوريا وليبيا وإيران والقضاء على التطرف والإرهاب“. وأضاف:”نطالب قطر بوقف دعمها للإرهاب والتدخل في شؤون الدول المجاورة“.

تدخل ترامب

يأتي ذلك في أعقاب ما نشرته وكالة رويترز نقلا عن مسئولين أمريكيين بأن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب طلب في اتصال هاتفي مع ملك السعودي سلمان آل سعود بأن تنهي المملكة وشركاؤها العرب سريعا نزاعا مستمرا منذ نحو عام مع قطر الذي تسبب في انقسام حلفاء الولايات المتحدة بالمنطقة.

وزير الخارجية البحريني الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة الذي يهاجم قطر دائما عبر تصريحاته الرسمية وتلك التي عبر حساباته على مواقع التواصل الإجتماعي، يرى بأن "لا بارقة أمل الآن لحل هذه الأزمة“. وأكد آل خليفة تراجع "العمليات الإرهابية“ في البحرين منذ مقاطعة قطر وقال في لقاء صحافي نٌشر مؤخرا أن "التواصل مع الإرهابيين في البحرين توقف، لأنهم لا يأتون بشكل مباشر، وإذا كان لديهم تواصل مع الخارج فهو عن طريق إيران، وطرق التواصل مختلفة عبر تمويلهم، وإعطائهم المنصة الإعلامية وغيرها الكثير، يأتون إلى المواطنين في البحرين، ويستقطبونهم. هناك جوانب كثيرة تتعلق بيننا وبينهم لم تتوقف منذ عقود، نحن أكثر دول الخليجلدينا خلافات تاريخية مع قطر، لكن دائماً نحاول نقنع الإخوة بحجم ما نواجه من المشكلات، والآن مرّ عام واحد على المقاطعة، وما قمنا به هو أننا تصدينا للضرر بأنفسنا". وأكد خالد آل خليفة أن الدول الأربع المقاطعة لقطر، لم ولن تتضرر من تلك الخطوة، وهي ليست في حاجة إلى قطر، لكنها تأمل في عودة الدوحة إلى النسيج الخليجي، لأن في مصلحتها العودة إلى أشقائها الدائمين، مؤكدا أن الدوحة هي المتضرر الوحيد، "وإذا استمرت في سلوكها المسيء فإن المقاطعة ستطول“.

ورغم أن الدول المقاطعة أكدت عبر إعلامها الرسمي وغير الرسمي بأنها ستسهل حياة مواطنيها المقيمين في قطر وستتعامل مع القضايا بمنحى إنساني، إلا أنهيومان رايتس ووتشوصفت المقاطعة الخليجية لقطر بإنها ”تسببت في انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، كما انتهكت الحق في حرية التعبير وأدت إلى تشتت العائلات كما أدى إلى انقطاع التعليم، وتشرد العمالة الوافدة من دون طعام أو ماء“ كما جاء في أحد بياناتها. وفيتصريح لمديرة قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش سارة ليا ويتسن قالت: "تنتهك النزاعات السياسية التي يشنها حكام الخليج حقوق سكان المنطقةممن يعيشون حياتهم بسلام ويعتنون بأسرهم. وُضع مئات السعوديين والبحرينيين والإماراتيين أمام خيار صعب: إما تجاهل أوامر بلادهم أو ترك عائلاتهم ووظائفهم“.

بضائع تركية وإيرانية ولبنانية

وهو أيضا ما أكدت عليه منظمة العفو الدولية في تقرير صادر العام الماضي في أعقاب الأمة الخليجية جاء فيه ”إن المملكة العربية السعودية والبحرين والإمارات العربية المتحدة تتلاعب بحياة آلاف المقيمين في الخليج في سياق النزاع مع قطر، مفرِّقة العائلات ومدمرة سبل عيش الناس ومستقبلهم الدراسي“. "ينبغي معالجة النزاعات السياسية بين الدول على نحو يحترم حقوق الإنسان. وما من مبرر لتمزيق أوصال الأسر، أو قمع التعبير السلمي، أو تعريض مصير العمال المهاجرين للخطر. كما ينبغي وقف جميع التدابير التعسفية فوراً“ حسب ما صرح نائب مدير برنامج القضايا العالمية في منظمة العفو الدولية واختتم جيمس لينتش بالقول: ”ارتفعت أسعار البضائع ولكن أصبح هناك تنوع كبير في المنتوجات، فبعد غياب المنتجات البحرينية والسعودية والإماراتية، أصبح هناك منتجات تركية وإيرانية، لبنانية وغيرها من البلدان التي أصبحت قطر تعتمد عليها في استيراد المنتجات وخصوصا الغذائية، رغم إن بعض محلات البيع بالتجزئة تعاني بعض المشكلات بسبب وجود المكاتب الإقليمية لها في الإمارات العربية المتحدة“ هكذا أجاب مواطن بحريني يعيش في قطر فضّل عدم ذكر اسمه على استفسار حول ما الذي تغير بعد مرور عام من الأزمة.

نموذج سنغافورة

هذا المواطن البحريني هو واحد من 11327 مواطنا خليجيا يعيشون في قطر كما أعلنت الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان القطرية في يوليو (تموز) الماضي، والذين تضرروا من عدم وجود حدود برية يستطيع استخدامها لزيارة أهله وكذلك عدم وجود طيران مباشر. ”الشيء الوحيد الذي تغير منذ بدء الأزمة الخليجية هو قدرتي وعائلتي على زيارة الأهل في البحرين، فأصبح الأمر أطول وأصعب وأغلى، حيث لا طيران مباشر، والطرق البرية مقطوعة، فارتفعت التكلفة ٣ أضعاف بالإضافة إلى استغراقها وقتا طويلا مما جعلنا نقلل الزيارات للبحرين إلى الحد الأدنى“.

وأضاف: ”في البدء كان هناك خوف شديد على مصيرنا، بعد التواصل مع الجهات الرسمية في البحرين أخبرونا بأننا بحاجة لتصريح للعمل والإقامة في قطر، وبعد المتابعة، أخذنا تصريحا شفويا، وهو أمر مقلق لأنه ليس لدينا أي وثيقة تثبت على إن لدينا تصريحا“.

الكاتب والإعلامي العُماني الدكتور محمد اليحيائي يرى بأن قطر بعد عام من الأزمة تقترب أكثر من بدء مشروع بناء دولة وطنية على النموذج السنغافوري؛ بتحقيق شرط السيادة الوطنية في علاقاتها الخارجية، وفِي سياساتها الاقتصادية. وأضاف في تصريحات لأوريان21: ”منحت هذه الأزمة قطر فرصة تاريخية لمراجعة سياساتها السابقة، وعلاقاتها بجيرانها، وبمحيطها الإقليمي والدولي كما لمراجعة برامجها الاستثمارية الخارجية والداخلية“. وشدد الدكتور اليحيائي أن من المهم أن تشرع قطر في ”الالتفات أكثر إلى تمكين الإنسان في الداخل والشروع في حزمة إصلاح سياسي ودستوري يحول قطر إلى نظام حكم دستوري ديمقراطي ونموذج ديمقراطي عربي قادر على إقناع العالم بصواب مسارها ومشروعها الوطني.

أما الكاتب البحريني المعارض والمحاضر في قسم علم الاجتماع في جامعة لوند الدكتور عبد الهادي خلف فيرى بأنه: ”لا يبدو إن الرئيس الأمريكي ترامب في عجلة من أمره بالنسبة للأزمة الخليجية التي توفر لبلاده فرصاً إضافية في مجالات متعددة، وللأسف ليس لأيٍ من الأطراف الإقليمية بمن فيهم قادة السعوديًة والإمارات وقطر القدرة على التصرف دون التنسيق مع الإدارة الأمريكية المشغولة الآن بالملفيْن الكوري الشمالي والإيراني“. وأضاف في لقاء مع أوريان 21: "وحيث إن ترامب هو الوحيد القادر على تحريك طرفيْ الأزمة إما نحو التسوية أو نحو التصعيد فهي ستبقى ولفترة طويلة قادمة أزمةً تراوح مكانها، فما قد ينهيها بهذا الشكل أو ذاك هو أن يتخذ ترامب قراراً بشن حرب مباشرة أو غير مباشرة مع إيران، عندها سيحتاج إلى أن تصطف بلدان الخليج صفاً واحداً“ حسب تعبيره.

وأسف استاذ العلوم السياسية الاماراتي الدكتور عبد الخالق عبدالله على استمرار الأزمة الخليجية وغرد في الذكرى السابعة والثلاثين لتأسيس مجلس التعاون لدول الخليج العربية في والعشرين من مايو (أيار) الماضي: ”اليوم أكمل مجلس التعاون الخليجي 37 سنة ولم يحتفل أحداً بذكرى تأسيسه هذه السنة، مجلس التعاون هو اكبر مكسب لدول وشعوب الخليج العربي وهو اليوم الخاسر الأكبر من استمرار ازمة قطر لسنتها الثانية، الحفاظ عليه مسؤولية الجميع“.

يأتي ذلك كله في الوقت الذي ما زالت فيه الكويت تؤمن بالوساطة لحل الأزمة الخليجية كما جاء على لسان نائب وزير خارجيتها خالد الجارالله: ”منذ أن بدأت الأزمة والكويت لديها قناعة بأنها ستحل واذا كانت قد طالت فإن شاء الله لن تطول اكثر ومصيرها إلى الحل، بحكمة قادة دول مجلس التعاون وبحرصهم على تجربة هذا المجلس، وهذا العمل الخليجي الرائد، الذي حقق لنا من الإنجازات الكثير عبر 30 سنة، والذي حقق لنا من المكاسب الكثير عبر هذه السنوات، وبالتالي لن تسمح الدول الخليجية بأن تفرط بهذه المكاسب وستعمل على تحقيق اللحمة وتحقيق التضامن الخليجي، لما يسهم في طي صفحة هذا الخلاف“. مؤكدا على أن ”الوساطة الكويتية قائمة ولن تتوقف، إنما هناك جهود ومحاولات تهدف إلى تحريك الأوضاع المتعلقة بهذه الأزمة سواء من قبل الكويت أو من قبل الولايات المتحدة وآخر هذه الجهود الرسالة السامية من سمو أمير البلاد إلى أشقائه في الدول الاربع“.

يذكر أن الاقتصاد القطري احتفظ بمعدل نمو مستقر خلال 2017، مع توقعات بعام قادم أكثر قوة في 2018، فقد ساهم الحصار في تسريع وتيرة الجهود لتحقيق الاستقلالية الاقتصادية، حسب تقرير صادر عن مؤسسة أوكسفورد بيزنس غروب البريطانية للأبحاث، وهو ما أكده وزير الاقتصاد والتجارة القطري الشيخ أحمد بن جاسم آل ثاني ”بأن الاقتصاد القطري أثبت قوته وصموده أمام تحديات الحصار الجائر على دولة قطر، وقدرته على استيعاب وتجاوز جميع آثاره بدعم من السياسات الاقتصادية والتجارية الممنهجة التي أرستها القيادة“ في تصريح له مارس (آذار) الماضي.

واعتبر الوزير الحصار المفروض على قطر بمثابة مرحلة جديدة في مسيرة ترسيخ قوة دولة قطر، وتعزيز استقلالها وأمنها الاقتصادي، مشيرا في هذا السياق إلى أن قطر تغلبت على مختلف تحديات عمليات التوريد للسوق المحلي وحركة الموانئ والمطارات، عبر تدعيم خطوطها التجارية القائمة واستحداث خطوط جديدة ومباشرة مع عدد من الشركاء التجاريين الاستراتيجيين في جميع أنحاء العالم.