منبر حرّ

البحرين تستغل الأزمة الصحية لتكثيف القمع

في وقت توجه فيه أصابع الاتهام في كثير من الأحيان إلى البحرين بسبب الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان، ساهم وباء كوفيد-19 الذي سجل فعليا 1384 حالة وفاة من إجمالي عدد سكان يبلغ حوالي 1.7 مليون نسمة، في تكثيف ممارسات النظام القمعية والخانقة للحريات.

في سجن جو.
محمد الشيخ/وكالة فرانس براس.

سبق وأن أشار التقرير السنوي لمنظمة العفو الدولية1 في وقت مبكر من سنة 2020 إلى تدهور الوضع في الدولة الخليجية الصغيرة. إذا كانت القيود الجديدة تؤثر على حرية التعبير المكممة أصلا، فإن انتهاكات حقوق الإنسان قد تجلت بشكل خاص في إدارة سجون البلاد. أظهرت حركات احتجاجية للسجناء تم قمعها بعنف -وقد قامت صحيفة “غارديان” البريطانية بتغطيتها- أن وضع السجناء قد تدهور بشكل كبير بسبب الوباء والاكتظاظ وسوء المعاملة وانعدام النظافة والوصول إلى الرعاية الصحية للمعتقلين، مما يثير قلق المنظمات غير الحكومية والهيئات الدولية.

باسم الأمن الصحي

ضاعفت البحرين بالفعل رقابتها على التعبيرات المنتقدة ورصد المواطنين في ظرف الأزمة الصحية، مستغلة الحاجة إلى تتبع تحركات سكانها لأسباب صحية. وقد تم بصفة فعلية تجريم أي تعليق منتقد لإدارة الأزمة. مثلما سبق وأن فعلت ذلك بخصوص الحرب في اليمن، وهو مثال من بين أمثلة أخرى، حيث تذرعت بـ “الأمن القومي” لفرض الصمت على أي صوت معارض لسياستها، اغتنمت الحكومة وفق منظمة العفو الدولية ظروف الأزمة الصحية لإسكات أي نقد لها بحجة أن “الظروف الحالية” تتطلب “دعم أجهزة ومؤسسات الدولة”.

وهكذا، وظفت الحكومة البحرينية الوباء لتسخير وسائل أكثر أهمية لمراقبة الناس خاصة على الشبكات الاجتماعية. وهي وسائل تسمح لها بمراقبة نشر وبث “الأخبار الكاذبة” أو “الشائعات المتحيزة”.

أدانت المديرة الإقليمية المساعدة لمنظمة العفو الدولي لينا معلوف الاستراتيجيات المستعملة من طرف البحرين وكذلك دول خليجية أخرى، “لإسكات أي نقاش عمومي، وفي هذه الحالة بخصوص الوباء”. استندت البحرين إلى ترسانة تشريعية تتعلق بمكافحة الإرهاب والأمن السيبراني -التي تعززت بتعديل الدستور في أبريل/نيسان 2017 الذي يسمح بمحاكمة مدنيين متهمين بتهديد أمن الدولة أمام المحاكم العسكرية- لتوسيع نطاقها ليشمل التعبير عن الرأي بخصوص تسيير أزمة كوفيد-19. وقد انتقدت منظمة العفو الدولية المضايقات والتهديدات التي تعرض لها العديد من البحرينيين لمجرد التعبير علنا عن آرائهم بشأن الوباء.

تضاف هذه القيود الأخيرة إلى قائمة طويلة، إذ لم يعد هناك في البلاد أي وسيلة إعلامية مستقلة منذ غلق صحيفة “الوسط” في يونيو/حزيران 2017، ناهيك عن حل كل الجمعيات السياسية المصنفة معارضة. تمارس الحكومة الرقابة والمراقبة، وتُخضع كل المنشورات للترخيص وأيضا الرسائل على الشبكات الاجتماعية. وفضلا عن ذلك، منعت المملكة منذ 2014 دخول أراضيها لمراقبي حقوق الإنسان ومنهم منظمة العفو الدولية، وهيومن رايتس ووتش، وأيضا مؤسسات حماية حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة مثل المقرر الخاص حول حقوق الإنسان، الذين يرغبون في التحقيق بخصوص القيود المفروضة على الحريات وقمع مناضلي حقوق الإنسان البحرينيين.

لم تقبل الحكومة أي انتقاد بشأن تسيير الأزمة الصحية. ويدخل ذلك مباشرة مع تقبل شبه معدوم لأي صوت معارض: منذ سنوات تُستعمل الإدانات بنشر أخبار كاذبة لقمع الأصوات المعارضة مثل صوت المحامي عبد الله هاشم، الذي أدين في 2019 باستعمال مُبالغ للشبكات الاجتماعية ونشر أخبار كاذبة بخصوص تغريدات نشرت بين سنتي 2017 و2019 تتهم النظام بالفساد. وكذلك المناضل نبيل رجب، الذي حكم عليه بخمس سنوات سجنا في 2018 بسبب تغريدات تنتقد التدخل السعودي في اليمن.

فضلا عن توسيع نطاق الجنح والجرائم المرتبطة بالأمن القومي، زادت الحكومة البحرينية أيضا في المراقبة من خلال وضع أدوات تتبع، تستخدم رسميا لمكافحة انتشار الفيروس، ولكن استعمالها المكثف يثير قلق المنظمات غير الحكومية. وقد استنكرت منظمة “سلام للديمقراطية وحقوق الإنسان” ومنظمة العفو الدولية تطبيقات التتبع هذه، معتبرة إياها خطرا على احترام الحياة الخاصة ومتعارضة مع القانون البحريني الذي شهد صدور قانون حول حماية البيانات الشخصية في عام 2018. تتهم منظمة العفو الدولية تطبيق “BeAwareBahrain” (“كن يقظا يا بحرين”) بأنه من “أكثر التطبيقات تطفلا في العالم” بسبب جمعه للمعلومات الشخصية واستخدامه لبيانات نظام التموضع العالمي- (GPS) في الوقت الفعلي. يُنظر إلى هذا التدبير على أنه مبالغ فيه بالنظر إلى احترام الحريات الفردية، بينما أقدمت الحكومة بعد وقت قصير من إطلاق التطبيق على توزيع سوار إلكتروني يسمح بمتابعة الحالات النشطة للوباء وتنبيه وزارة الصحة في حال ابتعاد حامل السوار. يشهد استعمال تقنيات المراقبة المتقدمة الممزوجة بإطار تشريعي مناهض لحرية التعبير على تنامي مراقبة النظام في سياق الأزمة الصحية.

اكتظاظ في السجون وتدهور ظروف النظافة

على الرغم من إطلاق سراح حوالي 1800 سجين من جميع السجون مجتمعة لايزال الاكتظاظ قائما، مما أدى بالمنظمات غير الحكومية لحقوق الإنسان مثل العفو الدولية إلى مضاعفة جهودها للمطالبة بالإفراج عن الأشخاص الذين يفترض ألا يكونوا أبدا في السجن، أي السجناء السياسيون أو سجناء الرأي. يدخل إصرار المنظمات غير الحكومية على ضرورة إطلاق المزيد من السجناء ضمن القلق المتزايد بخصوص الوضع في سجون البلاد.

على الرغم من أن الحكومة البحرينية قليلة الشفافية بشأن الموضوع ـ يعود الإعلان الوحيد للسلطات إلى نهاية مارس/آذار 2021، ويذكر ثلاث حالات فقط في سجن جو ـ فإن الواقع المبلغ به إلى جريدة الغارديان من طرف معهد البحرين للحقوق والديمقراطية، وهي منظمة غير حكومية بريطانية للدفاع عن لديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين، يذكر على الأقل 138 حالة إصابة بكوفيد منذ مارس/آذار في سجن جو وحده. من ناحية أخرى، وعلى رغم ادعاءات الحكومة، استنكر السجناء كون ليس لديهم دائما خيار تطعيمهم، وبأنهم ليسوا كلهم تلقوا التطعيم. يبدو أن الخدمة الصحية (لاسيما حملة التطعيم) قاصرة في السجون البحرينية وتشكل مخاطر على صحة السجناء، في حين توفي أحدهم في 9 يونيو/حزيران 2021 بسبب كوفيدـ19.

بالإضافة إلى مسألة الاكتظاظ، هناك تدهور كبير للظروف الصحية والتي لم تعمل الحكومة على حلها على الرغم من الوباء. يشير تقرير كتابة الدولة الأمريكية حول أوضاع حقوق الإنسان في البحرين في 2020 إلى اكتظاظ صارخ من جهة، وإلى صعوبات في الوصول إلى المياه والرعاية الصحية للسجناء من جهة أخرى. على الرغم من تصريحات الحكومة، أبرزت العديد من التقارير قلة الوصول إلى المياه للاغتسال ونقص مرافق الصرف الصحي أو قلة نظافتها في السجون. كما أشار معهد البحرين للحقوق والديمقراطية إلى ظهور وباء الجرب في 2020 بسجن جو بسبب ممارسات نظافة سيئة.

إذا سبق وأن كانت ظروف الاعتقال في السجون البحرينية موضع احتجاجات، لا سيما في 2015 في سجن جو، فإن تقاعس الحكومة هو ما يثير القلق الآن، إذ لم يباشر في تطبيق التدابير الصحية مثل التباعد الجسدي إلا في وقت جد متأخر.

في أبريل/ نيسان 2021 أدانت منظمة العفو الدولية مرة أخرى عدم احترام القواعد الصحية في السجون البحرينية وأشارت إلى عدم منح المعتقلين أقنعة أو مواد هلامية كحولية. وهكذا أدى غياب تدابير النظافة والإجراءات الصحية أثناء الوباء إلى تفاقم الوضع مما عرض صحة المعتقلين للخطر، وهم أحيانا مسنين أو ذوي صحة هشة.

تمييز ضد السجناء السياسيين

دفع المعارضون السياسيون، الذين هم الهدف الرئيسي للنظام، أيضًا ثمن قمع الدولة خلال الأزمة الصحية. يذكر أنه منذ انتفاضة 2011 المطالِبة بإصلاحات عميقة للنظام السياسي، أدانت المملكة وسجنت العديد من مناضلي حقوق الإنسان والمعارضين السياسيين أو المحامين بعد محاكمات مجحفة تستند إلى اعترافات وهمية أو تم الحصول عليها تحت التعذيب.

في حين تم الإفراج عن حوالي 1500 سجين في تطابق مع التوصيات الدولية الهادفة إلى مكافحة انتشار الفيروس في الأماكن المغلقة، لم تمس هذه الإجراءات إلا عددا جد قليل من السجناء السياسيين المعتقلين منذ سنة 2011، والذي يقدر عددهم، حسب نبيل رجب، بـ4000 سجين. وبالفعل يشير تقرير منظمة “سلام من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان” إلى أنه تم إطلاق عدد قليل فقط من السجناء السياسيين خلال هذه الفترة، مثل نبيل رجب، المناضل البارز لحقوق الإنسان في البحرين ورئيس مركز البحرين لحقوق الإنسان، الذي أدين بالتحريض على الكراهية ضد النظام ونشر أخبار كاذبة بسبب تغريداته ضد الحرب في اليمن، والذي أطلق سراحه في 9 يونيو/حزيران 2020. وقد استمر هذا التمييز ضد السجناء السياسيين في إطار الأزمة الصحية حيث تدهورت ظروف الاعتقال بشكل خاص.

وأبرز الطابع المعدي الشديد لكوفيدـ19 بشكل خاص المشكلة الهيكلية لاكتظاظ السجون. يكون سجن جو، وهو الأكبر في البلاد، يأوي 2700 سجين في حين لا تتجاوز قدرته 1201 مكان فقط، وفق منظمة “حقوق الإنسان أولا” (المعروفة سابقا باسم لجنة المحامين لحقوق الإنسان)، وهي منظمة غير حكومية أمريكية ممنوعة من دخول البحرين منذ 2012.

ممنوعون من الرعاية الطبية

ليس غياب النظافة هو العامل الوحيد لتدهور ظروف الاعتقال. وقد سبق في سبتمبر/أيلول 2019 أن وجه فريق الأمم المتحدة الخاص بالاعتقال التعسفي والمقرر الخاص لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة والمقرر الخاص بحق كل فرد التمتع بأفضل مستوى ممكن من الصحة البدنية والمعنوية، أبلغوا حكومة البحرين عن قلقهم لرفضها المزعوم توفير الرعاية الصحية الملائمة والضرورية لمشاكل صحية خطيرة تتعلق بعشرات المعتقلين في سجن جو، وفقا للتقرير الذي سبق ذكره لمنظمة “سلام من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان” في ديسمبر/كانون الأول 2020. على الرغم من تأكيد الحكومة على أن السجون مجهزة بطواقم طبية متمرسة وبمعدات حديثة، قال المعتقلون بأنهم واجهوا صعوبات في الحصول على الرعاية، بما في ذلك الذين يعانون أمراضا مزمنة تتطلب رعاية منتظمة، وفق تقرير كتابة الدولة الأمريكية.

وهكذا يشير تقرير مشترك صادر عن المنظمات غير الحكومية “السلام من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان” ومنتدى البحرين لحقوق الإنسان بأن أخطر أشكال التعذيب وسوء المعاملة التي تم الكشف عنها في السنة الأخيرة في السجون هي الحرمان من الرعاية الطبية. وبالفعل وفقا لهذا التقرير “سجلت بين يناير/كانون الثاني 2019 و15 مارس/آذار 2021، 776 حالة انتهاك الحق في تلقي علاج طبي ملائم وضروري”. تجلى هذا الحرمان من الرعاية الصحية، الذي يتعارض مع الالتزامات الدولية للبحرين في مجال حقوق الإنسان، بشكل خاص ضد وجوه المعارضة السياسية المسجونين مثل حسن مشيمع وعبد الجليل السنكيس، اللذان يعانيان من أمراض مزمنة مختلفة.

تناولت بدورها المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان القضية في 2021 بعد القمع العنيف الذي تعرض له اعتصام سلمي نظم بسجن جو في أعقاب وفاة السجين السياسي عباس مال الله، بتاريخ 5 أبريل/نيسان 2021 بسبب عدم تمكنه من الحصول على العلاج الطبي الذي كان يحتاجه. طلبت الأمم المتحدة الحكومة بإجراء “تحقيق معمق وناجع حول القمع العنيف للاعتصام”، بالإضافة إلى معلومات عن أوضاع المعتقلين وضمان حصولهم على الرعاية الطبية. في حين واصل ناطق باسم الحكومة التأكيد بأنه لا يوجد أية حالات نشطة لفيروس كورونا في سجن جو وبأن المعتقلين يمكنهم الوصول إلى الفحوصات والتطعيم.

أثارت وفاة السجين السياسي حسين بركات في 9 يونيو/حزيران 2021 بسبب مضاعفات مرتبطة بكوفيد ـ 19 بدورها استنكارا شعبيا. فقد تجمع مئات المتظاهرين في شوارع الدية، متهمين الملك بالمسؤولية عن وفاة حسين بركات، الذي كان قد تلقى جرعتين من لقاح سينوفارم، ولكن لم يؤخذ تدهور حالته الصحية بعين الاعتبار من طرف سلطات السجن. وبالفعل فحسب منظمة سلام للديمقراطية وحقوق الإنسان “على الرغم من تشخيص حالة حادة من نقص الاكسجين، أعيد بركات إلى زنزانته حيث مكث خمسة أيام قبل أن تتدهور حالته الصحية بسرعة”.

أدلى الملك حمد بن عيسى آل خليفة بتصريح رسمي بمناسبة الذكرى السنوية للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، أكد فيه أن “القيم الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان” هما “الجناحان اللذان سيرافقان البحرين إلى المستقبل”. لكن هذا التصريح يفقد بريقه أمام واقع الوضع الصحي.

تنغلق الدولة الخليجية، التي أظهرت على الدوام عدم اكتراثها بالإدانات الدولية، على نمط قمعي أكثر فأكثر غير مبالية بحقوق الإنسان، على الرغم من تحذيرات المنظمات غير الحكومية والمجتمع الدولي. ويثير استغلال الأزمة الصحية لتكثيف القمع والرقابة، خاصة ضد السجناء السياسيين، القلق بخصوص مستقبل البلاد الذي يبتعد كل يوم أكثر عن انتقال ديمقراطي.

1حالة حقوق الإنسان في العالم، تقرير منظمة العفو الدولية 7 أبريل/نيسان 2020/2021